الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۰۰/۰۱/۱۰ چاپ
 

آخر استعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع – الحلقة 11 (الأخيرة)

المبدأ الرابع في الإدارة هو "الكفاح والصلابة"/ من يطمع بالرئاسة لا يستطيع تنفيذ المبادئ الأربعة للإدارة/ ما هو دور "التقوى" في الإدارة؟

  • المكان: طهران، جامعة الإمام الصادق(ع)
  • الزمان: محرم 1441
  • الموضوع: آخر استعداد للظهور، إصلاح الإدارة على مستوى الأسرة والمجتمع
  • التاريخ: 10/ محرم / 1441 – 10/ 9/ 2019
  • A4|A5 :pdf

لا بد أن يكون المدير مثابراً وأن يمتلك طاقة مضاعفة لممارسة العمل، فالمدير الكسول ليس بمدير! مَن يعجز عن العمل بمقدار ضِعف الإنسان العادي على الأقل لا ينبغي تعيينه مديراً! إذا شاهدتم مديراً يعمل بمقدار عمل الموظف البسيط فاعلموا أنه محتال ويسيء استغلال منصبه.
 

الاطلاع على شؤون الإدارة ضروري لجميع أفراد المجتمع وليس للمديرين فحسب!

  • المعرفة بموضوع الإدارة لا تختص بالمديرين في المجتمع، بل إن الاهتمام بالإدارة وكفاءات المدير وحتى "التدريب لتوّلي الإدارة" ضروري لجميع أفراد المجتمع. مثلما أنه من الخطأ أن نقول: "لا يحتاج إلى فهم الأفلام إلّا الفنانين ومنتجي الأفلام"؛ لأن جميع المستفيدين من هذا المُنتَج الثقافي بحاجة إلى أن يفهموا الفلم. بعبارة أخرى لا بد أن يطَّلِع الجميع، إلى حدٍ ما، على طريقة صناعة الفلم وكتابة السيناريو، ولولا ذلك سيواجه الناس مشكلة في استخدامهم لهذا المُنتَج الثقافي. 
  • لو كان الناس في المجتمع جاهلين بموضوع "الإدارة"، وكانوا يفتقرون إلى المهارات الإدارية الضرورية للحياة الشخصية والعائلية والجماعية، فإنهم، بطبيعة الحال، سيُخدَعون ويتم التحكم بهم من الأشخاص الذين يرغبون في إشغال المناصب الإدارية في المجتمع، وعددهم ليس بقليل. وفي حقل الاقتصاد أيضاً، ينبغي أن يفهم الناس القضايا الاقتصادية الكبرى. بالطبع ليس المقصود من ذلك فَهْم البحوث النظرية الجافة في الاقتصاد، بل أن يكونوا على إلمام بما هو موجود على أرض الواقع؛ كأن يطّلِعوا على المنتجات المحلّية أو الأجنبية المستخدمة يومياً؛ فيعلمون مثلاً ما هو معدل دَوَران رأس المال لهذه المنتجات؟ وما هي عوائدها على مستورديها؟ وعند ضرب هذا المبلغ في عدد الزبائن فأي عائد هائل سيحصل؟ وقضايا من هذا القبيل.
  • على الرغم من توفّر الإمكانات العديدة في حياتنا الاجتماعية، كالجوّالات ومواقع التواصل الاجتماعي وأمثالها، فإن نمط حياتنا اليوم، للأسف، جعل عموم الناس تقريباً غارقين في الجهل بالقضايا المفتاحية والكبرى الاقتصادية، والثقافية، والفنيّة، والإدارية، والسياسيّة، فينبغي أن تزداد معلومات الناس الدقيقة في هذه المجالات. وينبغي أن يتلقّى التلميذ في المدرسة أيضاً تعليماً أفضل في هذا الخصوص، ليس من النوع الذي لا ينفعه في شيء، بل تعليم تطبيقي حول التفاصيل المفيدة لحياته اليومية، والذي يستطيع أن يستخدمه في حواراته الاجتماعية بحيث يشعر والده أنه قد تأخّر عن ابنه في هذه المعلومات – والتي تعد ضرورية لحياته اليومية – فيحاول هذا الأب اللحاق بابنه، كأن يقول له مثلاً: "ولدي، أعطني كتابك هذا لأطالعه"...
     

القدرة ضرورة أكيدة للإدارة على مستوى حياتنا الشخصية

  • ينبغي أن تكون معرفتنا كبيرة ومعلوماتنا دقيقة في حقل الإدارة، ولا سيما بالنسبة للقضايا الحاسمة في الساحة السياسية. كما أننا نحتاج إلى الإدارة والتخطيط والتوجيه والتحكّم في حياتنا الشخصية أيضاً. إن القدرة ضرورة أكيدة للإدارة على مستوى حياتنا الشخصية.
  • إن استعمالنا مفردة "الإدارة" في مجال الأمور الشخصية؛ كتهذيب النفس ومقارعة الهوى هو استعمال في غاية الدقة. وفي الآونة الأخيرة بات هذا المصطلح يستخدم أكثر في العلوم الإنسانية على وجه التحديد. حين يريد المرء محاربة هواه يجب أن نقول له: "إنك تتحكَّم في رغباتك فحسب، فليس من المقرر أن تقمع أيّاً منها، بل إنك تحدّد لها زمناً معيّناً، وتعيِّن لها الأولويات، وتضع لها ترتيباً، وتسيطر عليها". هذا النمط من الرؤية يقلّل من حرص الناس على ارتكاب المعصية. إن تعابير إدارة النفس، وإدارة الأهواء، وإدارة الذات هي من أدق وأبرز التعابير التي تشجِّع المرء لكي يمارس هذا النهج، ويبدأ بالتحكّم بنفسه وإدارة رغباته. وهناك روايات عديدة في هذا المجال.
     

