الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۹/۰۳/۲۷ چاپ
 

زاوية الرؤية – الحلقة السابعة

آراء المرء تعكس مكنونات قلبه / نمط رؤية الإنسان يفضح رغباته الكامنة وأمراضه القلبية! / نزعات الإنسان تغير رؤيته فقد يرى البعوضة فيلاً أحيانا! / حين ترى الدولار عظيما لا تستطيع أن تفكر بـ"اقتصاد لا يعتمد على الدولار"!

الهويّة:

  • المكان: طهران، جامعة الفنون
  • الزمن: محرم 1439هـ  /2017م
  • الموضوع: زاوية الرؤية في الفن الملحمي
  • التاريخ: 13/محرم/ 1439 ـ 4/10/2017
  • A4|A5 :pdf

وجهة نظرك أو زاوية رؤيتك تعكس ميولك وتوجهاتك الباطنية وتبيّنها بوضوح كما أنها موقع لمحاسبة النفس أيضا. تظهر نزعات الإنسان وميوله عبر نمط رؤيته للظواهر وتتبيّن رؤيته عبر أفعاله وسلوكياته. على سبيل المثال، تسويف التوبة من جانبك علامة على أن رؤيتك للـ"زمن" خاطئة فتظن أن سبعين عاما من العمر يعني فترة طويلة جدا!

الفنانون أكثر تأثيرا على رؤية الناس من العلماء

  • يكتسب الناس القَدْر والقيمة عند الله عزّ وجل حسب نمط رؤيتهم، وحين يرتفع شأنهم تتحسن رؤيتهم أيضا. وفي الدنيا أيضا حين يشعر الناس بلذة ما، يعود 99 بالمئة من هذا الشعور إلى نمط رؤيتهم وواحد بالمئة فقط منه يتعلق بالجانب الفيزيولوجي للذة. 
  • يهتم الجميع بـ"الرؤية"، فالذين يريدون إدارة حياة الناس يحاولون التأثير على رؤيتهم، والعاملون في مجال الإعلام التجاري لبيع سلعهم يحاولون في الحقيقة أن يغيروا رؤية الناس من خلال عملية الدعاية والإعلام. وإن أكثر الأشخاص تأثيرا على رؤية الإنسان هم الفنانون، بل إنهم أشد أثرا عليها من العلماء.

علم المرء طوع ميوله!

  • الرؤية هي نتاج المزج بين توجهات الإنسان ومعلوماته. فالإنسان يعبّر عن ميوله من خلال رؤيته للظواهر والقضايا. وميول المرء تسخّر معلوماته ومعارفه. فالعلم والمعلومات مفيدة، بيد أن الانبهار بالعلم يعني إعطاءه وزنا أكثر مما يستحقه. فمن الخطأ أن تظنوا بأن العلم قادر لوحده على فعل الكثير، فالعلم طوع توجهات الإنسان وميوله! وهو، في مقام التشبيه، كالمسبحة، بينما ميولك ونزعاتك كالأنامل التي تحرك المسبحة كما تشاء.
  • يقول البعض: "العلم يخلق الميول وعلينا أن نكتسب العلم أولا ثم نضبط ميولنا وفقا لمعلوماتنا"، لكن هذا الرأي يفتقر إلى الدقة بشدة، لأن مَن يتوجه في البداية إلى العلم، يتوجه إليه بدافع من رغبته بالعلم والمعرفة. إذن فهو في الحقيقة يتبع عواطفه ورغباته أيضا، لكن رغباته وميوله متّجهة نحو طلب العلم والمعرفة.

ميول المرء تغير "رؤيته" بحيث قد يرى البعوضة فيلا!

