الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۰۰/۰۱/۱۴ چاپ
 

أهم ما يحُول دون سقوط الإنسان وهلاك المجتمع (المحاضرة9)

تترك ثقافة المواساة على المجتمع ثلاث بصمات مهمة/ في الأمة التي تتفشّى فيها المواساة لا يُفرَض أمثالُ أبي موسى الأشعري على علي بن أبي طالب(ع)

الهويّة:

  • الزمان: 08/محرم الحرام/1442 - 28/آب/2020
  • الموضوع: أهم ما يحُول دون سقوط الإنسان وهلاك المجتمع
  • المكان: طهران، موكب "ميثاق با شهدا" (العهد مع الشهداء)
  • الصوت:(35MB) تنزیل
  • A4|A5 :pdf

 

إعانة الناس هي درجة من المواساة، وإن للأخيرة درجات أعلى من هذه بكثير

  • عن أمير المؤمنين(ع) قوله: «ما حُفِظَتِ الأُخُوَّةُ بِمِثلِ المُواساة» (غرر الحكم/ ص690).
  • بالطبع إن إعانة المتضررين هي درجة من درجات المواساة، وإن للأخيرة درجات أعلى من هذه بكثير. يروى أن الإمام الباقر(ع) سأل الحجاج بن أرطاة: «يَا حَجَّاجُ، كَيْفَ تَوَاسِيكُمْ؟» قال: «صَالِحٌ يَا أبَا جَعْفَر» ولعله أضاف أننا نُعنى بفقرائنا وذكَر بعض السلوكيات الأخلاقية الخيّرة المتعارَفة. وكأنّ الإمام(ع) لم يرَ هذه السلوكيات كافية، بل كان يتوقع أن يُدخل الفرد منهم يده في كيس أخيه بكل سهولة وأنه ليس ثمة عندهم حدود بين المِلكيات الفردية؛ «قَالَ: يُدخِلُ أَحَدُكُم يَدَهُ في كيسِ أَخيهِ فَيَأخُذُ حاجَتَهُ إِذا احتاجَ إِلَيه؟» قال الحجاج: «أَمّا هذا فَلا. فَقالَ(ع): أَما لَو فَعَلتُم ما احتَجتُم» (كشف الغمة/ ج2/ ص121).
  • وروي عن الإمام الباقر(ع) قوله لشيعته عن الأُخوّة: «لَم‏ تَتَواخَوا عَلى هذا الأَمرِ وَإِنَّما تَعارَفتُم عَلَيه» (الكافي/ ج2/ ص168)؛ أي إنكم لم تتآخوا على أمر الولاية وإنما تعرفون بعضَكم بعضًا، وهذه ليست أُخوّة! فالأُخوّة إذن مفهوم في منتهى العمق. كما يُروى أن أحدهم سأل الإمام الصادق(ع) عن حق المؤمن على أخيه المؤمن فأجابه الإمام(ع) أنْ دَعكَ من هذا، إني أخشى أن لا تكون لك طاقة به! وبعد الإلحاح اكتفى(ع) بذكر بعضها ولم يذكرها كلها؛ «قُلتُ لِأَبِي عَبدِ اللهِ(ع): ما حَقُّ المُؤمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ؟ قَالَ: سَبْعَةُ حُقُوقٍ وَاجِبَاتٍ... قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ حَدِّثْنِي مَا هِيَ. قَالَ(ع): وَيْحَكَ يَا مُعَلَّى، إِنِّي شَفِيقٌ عَلَيْكَ أَخْشَى أَنْ تُضَيِّعَ وَلَا تَحْفَظَ وَتَعْلَمَ وَلَا تَعْمَلَ! قُلْتُ‏: لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ. قَالَ(ع): أَيْسَرُ مِنْهَا أَنْ تُحِبَّ لَهُ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهَ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ. وَالْحَقُّ الثَّانِي»...إلخ (الخصال/ ج2/ ص350-351).
  • آمل أن أكون مخطئًا في احتمالي من أن أمامنا امتحانًا بالمواساة والأخوّة، فإن كان هذا صحيحًا فالأمر في غاية الصعوبة! ففي خبر آخر يشكو فيه أمير المؤمنين(ع) من عدم تآخي المؤمنين فيما بينهم فيقول: «إِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ وَسُوءُ الضَّمَائِرِ، فَلَا تَوَازَرُونَ وَلَا تَنَاصَحُونَ وَلَا تَبَاذَلُونَ وَلَا تَوَادُّون» (نهج البلاغة/ الخطبة113)؛ فلا يساعد بعضُكم بعضًا عند المعضلات، ولا يشفق بعضكم على بعض، ولا يبذل الواحد منكم ويعطي في سبيل أخيه، ولا يود بعضكم بعضًا.