في ما يتعلق بالأسرة، لماذا نستخدم تعبير "إدارة الأسرة"؟

  • إضافة إلى "إدارة المجتمع" و"إدارة الذات"، نحن بحاجة إلى الإدارة في الأسرة أيضاً، وهذا الموضوع هو جزء آخر من أهداف بحثنا هذا. ينبغي أولاً أن يُحسَم موضوع الإدارة في الأسرة، ويُعيَّن التسلسل الإداري، وتُلحَظ  الأدوار الإدارية المختلفة، ثم يتم بعد ذلك البتّ في الأمور الأخلاقية.
  • من االمناسب جداً أن نستعمل مفردة الإدارة في ما يتعلق بالأسرة. فحين تختص الإدارة العاطفية بالمرأة فلن تقول بعد ذلك: "أنا مرؤوسة"، لأنها المديرة العاطفية في الأسرة، بل هي أساساً المديرة العاطفية في المجتمع أيضاً. وقد كُلِّفَت المرأة بالإدارة في بعض القضايا، على سبيل المثال حين يُقال للمرأة: "إن مسؤولية الحجاب تقع على عاتقك" فذلك يعني أنّ عليك إدارة العلاقة بين الرجل والمرأة. وقد مكر الغربيون مكراً عظيماً وخدعوا الناس خدعةً كبرى في هذا المجال، حيث جَرَّدوا المرأة من مسؤولية إدارة علاقتها مع الرجل، ليُفوِّضوا هذه المسؤولية إلى الرجال؛ لأنّه في مثل هذه الحالة سيُفضِّل الكثير من الرجال أن تخرج المرأة إلى المجتمع بأزياء غير محتَشمة. أما إذا أرادت النساء حقاً إدارة العلاقة بين الرجل والمرأة فستكون القضية مختلفة تماماً. 
  • بوسعكم، من خلال الرجوع إلى الرأي العام في كل مجتمع، دراسة الطريقة التي تنتهجها المرأة في النهوض بدورها في إدارة العلاقة بين الرجل والمرأة، والتوصل – بما يتناسب مع كل ثقافة - إلى النتائج المرجّوة. فإن علمت المرأة أنها المديرة العاطفية في المنزل فستقف على دورها المفتاحي والحسّاس في إدارة زوجها وأطفالها، وكذلك في طريقة هذه الإدارة.
     

المبادئ المشتركة بين إدارة الذات، وإدارة الأسرة وإدارة المجتمع

  • كما ذكرنا سابقاً، ثمة مبادئ مشتركة بين إدارة الذات، وإدارة الأسرة، وإدارة المجتمع. فعلينا أن نتحكّم في أهوائنا في حياتنا الفردية؛ أي لا نسمح لميولنا الدنيا والحقيرة أن ترى الضوء، ولا نقيم لها وزناً إلّا بقدر الضرورة. وبالطبع علينا أن نقضي على بعض الميول الدنيئة والسيئة، كالميل إلى "الحسد" و"الكِبر".
  • وعلى المقياس الاجتماعي أيضاً يجب علينا أن نقارع الهوى. والمقصود من الهوى في البعد الاجتماعي، في الحقيقة، هو الفراعنة والطواغيت. فكما ينبغي علينا أن نخالف أهواء أنفسنا في حياتنا الفردية، يجب أن نقارع أهواء الذين يريدون التسلط علينا، وبنفس الشدّة والحِدّة.
  • منطِقُنا في مقارعة الطاغوت هو أن نقول له: "أنا لم أفسح المجال لهواي كي يمتطيني، فهل تريد أن أسمح لهواك أن يمتطيني؟!" بعبارة أخرى إنَّ منطق النضال ضد الطاغوت هو منطق مقارعة الهوى ذاته الموجود في كيانك.
  • وإن منطق حُكم الرعية هو منطق رعاية الأسرة نفسه، وهو منطق الشفقة والرحمة بنفسك أيضاً؛ أي لا تسمح أن تضيع قدراتك هباءً.
  • إنّ اشتراك "المبادئ الأساسية للإدارة الناجحة" على مستوى إدارة الذات والأسرة والمجتمع له بركات كثيرة، ويُبرز حقائق كل من هذه المستويات الإدارية للإنسان بشكل أجمل.


لا بد من الالتزام بترتيب مبادئ الإدارة/ لماذا لا ينبغي تقديم "المحبة" على الأدب (حفظ الكرامة) في الأسرة؟ 

  • لقد طرحنا لحد الآن ثلاثة مبادئ للإدارة، وسنطرح اليوم في هذه المحاضرة مبدأً آخر (باعتباره المبدأ الرابع والأخير في هذه السلسلة من المحاضرات).
  • المبدأ الأول في الإدارة كان مبدأ الكرامة، سواء في إدارة الذات؛ حيث ينبغي أن تحافظ على كرامتك، أو في إدارة الأسرة؛ حيث يجب أن يرتفع مستوى الاحترام والأدب؛ لأن الاحترام والأدب وسيلتان للكرامة والعزّة. فمَن قدّم في الأسرة المحبةَ على الأدب فسيدمِّر كل شيء. وعلى الرغم من أنّ الحب مبدأ إداري لكن إن قدَّمناه على الأدب فسيقول الطفل مثلاً: "بما أنني لا أحبك فلا داعي لأن ألتزم بالأدب كذلك!" لا بدَّ أن تجعلوا الأدبَ قبل المحبة، ليحتفظ الأدب بمنزلته حتى مع تقلّبات القلب.
  • بطبيعة الحال يشعر أعضاء الأسرة بالراحة مع بعضهم البعض، لكن لهذه الراحة حدوداً ترسمها الكرامة والعزّة. فينبغي ألّا يتجاوزوا هذه الحدود في معاملتهم الحميمة، ويحترموا كرامة بعضهم البعض وعزّتهم. إذاً من المهم مراعاة الترتيب في هذه المبادئ؛ فالمبدأ الأول هو الكرامة والعزّة، والمبدأ الثاني هو المحبّة. 


إن احترام كرامة الناس على مستوى المجتمع أيضاً لها الأسبقية على المبادئ الأخرى

  • إن الكرامة هي المبدأ الأول في إدارة المجتمع أيضاً. بتعبير آخر، لا بدَّ أن تكون إدارة المجتمع بشكل تجعل كرامة أبناء الشعب وعزّتهم فرداً فرداً في الأولويّة. بل إن كرامة أفراد المجتمع أهم حتى من ثراء المجتمع عامةً ورفاهيته.
  • كان البعض يقول في نظرياته: "علينا أن ننعش المجتمع كله، ونعمل على تنميته؛ نعم، في خِضَم هذه العملية قد تقاسي بعضُ شرائح المجتمع البؤسَ والشقاءَ، فنتصدّق عليها أيضاً!" هذا الرأي هو في الحقيقة نظرية المجتمعات العلمانية الغربية، وهي نظرية متزعزعة. ولسنا نرفض هذه النظرية من حيث المبدأ فحسب، بل من منظار العقلانية أيضاً إذا أراد النظام الرأسمالي أن يُطوِّر المجتمع بكليته دون الاهتمام بكرامة الشعب فرداً فرداً فسينهار ذلك المجتمع بعد مدة؛ تماماً كالمجتمعات الغربية التي تواجه المشاكل الآن، وسنشهد انهيارها أكثر في المستقبل. 