  • "الرؤية" هي حصيلة علم الإنسان ووعيه المتأثرَين بميوله وتوجهاته. وما يهمنا هو أن هذه الرؤية نفسها بأي الميول تتأثر؟ فالفنان مثلا، ولا سيما الفنان الذي يريد إنتاج الفن الملحمي، لا بد أن يكون شجاعا ولا تسكن قلبَه المخاوف بأنواعها؛ فلا يخاف من سوء السمعة، ولا يخشى فقدان الفرص، ولا يخاف الإحراج، ولا أمثال ذلك. لا بد أن يكون شجاعا كالعارف بالله، كالإنسان الموحد التقي المتحرر من جميع القيود. 
  • التوجهات تؤثر على رؤية الإنسان، فمن لم يكن شجاعا باسلا لا يستطيع أن يكتسب رؤية ملحمية، ومهما أجادوا في شرح الملحمة والشهادة والجهاد له، لا يتمكن من تصوّر المشهد الملحمي بشكل صحيح. إذن نزعات الإنسان (كالشجاعة أو الخوف) تعطي الإنسان "رؤية" وتغير وجهة نظره بحيث قد يرى البعوضة فيلا أحيانا!

حين ترى الدولار عظيما تعجز عن التفكير بـ"اقتصاد لا يعتمد على الدولار"

  • كان الإمام الخميني(ره) قد أمر برمي البارجة الأمريكية متى ما دخلت مياه الخليج الفارسي! وبعد فترة طويلة، صرّح أحد قواد الجيش الأمريكي قائلا إننا كنا سنُخرج جميع بارجاتنا من الخليج الفارسي من دون رجعة لو كان الإيرانييون قد رموا إحدى بارجاتنا بصاروخ واحد، لكنهم لم يرموا لحسن الحظ! حسنا، لماذا لم يرموا؟ لأن أمريكا عظُمتْ في أعينهم. وهذه "رؤية" وليست حقيقة.
  • وفي القضايا الاقتصادية أيضا لا يمكن لمسؤولينا أن يتصوّروا اقتصادا لا يعتمد على الدولار ولا يستطيعون التفكير فيه لأن الدولار بات عظيما جدا في نظرهم، وهذا هو تأثير "الرؤية" وليس تأثير العلم أو الحقيقة. فالله سبحانه وتعالى قد وضع لنا حلولا للقضايا الاقتصادية حتى في خضم الأزمات، لكن الذي ينبغي أن يرى هذه الحلول لا يراها ولا تخطر له ببال لأن نظرته للأمور مختلفة. فمن كانت رؤيته غير صحيحة لا يكون مبدعا وبالنتيجة لا يتوصل إلى الحلول، ويرى البعوضة بحجم الفيل، ويهرب منها، ويظن أن هروبه من البعوضة أمر منطقي! وهذه الرؤية ناجمة عن توجهاته وميوله، ناجمة عن المخاوف التي يعيشها في قلبه.

تدلّ زاوية رؤية المرء ووجهة نظره على ميوله الكامنة!

  • ليست رؤية الإنسان وحدها، بل "بصيرته" أيضا هي حصيلة توجهاته وميوله. كان أبو الفضل العباس(ع) يتمتع بالبصيرة وهذه البصيرة بالتأكيد هي التي رفعت شأنه بين الشهداء إلى تلك الدرجة الرفيعة. وبصيرته كانت تُفصح عن ميوله الكامنة، تُخبر عن صفاء سريرته ومروءته وعرفانه بالجميل! فلا توجد أي نقطة سوداء في قلب العباس(ع).
  • لا يستطيع المرء أن يعرف توجهاته إلا بصعوبة بالغة لأن قلب الإنسان معقد جدا. فماذا تفعل بميولك وتوجهاتك الكامنة؟ بصيرتك، ورؤيتك، ووجهة نظرك، وزاوية رؤيتك كلها تُظهر ميولك الخفية وتفضحها. والرؤية هي موقع لمحاسبة النفس. على سبيل المثال حين تسوّف التوبة ولا تهيئ الظروف المناسبة للتقرّب إلى الله تعالى فهذا مؤشر على أن رؤيتك "للزمن" رؤية خاطئة وتظن أن سبعين عاماً من العمر يعني الكثير! يمكن تحديد رؤية الإنسان من خلال أعماله وسلوكه، ومن خلال رؤية الإنسان يمكن تبيُّن ميوله وتوجهاته.