مفهوم المواساة يفوق مفوم التصدّق، ولا يمكن أن يكون علمانيًا

  • نريد الليلة أن نتحدث عن الأبعاد الاجتماعية للأخوّة، والمواساة، بل وما فوقهما؛ أي الإنفاق، الذي يشمل ألوان البذل والتضحيات. إني لأَعجبُ من أنني حين أتكلم على المواساة تتصور بعض الجماعات، التي تبدو عليها الثورية والثقافة، أن المواساة خصلة أخلاقية في مستوى التصدّق ومساعدات المؤسسات الخيرية، ولذا يقولون: "هذا يمارَس في الغرب أيضًا! إنك قد هبطتَ بنا من المطالَبة بالعدالة إلى مستوى التصدّق وفعل الخير!"
  • يقولون: "المواساة هي التصدق!" ما هذا التفسير الذي يحمله البعض؟! إن مفهومًا مثل المواساة يختلف عن التصدق اختلافًا جذريًّا، ويَسمُو عليه جدًّا، ولا يمكن أن يكون علمانيًّا. بالطبع منهج تعليم الدين في مدارسنا ومعظم أساليب تبليغ الدين هي – من حيث لا نشعر – علمانية إلى حد ما.


تصوَّرَ البعض أن ليس في جعبة الدين شيء لإدارة المجتمع، فمال إلى الأفكار الغربية

  • لماذا نظرتنا إلى الدين نظرة علمانية أساسًا؟! في أوائل أيام انتصار الثورة كان البعض ثوريًّا إلى النخاع لكنّ نظرته إلى الدين نظرة علمانية. هؤلاء أنفسهم قد غدو الآن من المعارضين للثورة وممن يعلّق الصهاينةُ عليهم كل آمالهم. لكن لماذا بلغوا هذه المرحلة؟ لِمَ باتوا تغريبيّين إلى النخاع؟ باتوا كذلك لأنهم كانوا يظنّون أن ليس في جعبة الدين ما يقوله حول إدارة المجتمع فمالوا، من أجل ذلك، إلى الأفكار الغربية. وما زال البعض في أيامنا هذه يحمل هذه القراءة الخاطئة ويظن أن المواساة لا يمكن أن تكون حلًا لعلاج مشاكل المجتمع الاقتصادية أو مشروعًا لنظام اقتصادي يقود إلى بسط العدل ويشكّل محورًا لحضارة.
  • أي المفاهيم الدينية هو غير ثوري؟ على سبيل المثال، هل إن مجالس دعاء كميل، أو البكاء على أبي عبد الله الحسين(ع)، أو صلوات الجماعة هي مسائل فردية غير ثورية؟ طالب العلوم الدينية الذي يعتقد أن المواساة تصدُّق لا بد أن يظن أن صلاة الجماعة عمل عبادي محض عارٍ عن السياسة! إن ظن أحدُهم أن البعد السياسي لصلاة الجماعة أضعف من بعدها المعنوي فقد أخطأ في فَهْم دين الله. أوَيُعقل أن يدعو الدينُ الناسَ إلى التجمع في المسجد ثلاث مرات في اليوم ولا يكون له من وراء ذلك غرضٌ سياسي؟!


أي حكم فردي للدين لا يحمل بُعدًا سياسيًّا؟!

  • أساسًا، أيّ حكم فردي للدين لا يحمل بُعدًا سياسيًّا حتى تكون المواساة ثانيَهُ؟ كان الإمام الراحل(ره) ينظر إلى البكاء، بل الدمعة الواحدة على الإمام الحسين(ع) من زاوية سياسية اجتماعية فيقول: "ما تذكُره الروايات للقطرة الواحدة (على الحسين(ع)) من كل هذا الثواب يشير إلى أن أهل البيت(ع) كانوا، منذ البداية، يحملون مشروعًا. إنّ تخصيص كل هذا الثواب ليس من أجل عاطفتك التي هي ذات طابع فردي، بل من أجل تظاهرات حب الحسين(ع) التي لها أثر سياسي، أي إنها تمنح الأمة القوة". «لِمَ يجعل الله تبارك وتعالى كل هذا الثواب الجزيل للبكاء، بل للدمعة الواحدة، بل للتباكي [على الحسين(ع)]؟... المهم في الأمر هو هذا البُعد السياسي الذي أرسى أئمتُنا(ع)في صدر الإسلام مشروعَه ليظل إلى النهاية؛ وهو هذا التجمع تحت بيرق واحد، وحول فكرة واحدة. وليس لأي فعالية أن تترك من الأثر ما يتركه عزاء سيد الشهداء(ع)» (صحيفة الإمام/ ج16/ ص344).