لمحة عن المبدأ الثاني في الإدارة: "المحبة"

  • إن المبدأ الثاني في الإدارة – كما أشرنا إليه سابقاً – هو مبدأ المحبة. فالحب موضوع مهم جداً في الإدارة؛ سواء على المستوى الفردي، أو الأُسري، أو الاجتماعي. 
  • تُعد مناوأة الأرستقراطية، ورعاية حقوق أبناء الشعب بمحبة، وخلق العلاقة العاطفية فيما بينهم من مبادئ الإدارة التي يكاد المجتمع البشري في عصرنا الراهن أن يصل إليها. طبعاً لا يُذكَر مبدأ المحبة في غالبية الكتب الدراسية الخاصة بعلم الإدارة، كما لا يعيرون اهتماماً كبيراً بمبدأ الكرامة أيضاً، مع أن هذين المبدأين سيخلقان تحولاً في الإدارة.
  • مَن يتقن العمل فقط من دون أن يحب الشعب فسيكون قلبه عامراً بحب أمورٍ أخرى بالتأكيد؛ فمثل هذا الشخص إمّا سيرتكب الأخطاء، وإمّا سيخون الشعب.


لمحة عن المبدأ الثالث: "العقلانية والشمولية"

  • إن المبدأ الثالث في الإدارة هو العقلانية والشمولية؛ أي لا يكفي أن يكون المدير كريماً ومحباً للشعب، بل يجب أن يُتقن اتخاذ القرارات والتخطيط والبرمجة! ولذلك ينبغي أن يكون المدير عاقلاً وشمولي الرؤية، ولا حاجة لإضافة أي مبدأ ديني أو ثوري آخر لذلك. نحن قمنا بالثورة أساساً لكي يحكم العقل؛ وصاحب الزمان(عج) أيضاً حينما يظهر سيمسح بيده المباركة على رؤوس الناس فتتكامل عقولهم، وبالنتيجة سيعيش الجميع حياة طيبة. «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا وَضَعَ اللهُ یَدَهُ عَلَى رُءُوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِهَا عُقُولَهُمْ وَکَمَلَتْ بِهِ أَحْلَامُهُم‏» (الکافي/ ج1/ ص25). وصاحب الزمان(عج) نفسه هو العقل الكلي!
  •  الثوريّة أيضاً تعني العقلانية، فنحن إنما ثُرنا لكي لا يحكم الجهل، بل ليحكم العقل. فما هو دور الدين في هذا المضمار يا ترى؟ إنّ الدين هو مُحرِّك العقل ودليله. والسبب في أن الدين لم يشرح لنا الكثير من التفاصيل يعود إلى أنه يريد أن نُشغِّل عقولنا، ونستخرج التفاصيل من العموميات التي بيَّنَها لنا. 
  • وبالطبع تعاني أدبياتنا الدينية، وحتى الثورية، من نقائص كبيرة! فبعض المفردات الواردة في هذه الأدبيات باتت تؤدي تلقائياً إلى إساءة الفهم؛ مثل مفردة "القِيَم"، أو "الأخلاق"! بينما لو استخدمتم مفردة "العقلانيّة" وتبنيتم الأدبيات العقلانيّة بدلاً عن جميع هذه الكلمات لزال الكثير من سوء التفاهم. 


التعبّديات هي أيضاً عقلانية/ الدين دليل العقل

  • لا يلتفت الكثير من الناس إلى أن التعبّديات [في شريعتنا] هي أيضاً عقلانية، وقد يفكّرون في أن العبادة سلوك غير عقلاني! في حين أنه يُقال في علم النفس: "لا يهم إن كنت تؤمن بالله أو لا، فالابتهال إلى ربٍّ ما نافع جداً لروح الإنسان على أي حال". كما أنه إن قال لك عقلك "إن الله موجود"، فهذا العقل أيضاً سيقول لك بطبيعة الحال: "إن الاتصال مع هذا المصدر من النور والطاقة أمر ضروري". 
  • وإن العقلانية موجودة ليس في أصل العبادة فحسب، بل في تفاصيلها أيضاً. على سبيل المثال كان آية الله البهجت(ره) يقول: "عقل الإنسان قادر على أن يفهم أيضاً لماذا نصلّي الصبح ركعتين، أو الظهر أربع ركعات، ...الخ"، لكن عقولنا عاطلة عن العمل فلا ندرك هذه الأمور، وبالنتيجة نقول: علينا أن نصلي بهذا الأسلوب لأن الله تعالى قد أمرنا بذلك! والآن السؤال المطروح هو: إن كانت عقولنا قادرة على فهم جميع هذه الأمور فما هو إذاً دور الدين في هذا الخضم؟ والجواب: إن الدين هو "هادي العقل". كان آية الله البهجت(ره) يقول: "الدين" و"العقل" يكفيان لإدارة الكرة الأرضية (در محضر بهجت (في رحاب البهجت)/ ج2/ ص43).


بحسب الرواية، المدير الذي لا يبالي بالتجربة "شقي"

  • إن "العقلانية" من المبادئ المهمة والضرورية في الإدارة. روي عن أمير المؤمنين(ع) أنه كتب كتاباً لأبي موسى الأشعري – الذي كان يُمثِّله في التفاوض مع معاوية – قال فيه: «إنَّ الشَّقِيَّ مَن حُرِمَ نَفعَ ما اُوتِيَ مِنَ العَقلِ والتَّجرِبَةِ» (نهج البلاغة/ الكتاب78).
  • مَن لا يهتم بتجربته فهو شقي. بناءً على ذلك، إنَّ المدير الذي لا يهتم بالتجربة أيضاً سيكون "شقيّاً" بطبيعة الحال. واليوم هذا هو كلام مُوالي الثورة في المجتمع أيضاً، فتراهم يقولون: "لماذا تتجاهلون التجربة؟" لأن أمير المؤمنين(ع)، وهو أمير الثوّار، يقول: إن الشقي هو من لا يبالي بالتجربة!


