الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۴/۰۶/۰۲ چاپ
 

في مراسم احتفال مولد الإمام الرضا(ع) في حرم السيدة المعصومة(س)

الزمان: 2018/04/04

المكان: قم ـ حرم السيدة المعصومة(س)

«أي مفهوم يجب أن يتبادر إلى ذهننا في بادئ الأمر بعد استماع اسم الإمام الرضا(ع)؟» بهذا السؤال بدأ كلمته سماحة الأستاذ عليرضا بناهيان في مراسم احتفال مولد الإمام الرضا(ع) في مرقد اخته السيدة المعصومة(س)، وأجاب عنه بالاستناد إلى بعض الروايات والشواهد التاريخية. فإليكم أهم المقاطع من كلمته: 

ما هي خصيصة الإمام الرضا(ع) المهمة التي يجب أن تتبادر إلى ذهننا بمجرد استماع اسمه الشريف؟/ لقد كان الإمام الرضا(ع) ينادي بالولاية بكل صراحة

  • ما هي الخصيصة الأهم التي يجب أن تتبادر إلى ذهننا حين استماع اسم الإمام الرضا(ع)؟ هل كونه هاجر إلى إيران؟ هل كونه كان غريبا واستشهد غريبا؟ أو أنه كان ملقبّا بعالم آل محمد(ص)؟ فما هي الخصيصة التي يجب أن نعتبرها أهم خصيصة في شخصيته(ع)؟ كل هذه هي من الخصائص والأحداث المهمّة التي في حياته الشريفة، ولكن ليست واحدة من هذه الخصائص هي الخصيصة التي يجب أن نعتبرها أهمّ خصيصة في شخصية الإمام الرضا(ع). فلم يكن دور الإمام الرضا(ع) ومهمّته الخاصة شيئا من هذه الأمور. صحيح أن الإمام الرضا(ع) قد دخل في جهاز الحكومة قهرا، وفرض عليه منصب ولاية العهد وهذا ما لا سابق له في تاريخ حياة أئمة الهدى(ع)، ولكن مع ذلك لا يصلح هذا الحدث الفريد أن يتبادر إلى ذهننا بصفته الخصيصة الأهم في شخصية الإمام الرضا(ع).
  • لقد كان الإمام الرضا(ع) وبمقتضى ظروفه ودوره أكثر من باقي أئمة الهدى(ع) صراحة في النداء بالولاية. فقد كان يدعو الناس إلى الولاية بكل صراحة وبإمكاننا القول بأنه لم يبلغ أحد من الأئمة إلى صراحة الإمام الرضا(ع) في الدعوة إلى الإمامة والولاية.
  • هنا نستقرئ شيئا من كلمات الإمام الرضا(ع) حول الولاية والإمامة وسوف تجدون أنه لا یمکن العثور بسهولة على مثل هذا الوصف العميق والصريح في ما يرتبط بمعارف الإمامة والولاية بين أحاديث باقي أئمة الهدى(ع). وحتى الآن وبعد مضيّ هذه السنين الطويلة قد لا يمكننا نقل بعض كلمات الإمام الرضا(ع) الصريحة والعالية المضامين لأي أحد. فكثير من الناس لا يستوعبون كلمات الإمام الرضا(ع) في الإمامة وقد يخالفونها.
  • كان الإمام الرضا(ع) يدعو إلى أمر الولاية حتى في زمن الطاغوت العبّاسي هارون الرشيد؛ هذا الطاغوت الذي ليس لقوّته وطغيانه مثيل في تاريخ الإسلام. إن هارون الرشيد هو ذلك الطاغوت الذي استطاع أن يقتل الإمام موسى بن جعفر(ع) ولو خفية وباحتيال، مع أن جميع تلامذة الإمام الصادق(ع) كانوا في خدمة الإمام موسى بن جعفر(ع). فلم يكن قتل الإمام موسى بن جعفر(ع) بأمر هيّن على الحاكم. ولذلك بعدما اعترضوا على هارون وقالوا له: «إن علي بن موسى الرضا(ع) يدعو الناس إلى أمر الولاية بكل حريّة، فما بالك لا تمنعه؟!» قال هارون: أما يكفينا ما صنعنا بأبيه؟ «عَنْ صَفْوَانَ بْنِ یَحْیَى قَالَ: لَمَّا مَضَى أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ع، وَ تَکَلَّمَ الرِّضَا ع، خِفْنَا عَلَیْهِ مِنْ ذَلِکَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّکَ قَدْ أَظْهَرْتَ أَمْراً عَظِیماً وَ إِنَّا نَخَافُ مِنْ هَذَا الطَّاغِی. فَقَالَ: لِیَجْهَدْ جَهْدَهُ فَلَا سَبِیلَ لَهُ عَلَیَّ. قَالَ صَفْوَانُ: فَأَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَنَّ یَحْیَى بْنَ خَالِدٍ قَالَ لِلطَّاغِی: هَذَا عَلِیٌّ ابْنُهُ قَدْ قَعَدَ وَ ادَّعَى الْأَمْرَ لِنَفْسِهِ. فَقَالَ: مَا یَکْفِینَا مَا صَنَعْنَا بِأَبِیهِ؟! تُرِیدُ أَنْ نَقْتُلَهُمْ جَمِیعاً!» [عیون أخبار الرضا/2/266]