الله سبحانه أحيانا يوقع الإنسان في الخطأ عن عمد كي لا يعتمد على فهمه كثيرا!

  • عن أمير المؤمنين(ع) قوله: «مَنْ یَأْمُلُ أَنْ یَعِیشَ غَداً فَإِنَّهُ یَأْمُلُ أَنْ یَعِیشَ أَبَدا» (الجعفریات/ ص240). وأمير المؤمنين(ع) خبير بالنفس وبالإنسان ولا يتكلم سُدى! فإن كنت ترغب في أن تعيش إلى الأبد فستؤَثّر هذه الرغبة على عملك، وبالنتيجة لن تكون قادرا على خلق أثر ملحمي. فلا يظهر أثر حب الدنيا وحب الخلود فيها على الإنسان في عجزه عن التضحية بنفسه فحسب، بل قد يكون من آثارها أن يأبى الإنسان العدول عن رأيه ووجهة نظره الخاطئة! 
  • أحيانا يوقع الله الإنسانَ عن عمد في الخطأ ليعترف قائلا: "الويل لي، ما أعظم زلّتي!" في الحقيقة ينبغي على الإنسان أن يقول: "أخطأتُ مرة أخرى، أنا خطّاء..." (وأن يعترف بجهله) كما يقول الإمام السجاد(ع) في دعاء أبي حمزة الثمالي(ره) : «إرحَم عَبدَكَ الجاهِل»، هذا التعبير يعني أن الإنسان ينبغي أن لا يعتمد كثيرا على إدراكه وفهمه. لأمير المؤمنين(ع) أيضا تعبير آخر في المناجات الشعبانية حيث يقول: «أبلَیتُ شَبابِي في سَکرَةِ التَّباعُدِ مِنك»، أي إن رؤيتي مشوّهة إلى درجة أبدو فيها كالسُكارى!

آراء المرء تُظهر مكنونات قلبه

  • أحيانا يفرض الناس رقابة ذاتية على أنفسهم ولا يبوحون بآرائهم. وإن آراء المرء تُظهر مكنونات قلبه، وتبيّن ميوله وتوجهاته الكامنة، وأحيانا تكشف عن أمراضه القلبية أيضا. حين عزمَ أمير المؤمنين(ع) على التوجه إلى حرب الجمل قال له رجل من أصحابه: إنهم مسلمون فلماذا نحاربهم؟ فأجابه الإمام(ع) أنه ينبغي علينا محاربة المسلم الذي يخالف الشريعة. قال الرجل إنهم إما مؤمنون أو مسلمون فلماذا نشهَر سيوفنا في وجه المسلمين؟ فأراد أحد أصحاب الإمام(ع) أن يدخل في نقاش مع ذلك الرجل لكن الإمام منعه وأمرهم بتركه لأنه لا يُعلَم من أي ميل من ميوله الخفية صدر هذا الرأي فوصل به إلى هذه المرحلة؛ «...فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ إِنِّي أَکْرَهُ الْخُرُوجَ فِي هَذَا الْحَرْبِ لِئَلَّا أُصِیبَ مُؤْمِناً فَإِنْ أَعْطَیْتَنِي سَیْفاً یَعْرِفُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْکَافِرِ قَاتَلْتُ مَعَكَ. وَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ أَنْتَ أَعَزُّ الْخَلْقِ عَلَيَّ وَلَکِنِّي عَاهَدْتُ اللهَ أَنْ لَا أُقَاتِلَ أَهْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ... فَقَالَ لَهُمْ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ(ع): لَیْسَ کُلُّ مَفْتُونٍ مُعاتَب أَلَسْتُمْ عَلَی بَیْعَتِي؟ قَالُوا بَلَی. قَالَ: انْصَرِفُوا فَسَیُغْنِي اللهُ تَعَالَی عَنْکُم» (الجمل والنصرة/ ص95 و96).
  • كان السيد سعادت بَرور(ره) من طلاب العلامة الطباطبائي(ره) البارزين الذي أوصى العلامةُ(ره) أن: ارجعوا إليه بعد وفاتي. شرح هذا السيد في كتاب له حول الظهور روايةً فجاء في شرحه أنه في زمن الظهور حين يُبدي بعض جنود صاحب الأمر(عج) رأيه يأمر الإمام(ع) بضرب عنقه! لماذا؟ لأن الإمام يعلم جيدا السبب الكامن وراء هذا الرأي ويعلم أي بلاء سيُنزله هذا الرجل بالمجتمع بعد حين بهذه التوجهات القلبية والآراء النابعة منها! فالإمام(ع) لا يُمهله ويأمر بإعدامه فورا.