السيّد القائد: العقلانيّة الحقيقية كامنة في الثورية/ تكلفة التطبيع أكثر من تكلفة المقاومة

  • لَئن درستم أدبيات السيد القائد، ولا سيما في السنوات الخمس الأخيرة، للاحظتم أن سماحته قد شرح هذا الموضوع مراراً، فقال مثلاً: "لا يخلق البعض فجوة بين العقلانية والروح الثورية، فالعقلانية والثورية حقيقة واحدة! (يطرح البعض عنوان العقلانية ومفهومها في مقابل شعارات الثورة، وكأن العقلانية هي النقيض للثورية. كلا! هذا خطأ. فالعقلانية الحقيقية كامنة في الروح الثورية) (خطاب سماحته في مرقد الإمام الخميني(ره)، 04/06/2017).
  • إن سماحة السيد القائد يطرح مقاومة الاستكبار طرحاً عقلانياً وليس عَبر أدبيات دينية أو ثورية، فيقول: "المقاومة مُكلِفة، لكن كلفة التطبيع والاستسلام تفوق كلفة المقاومة بأضعاف". إذاً فمن صالحنا أن نقاوم. بل لو حسبتم التكاليف بالأرقام لوجدتم أنّ ثمن التطبيع أعلى.
  • أنا أطلب إلى طلّاب الجامعة الأعزاء أن يحسبوا نفقات السعوديين، ثم يحسبوا نفقاتنا نحن (مع الأخذ بنظر الاعتبار النجاحَ الذي حققناه في المنطقة)؛ انظروا كم أنفق آل سعود في اليمن؟ وكم صرَفوا على الإرهابيين في المنطقة؟ وكم دفعوا لأمريكا مباشرةً إتاوة؟ وكم أنفقوا ليضعوا بترولهم تحت تصرف الأمريكان؟ لو حسبتم كل هذا ستعلمون أننا لم ننفق حتى واحد بالمئة منه، لكننا اليوم متفوّقون عليهم! فأي عاقل إذاً يتخلى عن المقاومة ويختار التطبيع؟! من الواضح أن المقاومة قضية عقلانية. 
  • وقد أكّد قائد الثورة على "الاقتصاد المقاوم"، ومن الواضح أيضاً أن الاقتصاد المقاوم هو أمر عقلاني! حتى إن لم يكن لنا عدو فسيكون ثمة منافس لنا في مجال الاقتصاد، ولذلك سنحتاج إلى الاقتصاد المقاوم. إنّ الاقتصاد المقاوم هو اقتصاد شعبي، وهو مُحكم العُرَى، وهذا أمر عقلاني.


ماذا عن دور "التقوى" في الإدارة؟

  • والسؤال الذي قد يُطرح في هذه المرحلة من النقاش هو: ماذا عن دور "التقوى" في الإدارة؟ لقد أطلقنا عنوان "الكرامة والعزّة" على المبدأ الأول في الإدارة، و"المحبة والوفاق" على المبدأ الثاني، و"العقلانية والشمولية" على المبدأ الثالث، لكننا لم نطرح لحد الآن مفهوم التقوى في أي من هذه المبادئ الثلاثة. إذاً ماذا عن دور التقوى في الإدارة؟
  • عن الإمام الباقر(ع): «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ یَقِي بِالتَّقْوَى عَنِ الْعَبْدِ مَا عَزَبَ عَنْهُ عَقْلُهُ وَیُجْلِي بِالتَّقْوَى عَنْهُ عَمَاهُ وَجَهْلَه‏» (الکافي/ ج8/ ص52). فالعبد إن لم يسعفه عقله في موقف ما فستجبُره التقوى، وإن كان جاهلاً بأمر ما فستعوّضه التقوى.


المدير الذي يفتقر إلى التقوى يعجز عن التخطيط/ التقوى ترفع من قدرة الإنسان على الفهم والتخطيط

  • قولنا: "إن التقوى ضرورية للمديرين" ليس لأننا متديِّنون، ولا حتى لأننا ثوريّون، بل من أجل النجاح في مرحلة التخطيط! نحن بحاجة إلى العقلانية والشمولية لكي نتمكن من التخطيط الصحيح والدقيق، وإن التقوى تُنمّي العقل، وتزيل الجهل، وتستر العيوب والأخطاء. قال تعالى في الذكر الحكيم: «إِنْ تَتَّقُوا اللهَ یَجْعَلْ لَکُمْ فُرْقاناً» (الأنفال/29)، فإن تتّقِ الله فسيهبك "البصيرة" و"القدرة على تمييز الحسَن من السيئ".
  • التقوى ترفع من قدرة الإنسان على التخطيط وتُعمِّق فهمه. فإن المدير العديم التقوى لا يقدر على التخطيط! لقد قتلوا أبا عبد الله الحسين(ع) لأنه كان تقيّاً، ولو كان قد تسلّم مقاليد حُكم الأمة لما كان ترك مجالاً للتافه والسفيه ليتسلموا زمام الأمور.
  • جاء في رواية شريفة: «التَّقْوَى رَأْسُ کُلِّ حِکْمَةٍ» (تحف ‌العقول/512)، أي إن التقوى تخلق الحكمة!


العلم والخبرة والتقوى تنمّي العقل/ بعض السياسيين يضرب بالعلوم التجريبية أيضاً عرض الحائط!

  • ليست التقوى وحدها هي التي تُنمّي العقلَ، بل إنّ العلم والتجربة أيضاً يُنمّيانه. روي عن أمير المؤمنين(ع): «الْعَقْلُ غَرِیزَةٌ تَزِیدُ بِالْعِلْمِ وَالتَّجَارِبِ» (عیون ‌الحکم/52).
  • للأسف هناك من الساسة من يضرب بالعلوم التجريبية أيضاً عرض الحائط، فيحاول – بذريعة الحريّة وأمثال ذلك - أن يفرض نفسه من خلال التهريج و"الحرب النفسية" في المناخ السياسي. كلام هؤلاء لا يستند إلى أي أساس من العلم أو الفلسفة أو علم النفس أو الاجتماع، بل إنهم يطلقون أي كلام قبيح في أجواء المجتمع لا لشيء إلا لأنهم يشغلون منصباً سياسياً، ويختبئون وراء شعار الحرية، أو خلف عصابة سياسية. 


المبدأ الرابع في الإدارة هو الكفاح والصلابة/ المدير الكسول ليس بمديرٍ!

