الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۹/۰۱/۲۳ چاپ
 

مقطع صوتي | ما الحكمة من وراء جائحة الكورونا؟ {الكلمة الثانية}

  • انتاج:  موسسة البیان المعنوي
  • المدة: 9:09دقیقة


     

  • 9:09دقیقة | تنزیل بجودة ( رديئة(10.1MB) )

  • ​مشاهدة في: یوتیوب​

    النص:

    من الجميل جدًّا أن يدرك المرء الحكمة من ظواهر الوجود وما يجري في حياته من أمور أو يحدث في العالم من أحداث. الإنسان عادةً ما يشتد اهتمامه إذا حلّتْ بليّة ما فيحاول فهم الحكمة منها، ومن الطبيعي أن الذين لهم باعٌ أطول في عالم المعنى يستطيعون إيضاح هذه الأمور لنا على نحو أفضل. لكن في وسع أيٍّ منّا، بقليل من التفكّر والتأمّل، أن يتوصّل إلى الحِكَم العامّة من حوادث الوجود، لا الحِكَم الخاصة التي يتطلب إدراكها الاطّلاع على أخبار العالم الغيبية. فما الحكمة حقًّا وراء جائحة الكورونا الحالية؟ ما هي الأمور التي جرّتْ إلى هذا الوضع على وجه الدقة؟ نحن بالطبع لا نعلم شيئًا، لكن في وسعنا طرح بعض التخمينات. إحدى التخمينات هي أنّ أصنافًا من الظلم كثيرة تُرتكَب في العالم ولو أراد الله الانتقام من أهل العالم على شكلٍ واحدٍ منها لكان لا بد أن يُنزِل بهم بلايا أعظم من هذه بكثير. لو أراد الله الانتقام لمظلومٍ واحد فُصِل رأسُه عن جسده في فِتَن المنطقة، أو لطفل واحد من أطفال اليمن لكان حقيقًا عليه أن يأخذ أهل العالم الذين سكتوا على هذه الظلامات، بل وشاركوا فيها أحيانًا - أن يأخذهم ويأخذنا بعذاب أشد من هذا بكثير! بالطبع طوبى لشعبنا، وأخُصُّ منه تلك الفئة التي قاومت وقدّمت العون والنُصرة في الخطوط الأمامية، فإننا مدينون لهم بحياتنا. بل وما بقاء أهل العالم إلى اليوم يتنشّقون الهواء إلا لِما مارسته وتمارسه عناصر جبهة المقاومة من جهاد. لكنّ الكوارث، على أية حال، قد تكون على خلفية الظلم الذي مُورِس إلى الآن، ووقف الناس منه موقف اللامبالي. ولربّما تصوَّرنا لذلك حكمة أخرى وهي - كما ذكرتُ في الحلقة السابقة - احتمال ارتباطها بالمستقبل، مستقبل الفرَج المُفعَم بالنور. إذ لعل الحكمة من وراء هذه الكارثة العالمية هي تنبيه الإنسان إلى عجزه ورفع مستوى تأهّبه واضطراره للفرج ولظهور المنقذ. يا ليت أكثريّتنا كان باستطاعتهم تنبيه العالم إلى هذه الحقيقة. فسواء أكان المنقذ هو السيد المسيح(ع) أو الإمام المهدي عجّلَ الله تعالى فرَجه الشريف فإن التنبّه إلى وجود المنقذ، على أية حال، حسَن جدًّا. وقد يكون هذا التنبُّه هو أحد نتائج الحالة التي نصارعُها جميعًا. لكن ما أروم لفْتَ الأنظار إليه أكثر هو أنه ربما تكون الحكمة وراء هذه الحالة القائمة التي فَرضتْ على كل شخص، هنا وهناك، العيش على انفراد في خلوة، كل ما هنالك يعيش مع أفراد أسرته، أو يعيش بضعة جيران معًا، هذه الخلوة التي تحوّلتْ إلى حالة عالمية قد يكون هدفها لفتَ انتباهنا إلى ذواتنا. إن كانت هذه حقًّا هي الحكمة من وراء هذه