كان الإمام الرضا(ع) يحظى بصراحة وشجاعة رهيبتين في الدعوة إلى أمر الولاية والإمامة

  • كان الإمام الرضا(ع) يحظى بصراحة وشجاعة رهيبتين في الدعوة إلى أمر الولاية والإمامة. قال أحد أصحاب الإمام(ع): «قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع فِي أَیَّامِ هَارُونَ: إِنَّكَ قَدْ شَهَرْتَ نَفْسَكَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَ جَلَسْتَ مَجْلِسَ أَبِیكَ وَ سَیْفُ هَارُونَ یُقَطِّرُ الدَّمَ! فَقَالَ: جَرَّأَنِي عَلَى هَذَا، مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص «إنْ أَخَذَ أَبُو جَهْلٍ مِن‏ رَأْسِي شَعْرَةً فَاشْهَدُوا أَنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ» وَ أَنَا أَقُولُ لَکُمْ «إِنْ أَخَذَ هَارُونُ مِنْ رَأْسِي شَعْرَةً فَاشْهَدُوا أَنِّي لَسْتُ بِإِمَامٍ.» [الكافي/8/258]
  • وحري بالتأمّل قول الإمام الرضا(ع) الصريح إلى المأمون لما استدعاه إلى دار الخلافة، فقال له الإمام: «لا تزعم يا مأمون إنك قد زدتني عزا في العالم الإسلامي بقصرك وسلطنتك وبما قربتني إليك. فأنا كنت أركب دابتي في المدينة وتطاع أوامري في شرق العالم وغربها.» يعني قد كنت أحكم القلوب بلا هذه الخدم والحشم وأجهزة البلاط ولا حاجة لي بقوّتك الظاهرية! ؛ «...فَوَ اللَّهِ إِنَّ الْخِلَافَةَ لَشَيْ‏ءٌ مَا حَدَّثَتْ بِهِ نَفْسِي وَ لَقَدْ کُنْتُ بِالْمَدِینَةِ أَتَرَدَّدُ فِي طُرُقِهَا عَلَى دَابَّتِي وَ إِنَّ أَهْلَهَا وَ غَیْرَهُمْ یَسْأَلُونِّي الْحَوَائِجَ فَأَقْضِیهَا لَهُمْ فَیَصِیرُونَ کَالْأَعْمَامِ لِي وَ إِنَّ کُتُبِي لَنَافِذَةٌ فِی الْأَمْصَارِ وَ مَا زِدْتَنِي مِنْ نِعْمَةٍ هِيَ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي» [عيون أخبار الرضا/2/167]

أهم موضوع اشتغل عليه الإمام الرضا(ع) هو الإمامة/ كان الإمام المنادي الكبير بالإمامة والولاية