  • المبدأ الأخير في الإدارة الذي نودّ التحدُّث عنه هو أنّ المدير ينبغي أن يكون "مكافحاً وصلباً"، فالمدير الكسول ليس بمدير! ومن نتائج الكَدّ والكفاح أنه "يجعل الإنسان صادقاً نقياً"، كما أنه يحرّك عقل المرء، ويجعل صاحبه شجاعاً، والشجاعة بدورها تُقوِّم فهم الإنسان، مثلما يؤدي الخوف إلى انحراف الفهم عنده.
  • إنّ المدير الذي ينام حتى الساعة التاسعة صباحاً، ثم يستيقظ بتأنٍ ليُحضروا له الفطور، وما إن يحلّ المساء حتى يذهب إلى المسبح للترفيه عن نفسه...الخ ليس هو بمدير! كيف للمدير أن يخدم الشعب إذا كان يذهب كل يوم إلى المسبح، ويتناول ما لَذّ وطاب من الطعام؟! يقول بعض هؤلاء المديرين: "لا بد ان أعتني بنفسي لكي أتمكن من الإدارة!" وهذا الكلام ليس صحيحاً، بل ينبغي أن تعتني بنفسك من خلال الكَدّ والتعب الجسدي في سبيل خدمة الشعب، لا عن طريق الاستجمام والركون إلى الراحة!
  • والآن ما هي النتائج الحاصلة من الكَدح والكفاح يا ترى؟ إن إبداعات مجاهدينا في الحرب المفروضة كانت نتيجة كفاحهم وصلابتهم اللذَين استطاعوا من خلالهما أن يخرجوا مرفوعي الرأس من حرب كونية دامت ثماني سنوات ضد إيران. واليوم أيضاً ما إن يصدِّروا روح الكفاح وحسب (لا أدواته) لأي بلد فسيتمكن من الوقوف أمام العالم بأسره! لقد حقق مجاهدونا هذا النجاح والإبداع من خلال الجهاد والمكابدة، وليس من خلال الأكل والنوم وارتياد المسابح وما إلى ذلك.
  • إن كنّا نريد التحرك باتجاه دولة صاحب الزمان(عج) فينبغي أن نتشدَّد مع مديري المجتمع. فلماذا يتشدَّد صاحب العصر(عج) مع ولاته وحكّامه؟ لأن الأمة ستكون مؤهَّلة لاستيعاب دواعي هذ التشدد. ولماذا لم يتمكن أمير المؤمنين(ع) من المبالغة بالتشدد؟ لأن الناس في عصره لم تكن لديهم القابلية الكافية لاستيعاب ذلك.


الكفاح والصلابة مبدأ حتمي في "إدارة الذات"

  • إنَّ الكفاح والكَدح على مستوى الحياة الشخصية و"إدارة الذات" أمر لا بدّ منه وضروي، وهو ما يُعبِّرون عنه بـ"جهاد النفس" في الروايات. كما أنَّ ضرورة الصلابة في الحياة الشخصية هي الأخرى واضحة تماماً. ينبغي تنشئة الأولاد في المدرسة على الصلابة والجَلَد. ومنذ السابعة من العمر يجب أن تشابه أجواء المدرسة بالنسبة إلى الأطفال أجواء المعسكر نوعاً ما (من حيث الاهتمام بالنظام والالتزام بالآداب) فيمارس فيها الأطفال المثابرة والجِدّ والاجتهاد. لا بد أن يمارس التلميذ في مرحلة الابتدائية الطهي، والخَبز، والزراعة، ليعلم كَم من مشاق جسيمة تم تكبُّدها للحصول على هذه الثمرة التي يتناولها أو رغيف الخبز الذي يأكله.
  • من المستحسن أن تتوفر للتلميذ في مرحلة الابتدائية إمكانية زراعة نبتة أو غرس شجرة بنفسه، ثم يسقيها بنفسه ويعتني بها إلى أن تُثمِر، هذا لكي يدرك مدى صعوبة هذه الأعمال. يجب أن يفهم الطفل مثلاً أنّ عليه أن يصبر بضع سنين لكي تُثمر الشجرة، وحين يقوم الطفل بهذا العمل بنفسه فإنه سيكبر مع شجرة الفاكهة هذه وينضج. والآن إن أصبح هذا الإنسان الفاهم المهذّب والجَلِد الكادح مديراً في الغد القريب فسيكون مديراً صالحاً ونزيهاً.
  • إن الجهاد في "إدارة الذات" أمر حتمي ولا بدّ منه. ينبغي أن نكون صادقين مع أولادنا، فنقول لهم: "يجب أن تتحمّلوا الصعاب؛ فعليكم أن تكدَحوا وأن تكونوا صلبين أشدّاء أيضاً". أشدّاء مع مَن؟ أشداء مع العدو! فعن رسول الله(ص) قوله: «أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بَیْنَ جَنْبَیْك!‏» (مجموعة ورام/ ج1/ ص59).
  • يقول بعض المفكّرين الغربيين: لقد أخطأنا إذ أكّدنا على "تفجُّر الطاقات " إلى هذه الدرجة، بل كان علينا أن نؤكّد على "تحمّل المشاق"! وهذا هو تحديداً ما قاله أئمة الهدى(ع) في روايات عديدة.


الكفاح والصلابة مبدأ في "إدارة الأسرة" أيضاً 

  • إن ضرورة الكفاح والصلابة في إدارة الذات والحياة الشخصية أمر واضح جداً كما ذكرنا سابقاً، وهو كذلك في إدارة الأسرة أيضاً. ففي الحديث عنه(ص): «الْکَادُّ عَلَى عِیَالِهِ کَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِیلِ اللهِ» (الکافي/ ج5/ ص88).
  • والآن لِنراجع بعض الروايات التي يدور موضوعها حول ضرورة الصلابة في إدارة الأسرة. رُوي عن رسول الله(ص) أنه قال: «ثَلَاثَةٌ إِنْ لَمْ تَظْلِمْهُمْ ظَلَمُوكَ: السَّفِلَةُ وَزَوْجَتُكَ وَخَادِمُكَ» (المحاسن/ ج1/ ص6)؛ أي إنّ ثلاثة أشخاص أو أصناف من الناس يظلمونك وإن لم تظلمهم: الأول هو الإنسان الجاهل الذي سيؤذيك إن عاشرته ولم تظلمه وعليك أن تتحمله. والثاني زوجتك، والثالث هو خادمك (السكرتير أو ما شابه).
  • قد يقول الرجل: "زوجتي قد ظَلَمتني!" حسناً، هذا أمر طبيعي، فجزء من الظلم الذي تتكبده هو من جانب أسرتك، إمّا عن قصد وإمّا من دون قصد. وبالطبع ليس المقصود من هذا الكلام هو أن "نرضخ للظلم!" كلّا! نحن نوصي باجتناب ظُلم بعضنا البعض. (وأساساً، إن نتيجة الالتزام بمبادئ الكرامة والمحبة والعقلانيّة هو تجنُّب ظلم الآخرين)، لكن إن ظلَمَتكَ زوجتُك قليلاً مثلاً فلا تُدمِّر كل شيء، ولا تشعل النار في بيتك! لماذا معدلات الطلاق المرتفعة هذه؟!