الحالة فمن الحَرِيّ أن نغوص ونتعمق في هذه الحكمة. من المحتمل جدًّا أن يكون قصدُ الله سبحانه وتعالى من هذا أساسًا هو أن يُحدِث في العالم، وهو على أعتاب تحوّل ضخم نرجو أن يكون قريبًا - أن يُحدِث فيه حالةً تدفع الناس إلى الانكفاء إلى ذواتهم، إلى الانشغال بعبادة الأسحار، وقراءة القرآن، وألوان الانشغالات، والتأملات، ومحاسبة النفس، والتفكّر في هدف الحياة، وفي المبدأ والمعاد. وأفضل النصوص التي تحُثّ على التفكّر هو القرآن الكريم وكذا أدعيتنا المأثورة عن أهل البيت(ع). وكأنّ الله تعالى قد جعل لكل فرد خلوة يرجع فيها إلى ذاته فاغتنموا هذه الفرصة. وهذه الحكمة لا تتعارض مع كون الفيروس من صنع أعداء البشرية أو كونه حالة طبيعية لمرض انتشر في أرجاء المعمورة. فإنها، على أية حال، فرصة واتَتْنا وهي الانفراد بأنفسنا. فلا بد من استغلال هذا الاختلاء بالنفس كفرصة. وهنا هو مربط الفرس لقولي: إنه لربما تكون الحكمة من هذه الفرصة وهي إلغاء التجمّعات، الصالحة منها والفاسدة، هي أن ننكفئ إلى ذواتنا. فأصحاب التجمعات الصالحة لا يخسرون شيئًا فهم قادرون على تحقيق النتائج ذاتها في خلواتهم. أما أصحاب التجمّعات السيئة في الدنيا فمن الطبيعي أن يُحرَموا منها. فما أجمل أن يستغلّوا هذه الفرصة للانكفاء إلى الذات! وكم سيكون هذا مفيدًا للبشرية! من الجيد أن ندعو نحن لذلك ونخبر أهل العالم أجمع أنْ: تعالوا نعود في خلوتنا هذه إلى ذواتنا. ومن الجميل أن نحدد لذلك محاور للتفكير. يقال إنه ثمة لانشتاين في لحظاته الأخيرة مقطع فيديو يفكر فيه في الهدف من حياته وكانت له - وهو العالِم العالَمي بل والتاريخي البارز – تأمّلات في أنه هل استُفيد من علمِه جيّدًا أم لا؟ حتى اتهمه البعض بالاكتئاب. فلو رغبنا في التأمّل فهناك مواضيع جَمّة لذلك، ولا شك في أن التفكير الصواب يقرّبنا إلى الله أكثر. لا ينبغي لهذا أن يحصل، فهي في النهاية بلوى. وسواء أخطّطَ لها أعداء الإنسانية أم حدثت بشكل طبيعي فلا بد للإنسان في النهاية أن يصُدّ البلاء، لكن على الإنسان أن يستفيد من البلاء إذا نزل، لا ينبغي أن يقف أمامه حائرًا عاجزًا، بل عليه أن يحوّله إلى فرصة لنفسه، وإنا لقادرون على ذلك. إن في تعاليم ديننا توصيات كثيرة بخصوص أمثال هذه الخلوات. فإنْ عجزنا عن ذلك في خِضَمّ حياتنا اليومية فإنّ ظروفًا واتَتْنا الآن لكي نغيّر نمط حياتنا. فإذ وجدنا الآن أنفسنا في حالة من الخلوة والفراغ فلا نجعلنّ حياتنا مُترَعة بالغفلة، ومُكتظًّة بتصفّح الانترنيت، ومليئة بحب الاستطلاع والتسالي التافهة. فلقد شاء الله أن نعيش في وحدة مدة من الزمن، إذًا فلنخطّط لهذه الوحدة جيّدًا؛ البعض يُمضيها في قضاء الصلوات، الصلوات الخاصة بهم، أو قضاء ما فات والديهم، ويُفيد آخرون في هذه الفرصة من القرآن فيجلسون أمامه متتلمذين، ويأخذ البعض الآخر بحفظ القرآن الكريم. نسأل الله تعالى أن يتلطف علينا في هذه الأيام بأفضل توفيقاته.

تعليق