  • عندما كان يجد الإمام الرضا(ع) أقل فرصة وأدنى مجال لتعريف الناس على مفهوم الولاية والإمامة، كان يدع باقي المفاهيم من قبيل الصلاة والصوم والمواضيع الأخلاقية على جانب، ويتطرّق إلى صلب الموضوع والمفهوم الرئيس في الدين أي الولاية والإمامة. والمثال البارز هو حديث سلسلة الذهب وسوف أشير إليه.
  • وقد أشار الإمام الرضا(ع) إلى السبب في هذا الترجيح حيث قال: «بِالإمام تمام الصَّلاةِ وَالزَّکاةِ وَالصّیامِ وَالحَجِّ وَ الجِهاد وَ توفِیرُ الفَيءِ وَالصَّدقات وَ إمضاءُ الحُدودِ وَالأحکام» [الكافي/1/197] يعني أهمّ موضوع كان قد سلّط الإمام عليه الأضواء هو موضوع الولاية والإمامة، وكان هذا بمرأى ومسمع المأمون ولكن لم يكن يقدر على فعل شيء.
  • لذلك عندما نذكر الإمام الرضا(ع) يجب أن يتبادر إلى ذهننا أنه كان «المنادي الكبير بالإمامة والولاية»، لأنه كان الأكثر صراحة من باقي الأئمة ـ بمقتضى ظروفه ودوره ـ في تبيين أمر الإمامة والولاية. هذه هي الخصيصة الأهم في شخصية الإمام الرضا(ع).
  • يودّ الناس أن ينادوا الإمام الرضا(ع) بلقب السلطان؛ «يا سلطان! يا أبا الحسن! يا علي بن موسى الرضا(ع)!» وهو ليس بلقب عاميّ خاصّ بالعوام. فكان الإمام حتى في زمان حياته سلطانا على القلوب، وأقرب إمام إلى جهاز الحكم بحسب الظاهر. طبعا من المعلوم أن الإمام لم يكن يحظى بالأنصار بالقدر الكافي ولكنه لم يكن يتنازل عن التوعية والتبصير.
  • وكذلك نحن ننادي الإمام الرضا بعنوان «الغريب» أو «غريب الغرباء» وهذا أمر صحيح، ولو لم يكن الخصيصة الأهم في شخصية الإمام الرضا(ع). لأن الإمام لم يخرج من غربته إلا بعد أن أصبح حاكما على العالم على الإطلاق، لا أن يكون له مرقدا واسعا فقط. لا يخرج الإمام الرضا(ع) من غربته إلا بعد أن وسع حرمه الأرض برمّتها، وأصبحت البحار والمحيطات والمياه والجبال كلّها أروقة في أنحاء حرمه. وفي الواقع سيبقى أئمتنا غرباء إلى أن تستقرّ حكومة الإمامة على الأرض بشكل كامل.

إن حديث سلسلة الذهب سند تاريخي يدل على مهمّة الإمام الرضا(ع) الخاصة في دعوة الناس إلى أمر الولاية

  • السند الآخر الذي يمكن الاستشهاد به على هذا المدعى هو حديث سلسلة الذهب. حاولوا أن تتصوّروا المشهد والأجواء التي ألقى فيها الإمام هذا الحديث في نيسابور. كان قد تجمع هناك عشرون ألف كاتبا. [الحياة السياسية للإمام الرضا(ع)، للشيخ مرتضى العاملي، ص145]، كما كان قد احتشد علماء باقي المدن ومثقفوها وكلٌّ بيده القلم والدوات. قد حضر المجلس علماء العلوم النبوية وأكثريتم الساحقة لم يكونوا من الشيعة، ولكنّهم كانوا يحترمون ويقدّرون الإمام الرضا(ع)، إذ كان مشهورا بالعلم والمعرفة وقد بلغ صيته إلى تلك المدينة. فكان قد اجتمع عدد كبير من العلماء وكانوا متلهفين إلى حديث الإمام الرضا(ع) ليروي لهم حديثا عن النبي(ص) ويبيّن لهم شيئا مهمّا من معارف الدين.
  • بدأ الإمام الرضا(ع) بالحديث وَ قَدْ كَانَ قَعَدَ فِي الْعَمَّارِيَّةِ فَأَطْلَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ: «سَمِعْتُ أَبِي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ع يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ يَقُولُ سَمِعْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ‏ مِنْ‏ عَذَابِي» [أمالي الصدوق/235] إلى هنا لم يرو الإمام لهم شيئا جديدا، ولعلّ كل الحاضرين كانوا قد سمعوا بهذا الحديث أو بمضمونه. إنه حديث معروف وقد اشتهر هذا المضمون عن رسول الله(ص) أن قال في بداية دعوة قريش إلى الإسلام: «قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا».
  • فالكل كانوا بانتظار باقي الحديث. ولكن الإمام سدّ ستار عمّاريّته وانطلقت الناقة. فاشتدّ عجب الحاضرين، وامتدّت أعينهم إلى ناقة الإمام بتعجّب واستغراب وكان الإمام يعرف جيدا ماذا يفعل. وفي تلك الأثناء وبعد ما مرّت الراحلة أضاف إلى حديثه كلمة واحدة وبكلّ صراحة وقال: «بِشُرُوطِهَا وَ أَنَا مِنْ شُرُوطِهَا» [المصدر نفسه] يعني لا يُقبل من أيّ أحد أن يقول: «لا إله إلا الله» ولا يأمن عذاب الله إلا بشروط، وأنا الإمام الرضا من شروط قبول الشهادة. يعني لا يُقبل إسلامكم إلا بشرط قبول ولايتنا وإمامتنا أهل البيت(ع).