لا يمكن إدارة الأسرة من دون جَلَد وصلابة (أي الصبر والتحمّل)

  • أَوَيُمكن إدارة الأسرة من دون جَلَد وصلابة؟! فلو أراد كل فرد في المنزل أن يفتح فاه ويتفوه بما يحلو له كلما استاء وانزعج فلن يكون ذلك البيت بيتاً! 
  • روي عن الإمام الباقر(ع): «إِنِّي لَأَصْبِرُ مِنْ غُلَامِي هَذَا وَمِنْ أَهْلِي عَلَى مَا هُوَ أَمَرُّ مِنَ الْحَنْظَلِ. إِنَّهُ مَنْ صَبَرَ نَالَ بِصَبْرِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَدَرَجَةَ الشَّهِیدِ الَّذِي قَدْ ضَرَبَ بِسَیْفِهِ قُدَّامَ مُحَمَّدٍ(ص‏)» (ثواب ‌الأعمال/ ص198)؛ أي مَن صبر على أذى أسرته، نال أجر شهيد استُشهِد بين يدي رسول الله(ص).


الكفاح والصلابة ضروريان في "إدارة المجتمع" أيضاً

  • الكفاح والصلابة ضروريان على مستوى إدارة المجتمع أيضاً، فالذي يعجز عن العمل بمقدار ضِعف الإنسان العادي يجب ألّا يتم تعيينه مديراً! ينبغي أن يكون المدير مثابراً وتكون لديه طاقة مضاعفة للعمل. فإن كان المدير دنيوياً فستكون لديه طاقة مضاعفة للعمل نتيجة تعلُّقه بالدنيا، وإن كان أُخروياً فستكون لديه طاقة مضاعفة للعمل بسبب روحانيته. فإن رأيتم مديراً يعمل بمستوى موظف عادي فاعلموا أنه حيّال ويسيء استغلال منصبه الإداري.
  • يقوم المدير، في الواقع، بخدمة الناس، وثمة مجموعة منهم تحت إِمرَته. فإن كان من أهل الدنيا ومُحباً للجاه والرئاسة فعليه أن يثابر في العمل أضعاف الآخرين حتى يُقال عنه: "يا لك من مدير رائع!" وإن كان من أهل الآخرة فينبغي عليه أن يعمل ويكد أضعاف الآخرين في سبيل الله وصاحب الزمان(عج). وهذا هو قول الإمام الصادق(ع)، في ما روي عنه، لأحد أصحابه: لو كان الحُكم بيدي لكان عليك أن تُخطِّط من الليل حتى الصباح، وتعمل من الصباح حتى الليل... «فَقَالَ یَا مُفَضَّلُ أَمَا لَوْ کَانَ ذَلِكَ لَمْ یَکُنْ إِلَّا سِیَاسَةُ اللَّیْلِ وَسَبَاحَةُ النَّهَارِ... » (الغیبة للنعماني/ ص287).


ملاحظة عن "قبول الإدارة"

  • لنذكر ملاحظة أيضاً حول "قبول الإدارة". القبول بالنسبة إلى "إدارة الذات" أمر لا مناصَ منه؛ فعلى الجميع أن يقبلوا "إدارة ذواتهم" وينهضوا بمهامها. فهذا ليس بأمر اختياري، بل إنك مُجبَرٌ على إدارة ذاتك.
  • "إدارة الأسرة" هي الأخرى أمرٌ لا بد لنا من الترحيب به. هذا وإن عُثر الآن على أشخاص كسالى ومترفين يتهرّبون من إدارة الأسرة وتحمُّل مسؤوليتها! وأحياناً الآباء والأمهات هم من يقول لأبنائهم: "ما زال الوقت مُبكّراً بالنسبة إليك!" أي إنَّ هذا الفتى يبلغ من العمر 25 عاماً، لكنه ما زال لا يريد تكوين الأسرة وتقبّل مسؤوليتها.


رسول الله(ص): نحن لا نولّي الرئاسة مَن يطالب بها

  • إذاً "إدارة الذات" أمر لا مناص منه، و"إدارة الأسرة" أيضاً أمر لا بد أن تُرحِّب به؛ بيد أنّ الأمر يختلف بالنسبة لإدارة المجتمع، فلا ينبغي أن تُرحِّب به! وسنقرأ بضع روايات في هذا الموضوع:
  • عن أبي موسى قال: دخلت على النبي(ص) أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحدهما: يا رسول الله أمِّرنا على بعض ما ولّاك الله عزَّ وجل، وقال الآخر مثل ذلك، فقال(ص): «إنا والله لا نولِّي هذا العمل أحداً يسأله» (دانشنامه قرآن و حدیث (موسوعة القرآن والحديث)/ ج‏6/ ص444)؛ فلأنك طالبت بالسلطة فلن أعطيك إياها! ثم يقول(ص): «..أو أحداً حرص عليه»، أي من كان حريصاً على السلطة أيضاً لن نعطيها له (وإن لم يطلبها بلسانه، إذا علمنا أنه حريص عليها).
  • وفي حديث آخر عن رسول الله(ص) أنه قال: «لا نَستَعمِلَ عَلى‏ عَمَلِنا مَن أرادَهُ» (حکمت‌ نامه پیامبر اعظم (حِكَم الرسول الأعظم)/ ج‏4/ ص488)؛ أي إننا لا نُسلّم شؤون الدولة وأمور الإدارة والحكم لمن يريدها ويرغب فيها. (إذاً لمَن يسلّمون هذه المهام؟ للذي يترجّاه الآخرون ويتوسّلون إليه لكي يقبل بهذه المسؤولية والإدارة). 
  • كان آية الله مهدَوي كَني في بداية الثورة مسؤولاً عن جميع اللجان في البلد، وكانت مسؤولية هذه اللجان هي بسط الأمن في تلك الأجواء الملتهبة آنذاك. وفي تلك الظروف المتأزِّمة والحرجة في بدايات الثورة كان سماحته يقوم بهذه المهمة بأحسن وجه، ولذلك طلبوا إليه في اجتماع أن يقبل مسؤولية وزارة الداخلية. وكان الشهيد بهشتي وسماحة السيد القائد وبعض الشخصيات الأخرى أيضاً من ضمن الحُضّار في ذلك الاجتماع، فأخذوا يلحّون على آية الله مهدوي لقبول هذه المسؤولية، لكنه أبى ذلك وقال والدموع في مقلتيه: "أنا لا أريد أن أشغل منصباً". هكذا يجب أن يكون المدير، لا أن يذهب للقاء عشرة أشخاص ويبذل قصارى جهده ليحصل على منصب إداري!


