الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۸/۱۲/۱۵ چاپ
 

زاوية الرؤية - الحلقة الأولی

لماذا علينا أن نبحث عن "وجهة النظر الصائبة" / الجزء الأعظم من سعادتنا أو شقائنا يعود الى نمط رؤيتنا/ نظرتنا الإيجابية أو السلبية تتوقف على وجهة نظرنا

الهويّة:

  • المكان: طهران، جامعة الفنون
  • الزمن: محرم 1439هـ  /2017م
  • الموضوع: زاوية الرؤية في الفن الملحمي
  • التاريخ: 7/محرم/  1439 ـ 28/9/2017
  • A4|A5 :pdf

أن نعيش بأمل  أو بيأس فهذا يعود الى نوعية رؤيتنا. فقد يُصاب شخص بالقنوط الشديد بمشاهدة ظاهرة ما، بينما قد يغمر شخصاً آخر أملٌ عارم بمشاهدة نفس الظاهرة، وهذا الأمر يعود الى نمط الرؤية وزاوية النظر عند الأشخاص.

يعود الجزء الأعظم من سعادتنا أو شقائنا الى أسلوبنا في الرؤية/ "البصيرة" تعني الرؤية الصائبة للأمور

  • "البصيرة" هي إحدى المفاهيم العالية القيمة والاستراتيجية في القرآن. فالله تعالى يعبّر عن القرآن الكريم بتعبير "البصائر": «هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ» (الجاثية/20). ويقول تعالى في آية أخرى: «قَدْ جاءَکُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَیْها» (الأنعام/ 104). فالقرآن بصائر نزل من جانب الله عزّ وجل.

  • والبصائر هي مجموع الرؤى التي بوسع المرء أن ينظر بها. والبصيرة تعني الرؤية الصائبة للأمور. فقول الله سبحانه وتعالى إن "القرآن بصائر" يعني أن القرآن يربي الإنسان بحيث يستطيع أن ينظر نظرة صائبة الى الأمور أو الظواهر.
  • يميّز القرآن الكريم بين "النظر" و"الرؤية" ، فحين يريد أن يتحدث عن النظر بالعين لا يستخدم مفردة البصيرة، بل يستخدم كلمة أخرى كفعلِ "ينظر".
  • يتوقف الجزء الأعظم من سعادتنا أو شقائنا على نمط رؤيتنا. كما أن قدرة التحليل لدينا ترتبط بأسلوب رؤيتنا للظواهر. التعمّق وتحديد المهام واتّخاذ المواقف تجاه جميع القضايا يتوقف هو الآخر على طبيعة رؤيتنا.

زاوية رؤيتنا هي التي تحدد النظرة الإيجابية أو السلبية والشعور بالأمل أو اليأس لدينا

  • شعورنا بالسرور والحزن أيضاً تابع لأسلوبنا في النظر إلى جميع الظواهر. رؤيتنا الإيجابية أو السلبية (التشاؤمية) وشعورنا بالأمل أو اليأس كلها تعود الى نوعية رؤيتنا. فقد يصاب شخص بالقنوط الشديد بمشاهدة ظاهرة ما، بينما قد يغمر شخصاً آخر أملٌ عارم بمشاهدة نفس الظاهرة. وهذا يعود الى نظرة الأشخاص وزاوية رؤيتهم.

  • على سبيل المثال، من الممكن أن ننظر الى ظاهرة داعش باعتبارها ظاهرة "مشؤومة" على الإطلاق، بينما نستطيع أن ننظر إليها من وجهة تماثل الوجهة التي نظر منها سماحة الإمام الخميني(ره)، فسبب أن سماحته كان يرى الحرب المفروضة من ألطاف الله الخفيّة هو أنه كان ينظر إلى هذه القضية من زاوية أخرى. كما أننا لو نظرنا إلى أعداء الثورة بنظرة سلبية سنقول "إنهم يتمتعون بذكاء حاد ويعملون بدقّة عالية"، بينما يرى أولياء الله أنه سبحانه قد "جعل أعداءنا من الحمقى"! أما النظرة الصائبة بالنسبة لأنفسنا فهي أننا في طور التقدّم وسيكون مستقبلنا مشرقاً أكثر بكثير من يومنا هذا، تماماً كيومنا الذي هو أفضل بكثير من أمسنا.