هل تستطيعون أن تتحدثوا عن الإمامة بصراحة الإمام الرضا(ع)؟/ حتى بعض المؤمنين لا يتحمّلون الاستماع إلى حديث حول الولاية بهذه الصراحة

  • في الواقع لقد صرّح الإمام الرضا(ع) بالكلام الآخِر منذ البداية. هذه هي خصيصة الإمام الرضا(ع) البارزة. فيا ترى هل تستطيعون في هذا الزمان وبعد كل هذا التطوّر والقوّة التي وقعت بيد المؤمنين أن تتحدّثوا عن الولاية والإمامة في كلّ مكان وبنفس قوّة الإمام الرضا(ع) وصراحته؟! إنه لأمر صعب جدّا. ثم إن دعوتكم إلى الولاية أسهل وأقل مؤونة إذ لا تدعون إلى أنفسكم كالإمام الرضا(ع) الذي كان يدعو إلى نفسه، ولكن مع ذلك إن دعوة الناس إلى الولاية وبهذه الصراحة لأمر عسير. طبعا ولا شك في أن في بعض الأماكن وفي بعض الظروف قد لا تقتضي المصلحة ذلك، وليس هناك من يستوعب هذا الكلام وقد يؤدي إلى سوء فهم المستمع، فبطبيعة الحال ينبغي مراعاة مستوى المستمع وقابليّته في تقبّل هذه المعارف. أما في غير هذه الموارد وعند توفّر المستوى المطلوب عند المستمع، التصريح بكلمة الحق المخالِفة لرأي عامة الناس وتفنّد الرأي السائد في المجتمع يحتاج إلى شجاعة كبيرة. ولا سيّما إذا كان ظاهر كلمة الحق هذه دعوة إلى النفس كما كان في موقف الإمام الرضا(ع) حيث قال: وأنا من شروطها.
  • أرأيتم إذا بدأ رجل يتحدّث عن أفضليته عليكم، ألا تسيئون الظن به وتحملون كلامه على الكبر؟! فانظروا إلى موقف الإمام الرضا(ع) الصعب، حيث كان بين ذلك الحشد الكبير الذي لم يكن اجتماعا شيعيّا، أفلم يكن جديرا به أن يخشى أن لا يتحمّل الناس كلامه ويخالفوا كلمته الصريحة؟! أو أن يقولوا: جاء علي بن موسى الرضا(ع) وتحدّث عن ولايته ودعانا إلى نفسه تاركا كلّ المعارف الدينية؟! فلم يكن ذلك الاجتماع العظيم في نيسابور قد أتقن جميع المقدّمات وكان بحاجة إلى معرفة بعض المفاهيم قبل أن يصل إلى موضوع ولاية الإمام الرضا(ع). وفي الواقع حتى بين الشيعة إن جاء أحد وتحدّث عن الولاية بهذه القوّة والصراحة قد لا يطيقه البعض. يعني حتى بعض المؤمنين قد لا يطيقون ولا يستوعبون الكلام عن الولاية بهذه الصراحة والشدّة.

كان السبب الرئيس والغالب في عداء الناس للأنبياء، هو أن الأنبياء كانوا يدعون الناس إلى إطاعتهم

  • أحد الشعارات المهمّة التي أطلقها الأنبياء وقد نقله القرآن إحدى عشرة مرّة هو قوله تعالى نقلا عنهم: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطیعُونِ) [شعراء/ 108]. ولا يخفَ عليكم أن تقبّل هذه الحقيقة القرآنية التي تدلّ على أن الأنبياء كانوا يدعون إلى طاعة أنفسهم ثقيل على قلوب بعض الناس، وحتى في إحدى الجلسات بعد ما شرحت لهم هذه الحقيقة، اعترض عليّ أحد المؤمنين الذي قد صعب عليه هضم هذا الأمر وقال: «لم يكن الأنبياء يدعون الناس إلى أنفسهم قطّ، بل كانوا يدعون إلى إطاعة الله!» في حين أن الآيات القرآنية قد صرّحت بأنهم لم يكونوا يدعون الناس إلى طاعة الله وحسب، بل إلى طاعة أنفسهم أيضا؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطیعُونِ).
  • بطبيعة الحال، عندما يأتي أحد الأنبياء ويدعو الناس إلى إطاعة نفسه، لا يتحمّل بعض الناس ويخالفونه. كما على أساس صريح آيات القرآن، إن كثيرا من معادي الأنبياء لم يعادوهم مخالفة للإله الذي يدعون إليه ولا مخالفة لرسالات الأنبياء، بل كانوا يخالفون الأنبياءَ أنفسَهم. ولذلك، السبب الرئيس الذي كانوا ينطلقون منه في مواقفهم هو أن «هؤلاء الأنبياء يدعون الناس إلى إطاعة أنفسهم». فعلى سبيل المثال كان يقول المعارضون من قوم نوح: (ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُکُمْ یُریدُ أَنْ یَتَفَضَّلَ عَلَیْکُم) [المؤمنون/24] يعني لم تكن مشكلتهم مع إله نوح بل مع نوح نفسه. حتى لم تكن مشكلتهم مع الأحكام والرسالة التي جاء بها النبي نوح(ع)، بل كانت مشكلتهم هي أن نوحا كباقي الأنبياء كان مطالبا بمنصب الرئاسة والزعامة.
  • طبعا من المعلوم أن الأنبياء عندما يدعون إلى إطاعة أنفسهم فهي في الواقع دعوة إلى الله وإلى إطاعة الله. ولكني أردت هنا أن أكشف لكم بصراحة سبب عداء المتمرّدين المتكبّرين على الولاية الذين أبوا أن يتواضعوا لوليّ الله على مرّ الدهور. وإلّا فمن الواضح أن إطاعة ولي الله هي عين إطاعة الله وإن الله هو الذي أمر أنبياءه بتبليغ ولايتهم.