الطامعون في الرئاسة لا يستطيعون تطبيق هذه المبادئ الأربعة في الإدارة

  • روي عن الإمام الصادق(ع): «مَلْعُونٌ مَنْ تَرَأَّسَ، مَلْعُونٌ مَنْ هَمَّ بِهَا، مَلْعُونٌ مَنْ حَدَّثَ بِهَا نَفْسَهُ» (الکافي/ ج2/ ص298). أي: ملعون من يبذل قصارى جهده لكي يصبح رئيساً، وملعون من يهمّ بالرئاسة، وملعون من يحدّث نفسه: "ليتني أصبح رئيساً!" وهل يجرؤ من يطّلع على هذه الروايات يا ترى أن يُرشِّح نفسه للبرلمان والمناصب الأخرى؟! يجب أن يترجّاه الآخرون ويلتمسوه، لا أن يرمي بكل ثقله للوصول إلى هذه المناصب!
  • على الرغم من أن أمير المؤمنين(ع) كان الوصيّ المباشر لرسول الله(ص) إلا أنه لم يقبل الولاية إلا بعد إصرار شديد من الناس! طبعاً كانت هناك أسباب أخرى أيضاً لعدم قبول الإمام الولايةَ (فكان الناس غير مؤهلين بعد لولايته مثلاً و...الخ)، لكن لا ينبغي، في كل حال من الأحوال، أن يتهافت المرء على الرئاسة! لكن البعض يبيع بيته أو يستقرض المال وينفق الأموال الطائلة لكي يصبح رئيساً!
  • نحن ذكرنا أربعة مبادئ للإدارة في هذه السلسلة من المحاضرات، لكن الأشخاص الذين يطمعون في الرئاسة ويرغبون فيها لا يستطيعون تطبيق هذه المبادئ.


بحسب الرواية، إن ضرر هواة الرئاسة على الناس أكثر من ضرر الذئاب على القطيع!

  • نقلوا للإمام موسى بن جعفر(ع) أنّ ثمة شخصاً يحب الرئاسة، فقال الإمام(ع): «مَا ذِئْبَانِ ضَارِیَانِ فِي غَنَمٍ قَدْ تَفَرَّقَ رِعَاؤُهَا بِأَضَرَّ فِي دِینِ الْمُسْلِمِ مِنَ الرِّئَاسَةِ» (الکافي/ ج2/ ص297). هل تعلمون حجم الخسائر والأضرار التي تلحق بقطيع الغنم المتروك من دون راع ٍ حين يهاجمه ذئبان ضاريان؟! فالذئاب لا تأكل بقدر احتياجها، بل تُقتِّل الكثير من الأغنام عبثاً. إنّ الضرر اللاحق بالقطيع الذي يهاجمه ذئبان ويمزّقان الأغنام أشلاء، أقل من ضرر حب الرئاسة للناس! بعبارة أخرى، إن طالبي الرئاسة وهواتها أشبه بالذئاب.


آليات الانتخابات الموجودة في بلادنا ناقصة

  • حسناً، والآن ما الذي ينبغي صنعه؟ أولاً، لا بدّ من التفكير في خطة لنظام الانتخابات تمنع صعود الذئاب. فالآليات الانتخابية المعمول بها حالياً في بلادنا ناقصة، وينبغي أن نحقق النضج في أسلوب انتخابنا. إنّ الأشخاص الذين يديرون ساحة الانتخابات هم للأسف إمّا أساتذة في الحرب النفسية، وإمّا أتباع النهج الـ"بي بي سي" وأمثالهم. يجب أن ينتهي الاستقطاب الثنائي والحرب النفسية في الحملات الانتخابية، بطريقة محطة الـ"بي بي سي" الخبيثة. 
  • ما هو واجب مجلس صيانة الدستور في وضع كهذا؟ كما يُطرَد اللاعب الذي يركل ساق منافسه في مباراة كرة القدم، على مجلس صيانة الدستور أيضاً أن يطرد المرشّح الذي يكذب في حملته الانتخابية! على سبيل المثال إن افترى هذا المرَّشح على أحدٍ وشوّه سمعته، يجب على مجلس صيانة الدستور أن يشهر في وجهه البطاقة الحمراء. فلا يجوز أن تتَّهم أحداً كذباً لكي تصبح رئيساً! ماذا ستفعل غداً ببلدك إذاً؟ 