إن رؤيتنا لا تتكون من المعلومات فحسب، بل إنها تعبّر عن حالنا الباطنية أيضاً

  • نريد أن نتحدث في هذه المحاضرات عن مفهوم يدعى "زاوية الرؤية". فحياتنا متأثرة برؤيتنا أكثر من تأثرها بمعلوماتنا، بل إن الحقائق المحيطة بنا أيضاً أقل تأثيراً على حياتنا من رؤيتنا! فرؤيتنا قادرة على تغيير معلوماتنا، بل وخلق المعلومات أيضاً. بل هي قادرة حتى على خلق الحقائق المحيطة بنا.

  • هذه الرؤية لا تصدر عن المعلومات فقط، بل هي تعكس حالنا الباطنية أيضاً، وتعبّر عن مستوى عقلنا وقدرتنا على التحليل والنقد كذلك. وقد ورد في بعض الأدعية حول زاوية الرؤية: «اللَّهُمَّ أَرِنَا الْحَقَائِقَ کَمَا هِيَ» (عوالي اللآلئ / ج4/ ص132) أي اجعلني يا ربّ في موقف أتمكن من خلاله رؤية جميع القضايا بنظرة صائبة.

سبب الكثير من النزاعات بين الأزواج يعود الى جهلهم بوجهة نظر الآخر

  • لا يمكن أن نتجاهل "زاوية الرؤية" في أيٍّ من القضايا الأخلاقية والعرفانية والحياة الشخصية والعائلية وأمثالها. في العادة لا تعرف الزوجات وجهة نظر الأزواج، كما أن الأزواج أيضاً يجهلون وجهة نظر زوجاتهم وهذا هو السبب الكامن وراء الكثير من الشجارات العائلية! فالزوجة لا تعلم الزاوية التي ينظر زوجها من خلالها الى القضايا، والأخير لا یعلم الزاویة التي تنظر زوجته من خلالها. فلا بد أن يُكثر الناس من الحوار فيما بينهم كي تتقارب وجهات نظرهم.

  • قد يذهب بعض الرجال إذا شاهدوا خفّة حجاب من سيدة إلى عَدّها فاسدة. أو قد يحاولون دعوتها إلى الالتزام بالحجاب عبر وجهة نظرهم الخاصة ولذلك سيكون منطقهم مرفوضاً عندها، بل لربما يؤدي ذلك إلى سوء تفاهم وبالنتيجة إلى تحلّلها من الحجاب أكثر !

لا بد في غالب الأحيان أن نبحث عن نظرة متميزة / الفنّان قبل أن يتفنّن في تصوير الأشياء، يتفنّن في "اختيار زاوية الرؤية المميزة"

  • ينظر الناس إلى القضايا بأشكال مختلفة كلٌّ بحسب زاوية الرؤية الخاصة به؛ على سبيل المثال، إن تنظر الى الحياة الدنيوية من منظار القيامة وعالم الآخرة، فسترى الدنيا بشكل آخر ومميّز، وإن تنظر الى العالم من منظار الله سبحانه وتعالى، فسيبدو كل شيء مختلفاً تماماً. فإنه اعتماداً على الزاوية التي تنظر منها إلى الظواهر تبرز الفروق. إن كون الفيلسوف فيلسوفاً وكون العارف عارفاً يعود الى نوعية رؤيتهما.

  • الفنان قبل أن يتفنّن في التصوير والرسم ، يتفنّن في "اختيار زاوية الرؤية المميّزة". فزاوية الرؤية هي موضوعنا الأول في العلم والمعرفة، والفكر والتحليل، وكذلك في وصف الظواهر ونقدها وتبيينها بلغة العلم أو الشعر أو الفن. وإن بيت الشاعر الإيراني "سهراب سِبهري" القائل: "لابد من غسل العيون، لابد من النظر بمنظار آخر" والذي يعتبر من روائع الأدب الفارسي فيه إشارة إلى زاوية الرؤية.

  • ينبغي في غالب الأحيان أن نبحث عن رؤية مميزة، فكيف يا ترى يتحقّق ذلك؟ الجواب هو أن نحاول النظر الى الظواهر من جهات وزوايا متعددة؛ كأن ننظر إلى قامتنا مرة من منظار النمل ومرة أخرى من منظار الطيور المحلِّقة في السماء! عظيم جداً أن ينظر الإنسان إلى نفسه من زوايا مختلفة ليصل أخيراً إلى وجهة النظر الصائبة التي يعبّر عنها القرآن الكريم بـ"البصيرة".