عندما يقول الإمام الرضا(ع): «بشروطها وأنا من شروطها» يصعب على بعض الناس الخضوع لأفضلية الإمام

  • من المعلوم أنه عندما يقول الإمام الرضا(ع): «بشروطها وأنا من شروطها» يصعب على بعض الناس الخضوع لأفضليّة الإمام، ولكن لم يمنع هذا الأمر الإمام الرضا(ع) عن بيان كلمة الحق بشكل صريح.
  • نسأل الله يجعلنا من أكثر عباده تواضعا لمقام الولاية ولا سيّما بعد ما يظهر الإمام الحجة(عج) ونادى بولايته ودعا الناس إلى نفسه ودوّى صوته في جميع أرجاء العالم عالیا «أنا المهدي». فعندما يظهر الإمام صاحب العصر والزمان(عج) وقال «أنا من شروطها»، ورفع راية ولايته، نسأل الله أن يرى أنانيّتنا زائلة معدومة في مقابل أمامته.

وصف الإمام الرضا(ع) لعظمة الإمامة

  • قال الإمام الرضا(ع) في حديث طويل له حول عظمة الإمام: «الْإِمَامُ کَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ لِلْعَالَمِ وَ هِيَ بِالْأُفُقِ بِحَیْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَیْدِی وَ الْأَبْصَارُ الْإِمَامُ الْبَدْرُ الْمُنِیرُ» [الکافي/1/197] ثم قال: «الْإِمَامُ الْأَنِیسُ الرَّفِیقُ وَ الْوَالِدُ الشَّفِیقُ وَ الْأَخُ الشَّقِیقُ وَ الْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِیر... الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ لَا یُدَانِیهِ أَحَدٌ وَ لَا یُعَادِلُهُ عَالِمٌ وَ لَا یُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ وَ لَا لَهُ مِثْلٌ وَ لَا نَظِیرٌ» [المصدر نفسه].
  • ثم قال الإمام الرضا في تكملة هذه الخطبة(ع): «وَ تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ وَ تَحَیَّرَتِ الْحُکَمَاءُ وَ تَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ وَ حَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ وَ جَهِلَتِ‏ الْأَلِبَّاءُ وَ کَلَّتِ الشُّعَرَاءُ وَ عَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ وَ عَیِیَتِ الْبُلَغَاءُ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ أَوْ فَضِیلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ فَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِیرِ وَ کَیْفَ یُوصَفُ لَهُ أَوْ یُنْعَتُ بِکُنْهِهِ أَوْ یُفْهَمُ شَیْ‏ءٌ مِنْ أَمْرِهِ أَوْ یُوجَدُ مَنْ یُقَامُ مَقَامَهُ» [المصدر نفسه]
  • أسأل الله أن ينوّر قلوبنا بمعرفة الإمام(ع). وكما أن الإمام الرضا(ع) قد ربّانا على الولاء، أسأل ألله أن يتمّ نعمته علينا ويربّينا على الولاء التامّ الكامل لكي ننقل هذا العالم إلى عالم عصر الظهور تحت راية قائدنا المفدّى الإمام الخامنئي (دام ظله الوارف)، ونكون من الموطئين والممهّدين لظهور الإمام الحجة(عج).   

تعليق