ما كل الأمور هي ضمن صلاحية المسؤولين ولا ينبغي أن يكون كذلك

  • ثانياً، ليست جميع الأمور هي ضمن صلاحيات المسؤولين ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ فعلى الشعب أن ينهض بالكثير من المهام. ينبغي أن يدبّ النشاط في الشعب، ولا سيما في الشباب الجهادي، لإدارة البلد؛ أي على الشعب، من خلال وضع الخطط والأنظمة، أن يحول دون إمكانية أكل الريع، وأن يغلق الأبواب أمام السرقة، والمحسوبية، والعلاقات الحزبية الموبوءة، ويحول دون صعود الأشخاص عديمي الكفاءة [إلى المناصب]. 
  • لنهتم بهذا الدور الذي ينبغي على الشعب والشباب أن ينهضوا به. فإن نهج دولة صاحب الزمان(عج) أيضاً ليس على النحو الذي يقول فيه الإمام(ع): "أيها الناس! اذهبوا ومارسوا حياتكم الروتينية براحة بال، وأنا سأتولى جميع شؤونكم بمساعدة أنصاري الـ313! فلستم بحاجة إلى اتخاذ أي قرار على الإطلاق!" إن دولة صاحب الأمر(عج) ليست كذلك أبداً! فآليات الحكم في دولته(ع) تقتضي حضور الشعب في الساحة، ونشاط الشباب في المجتمع.
  • قال سماحة السيد القائد في لقائه مع قوات التعبئة (البسيج): "إن التعبئة هي تحقق سيادة الشعب الدينية. حين نشير إلى تعبير سيادة الشعب الدينية أو الإسلامية، يتصور البعض أن سيادة الشعب هذه لا تتحقق إلا أثناء الانتخابات وعند صناديق الاقتراع، لكن الانتخابات هي إحدى مظاهر سيادة الشعب الدينية فقط. إن سيادة الشعب تعني أنَّ الناس، وفقاً لمبادئ الدين والإسلام، هم سادة الحياة الاجتماعية. هذا هو معنى سيادة الشعب، هذا هو معنى سيادة الشعب الإسلامية. إن قوات التعبئة (البسيج) هي مظهر سيادة الشعب الدينية والإسلامية في جميع المجالات. فإن دَخَلَت حقل الاقتصاد فسيصبح الاقتصاد تحت سيادة الشعب" (لدى لقاء سماحته بقوات التعبئة (البسيج)، 23/11/2016). وبالطبع ليس المقصود من هذا الكلام أن تقوم قوّات التعبئة بتأسيس مؤسسة اقتصادية، بل إنّ القصد هو أن يقوم الناس بحركة شعبية تطوّعية، فيتّحدوا بأسلوب كفاحي ثوري ينم عن تضيحة ويمارسوا نشاطاً اقتصادياً بنهج تعبوي. وحينئذ فقط سيصبح اقتصادنا "تحت سيادة الشعب" وليس تحت سيادة رأس المال!
  • ثم أضاف سماحته قائلاً: "لو استطاع هذا الاقتصاد المقاوم، الذي تحدثنا عنه، أن يُفيد من قدرة قوات التعبئة وطاقاتها فسيتحول إلى اقتصاد مقاوم تحت سيادة الشعب. وكذا الحال في العلم أيضاً، وفي أنماط التطوّر الاجتماعي المتنوعة أيضاً، وفي السياسة كذلك، فإن قوات التعبئة هي مظهر سيادة الشعب الدينية!" وليس القصد من هذا الكلام أيضاً أن تتدخل منظمة قوات التعبئة (البسيج) في السياسة، بل إن المقصود هو حقيقة التعبئة نفسها؛ وهو أن: لا تفوِّضوا أمر السياسة إلى الأحزاب والعصابات المخيفة في الساحة السياسية، بل يجب أن تكون السياسة بيد الشعب بالمعنى الحقيقي للكلمة.


ضرورة تكوين حلقة وسيطة بين الحكومة والشعب

  • إن انطباعي عن كلام السيد القائد – والذي سأبيّنه شرحاً لكلام سماحته – هو أننا بحاجة إلى حلقة وسيطة بين الحكومة والشعب. وإذا افترضنا أن هيكلية المجتمع تشبه الهرم فإن الحكومة تحتل عادةً قمة هذا الهرم ويشكّل سوادُ الشعب، بطبيعة الحال، قاعدتَه. ثم لا بد أن تكون هناك حلقة وسيطة بين الحكومة والشعب، وأن يتصف أفرادها بعدة خصائص؛ كأن يكونوا شباناً ثوريين متحمسين، ومُفعمي الحيوية، وأن يفوق نشاطهم نشاط الناس العاديين، وأن يتّصفوا بالشفقة والتضحية والإيثار، و...الخ. لا بدّ من وجود هذه الحلقة الوسيطة بين الحكومة والشعب.
  • لهذه الحلقة الوسيطة بضع وظائف مهمة، من جملتها: إحدى مهام هؤلاء الأشخاص هي تنظيم الناس، ومعرفة مواهبهم، ووصلهم ببعض، وتقويتهم والعمل على رُقِيّهم وتطوّرهم. إنهم لا يسمحون بأن يصبح الشعب هزيلاً جائعاً، ويكون عالة على الدولة وشركات التأمين، ويقتات على صدقات الرأسماليين. هذه الحلقة الوسيطة والشابة، والنابعة من صميم الشعب، يقوم أفرادها بتنظيم مواهب الناس وطاقاتهم، وخَلق شبكة للتواصل فيما بينهم، وصناعة القرارات للمسؤولين المحليين.


نموذجان من المشاريع التي يقوم الشباب بتنفيذها:

  • اليوم يقوم شبان الأحياء في بعض مدن محافظة طهران بإطلاق مشروع يلتف فيه شبان الحي التعبويون (البسيج) تحت شعار: "هلمّوا نعالج مشاكل حيِّنا بأنفسنا". فيدعون إلى اجتماعاتهم - سعياً لمعالجة مشاكل حيهم أو مدينتهم - أشخاصاً كالمُدّعي العام، أو الحاكم، أو المحافظ، أو مسؤولي المدينة، ويطرحون مشاكلهم الواحدة تلو الأخرى، ويطالبونهم بالإجابة والعمل الدؤوب على إزالتها.  
  • وهناك مشروع آخر انطلق يتصل فيه مجموعة من الشباب الناشطين مع بعضهم البعض، ويتحاورون فيما بينهم، ويخرجون بنتائج؛ على سبيل المثال: "بالنظر لإمكانيات المنطقة التي نقطنها فإنها بحاجة إلى المهنة الفلانية، ...". ثم يستغلون الطاقات الفتيَّة (كطلّاب الثانوية مثلاً) لإنتاج مُنتَج ما، وبيعه وجني المال من وراء ذلك. فأولاً، يكتسب هؤلاء الشباب العزة والكرامة من خلال هذا العمل ويتقنون مهنة أيضاً. وثانياً، إن اتصلت هذه المجموعات من أرجاء البلد مع بعضها البعض فستتأسس سلاسل شركات شعبية لبيع المواد الغذائية. ولو نظرتم حينها بدقة إلى هذا النمط من الحياة ستجدون أنها حياة أخرى حقاً! إن ثقافة تحمُّل المسؤولية في هذا النمط من الحياة ستكون في منتهى القوة والحضور، وسيقول الشباب: "سلِّمونا المدينة وسنقوم نحن بإدارتها...".
  • وإذا أحببتم مشاهدة النموذج الراقي لهذا النمط من الحياة فانظروا إلى أربعينية الإمام الحسين(ع). لا تُفوِّتوا زيارة الأربعين. شاركوا فيها قدر استطاعتكم، ومارسوا دوراً فيها.
     

تعليق