راقب زاوية رؤيتك! / عناوين الصحف لا تعكس الواقع، بل تعكس زاوية الرؤية

  • لا بد أن يعلم الناس ولاسيما الشباب، ولكي لا ينخدعوا بالجرائد ووسائل الإعلام، أن عناوين الصحف لا تعكس الواقع بل تعكس زاوية الرؤية. فالصحيفة بالأساس ليست وسيلة لنقل المعرفة إلى المخاطب، بل هي وسيلة لنقل وجهة النظر إليه، فهي تقول لك :"انظر بهذه الرؤية!" والعناوين تريد أن تنقل وجهة نظر خاصة الى المخاطب.

  • ينبغي على المرء أن يراقب زاوية رؤيته وأن يتوخّى الحذر والدقّة بالنسبة لها، فلا يعاشر أي شخص مثلاً. وإن تفوّه أي شخص بأي كلام، فقل لنفسك: "إنه عادةً ما ينظر الى القضايا من هذه الزاوية، عليّ أن أكون حذراً!" هذا يعني أن تمرّر كلامه من مصفاة وجهة نظرك، الصائبة إن شاء الله. وإذا أردت الحصول على معلومات من أحد حول حقيقة أو حادثة ما، فتأكد من صحّة الزاوية التي ينظر منها. فإن كان ينظر من زاوية خاطئة فإنه سيحوّر الخبر المتصل بالحادثة وربما يضخّم الموضوع أو يقلّل من شأنه.
  • والسبب في تحوّل بعض موالي الثورة بعد فترة من الزمن إلى اللامبالاة بها، بل ومعاداتها يعود إلى نمط رؤيتهم ووجهة نظرهم الخاطئة. فأَنْ يصبح المرء ثورياً بناءً على زاوية رؤية صائبة فهذا أمر جيد جداً، أما إذا كان ينظر إلى العديد من القضايا من زاوية غير صحيحة، فإنه سيترجّل من قطار الثورة عاجلاً أو أجلاً، حتى إن كان اليوم – حسب الظاهر - من غُلاة الثوريين.

لا بد أن نعمل في المناهج التربوية والتعليمية وبشكل مكثف على تصحيح زاوية نظر التلاميذ

  • يمارس الاستكبار العالمي الدعاية والعمل على "فرض زاوية الرؤية" على الأشخاص باحتراف تام. فالأفلام - بغضّ النظر عن مواضيعها - تنقل إليك وجهة نظرها بهدوء وصمت، وتفرض عليك أن "انظر بهذه الطريقة!" لا بد أن نجتهد في مناهج التربية والتعليم في العمل على تصحيح زاوية الرؤية. على سبيل المثال ليقوم التلاميذ أثناء الدرس بوصف مشهدٍ ما من زوايا مختلفة، (لا أن يكتب كل واحد منهم إنشاء ويأتي به)، وذلك ليتعرف التلاميذ على وجهات النظر المختلفة ويكبروا عبر هذا الأسلوب.

  • حين يحبّ المرء شخصاً ويستأنس به سيرغب في معرفة وجهة نظره بالنسبة للقضايا المختلفة. فالبعض مثلاً يودّ معرفة وجهة نظر ممثّله المحبوب تجاه موضوع خاص ويتابع أمثال هذه الأخبار في وسائل الإعلام.

إحدى فوائد الأنس بأولياء الله هي إدراك زاوية نظرهم للأمور

  • إن إحدى فوائد الأنس بأولياء الله وأهل المعرفة هي إدراك وجهة نظرهم لأنهم لم يكتسبوا هذه النظرة الصائبة إلا بعد عمر من المجاهدة والتقشّف. انظروا إلى الزاوية التي ينظر من خلالها الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة إلى الخِلقة وإلى ظواهر العالم . فحرِيّ بكم أن تقضوا أعماركم في التفتيش عن وجهة نظر أولياء الله، إنها تسلية ممتعة وجذابة جدا!

  • إن موضوع زاوية الرؤية هام للغاية في مجال الرثاء أيضاً، فالراثي يزوّدك بزاوية للرؤية ويقول لك: انظر من هذه الزاوية. وحين تنظر من تلك الزاوية، ستبكي وستشعر باللّذة المعنوية. إذ من الممكن مشاهدة واقعة كربلاء من زاوية خاطئة وتدمير روعتها وبهائها عند المخاطب دون التفوّه حتى بكذبة واحدة! ما زال هناك مجال لعرض صور جديدة من كربلاء وعاشوراء، وإن خلق هذه الصور البديعة  يعتمد على الزاوية التي ننظر من خلالها إلى هذه الحادثة.

تعليق