لماذا لا يستطيع أحد بعد الظهور أن يرسّخ رأيه الباطل؟

  • يظهر الحق جليّا في زمن الظهور بحيث يميّز غالبية الناس الحق من الباطل ولذلك لا يستطيع أحد أن يتفوّه بكلام فارغ ويعرض رأيه الباطل على الجميع ويخدع الناس، لأنه يعلم جيدا أن الناس سترفض رأيه وتخالفه. إذن، فإن مَن يتجرأ على إبداء رأي باطل على الرغم من هذا الحجم الكبير من وضوح الحق يجب أن يُضرَب عنقه.
  • هل يعرف الذين يُبدون رأيا باطلا ويتكلمون بكلام فارغ أنّ رأيهم باطل؟ نعم يعرفون ذلك، مثلما أن أشخاصا كأبي جهل كانوا يدركون بأنفسهم أحقية الرسول(ص). فقد قيل لأبي جهل أن يتيم عبد الله يدّعي النبوّة فهل هو صادق في ادعائه أم كاذب؟ فأجابهم أبو جهل بأن محمدا(ص) لا يكذب، فهو نبي بالتأكيد! قالوا له إذن هل آمنت به؟ قال كلا لم أؤمن. إنه إنسان طيب وأحب خُلقه و... لكني لا استطيع أن أقبل به سيدا، فأنا نفسي سيد؛ «أن الأخنس بن شریق خلا بأبي جهل، فقال له:  یا أبا الحکم، أخبرني عن محمد صلى الله علیه وآله، أصادق هو أم کاذب!...  فقال له أبو جهل: ویحك! والله إنّ محمدا لصادق، وما کذب‏ محمد قط؛ ولکن إذا ذهب بنو قصيّ باللواء والحجابة والسّقایة والنّدوة والنبوّة، ماذا یکون لسائر قریش!» (أمالي المرتضى/ج‏2/ص 265) و (الشفا للقاضي عیاض/ج‏1/ ص270).

إن أصبحت من أهل المعنى فستكون من أصحاب الرأي

  • لنسأل الله أن يجعلنا من أصحاب الرأي. فإن أراد سبحانه أن يجعلك من أصحاب الرأي فلا بد أن يطهّر قلبك تطهيرا. فإن أصحبت من أهل المعنى فستكون من أصحاب الرأي، وإن أصبحت من أصحاب الرأي فسيكون رأيك نفس رأي سيدك ومولاك.
  • كان الحاج دولابي(ره) يقول: لطالما اتفق أني كنت أسمع كلاما من عارف ثم أسمع نفس الكلام من إنسان محترم آخر في مجلس آخر، ثم أُفاجأ إذ أرى أن الإمام(ره) أيضا يتحدث بنفس الحديث! كانت هذه الأحاديث والآراء قريبة جدا من بعضها البعض. فكان الحاج دولابي يقول إن هذه الآراء هي آراء صاحب العصر(عج) وهو الذي يجعل آراء هؤلاء الأشخاص متناغمة مع بعضها البعض.

تعليق