مفهوم المواساة أشد سياسيةً من العدالة بكثير

  • ويذكُر سماحة الإمام الخميني(ره) هنا، وهو الفقيه، السبب من وراء ذلك قائلًا: "من أجل ذلك فإنك تجني الثواب ذاتَه حتى وإن لم تبكِ، بل اتخذتَ حالةَ البكاء (التباكي) وحسب؛ ذلك أنك تظاهرتَ بحب الحسين(ع) وإن لهذا أثرًا سياسيًّا". ويَذكُر سماحته(ره) أن أهل البيت(ع) كانت لديهم، منذ البداية، خطة من أجل الآثار السياسية للعزاء الحسيني والبكاء فيه. إن البعض يسمي نفسه "ثوريًّا" لكنك لا تشم فيه ذرة من رائحة مدرسة الإمام الراحل(ره)! الإمام الذي كان يقول: "والله إنّ الإسلام كله سياسة" (صحيفة الإمام/ ج1/ ص270).
  • المواساة أشد سياسية من العدالة بكثير. وشأن سائر المفاهيم في ديننا، فإن للمواساة أبعادًا اجتماعية وأبعادًا سياسية معًا. بل إن لها، إلى ذلك، من الأبعاد ما يمكن أن يقود إلى تصميم أنظمة اجتماعية؛ أي أنظمةٌ حقوقية، ونظامٌ اقتصادي. إني لأستغرب كيف لا ينظر البعض إلى المواساة على أنها نظام اقتصادي! كيف يتصور البعض أن المواساة هي التصدق لا غير؟!


أول آثار الإنفاق والمواساة تقوية الوشائج الاجتماعية بين أفراد المجتمع

  • إن أول آثار البعد الاجتماعي للإنفاق هو تقوية الوشائج الاجتماعية. فحين يرسخ الجانب الفردي للإنفاق، والمواساة، والزكاة، والخمس، وبذل النفس في سبيل الله؛ وبعبارة أدق: "الإنفاق والمواساة بالمعنى الأعم للكلمة" – حين يرسخ هذا الجانب في نفس كل فرد من أفراد مجتمعٍ ما ويتحوّل إلى قيمة فيه تزداد الأُلفة بين أفراده ويختفي القسم الأكبر من الأزمات.
  • يظن البعض أن المواساة هي أن يتصدّق الغني على الفقير! لكنها أعمق من هذا. نعم، قد يكون التصدق هو أحد معاني المواساة، بل إن الأمر أحيانًا هو هكذا. لكن المواساة هي أن تقول لأخيك في الدين: "لا يجوز لي أن أملك أكثر منك. خذ أنت هذا المقدار من ممتلكاتي". فإن تعزيز الأواصر الاجتماعية هو أهم آثار الإنفاق والمواساة.


حين تزداد الأُلفة في المجتمع نلمس بوادر "الأخوّة الإسلامية"

  • حين تزداد الألفة الاجتماعية فإننا – على حد قول أمير المؤمنين(ع) – سنلمس بوادر "الأخوّة الإسلامية". وقد أكد الإمام الباقر(ع) لصاحبه أنه لو كان أحدُكم يدخل يده في كيس أخيه لما أصابكم العَوَز والفاقة قط؛ «فَقالَ(ع): أَما لَو فَعَلتُم ما احتَجتُم» (كشف الغمة/ ج2/ ص121). وإن الله تعالى موجود، وهو ذو أثر، ولا تأخذه سِنَة. فحين يراكم تتعاملون فيما بينكم بهذه الطريقة يغيّر مقَدّرات العالَم لكم، أما إذا رآكم تأنفون من ذلك فسيبيدكم، أو يأخذكم بالشدائد على أقل تقدير.
  • فلو فعل كل واحد منا ذلك لقَوِيَت أواصرُنا الاجتماعية. ولكم أن تستفسروا عن أنه: "أيّ كنز عظيم هذه الأواصر الاجتماعية!" فالله عز وجل يقول لنبيه الكريم(ص): إن الذين معك هم «أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم‏» (الفتح/29)، وإنك: «لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَميعًا ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِم» (الأنفال/63). الألفة بين أفراد المجتمع هي على هذا الجانب من الأهمية. فلو خرج الإنفاق والمواساة عن مجرد نسج الخيال وطرح الأفكار، وطُبِّق على أرض الواقع، وتحوّل إلى ثقافة وقيمة في المجتمع فسينبري حينئذ ولَدي – حتى لو بقيتُ أنا مُمسِكًا – ليقول لي: "لماذا تريد كل شيء لأنفسنا؟ لماذا تُودِع أموالَك في المصرِف؟ لماذا أنت أناني إلى هذه الدرجة؟ ...إلخ" ولذا فإني سأُرغم، شيئًا فشيئًا، على التراجع عن ثقافة الإمساك هذه.


ثاني بصمات ثقافة المواساة هي عدمُ فَرضِ أمثالِ أبي موسى الأشعري على علِيّ(ع)

  • ما هي البصمة الثانية التي تتركها ثقافة المواساة على المجتمع؟ البصمة الثانية لهذه الثقافة هي أن ذوي الفكر الليبرالي، وأصحاب المنحى الليبرالي في الاقتصاد، والشغوفين أو المنبهرين بالليبراليين في مجتمع كهذا لن يحصدوا الأصوات. وهذا أول أثر سياسي للمواساة. أما إذا غابت هذه الثقافة من المجتمع فمن الطبيعي أن يجني أصواتَ الشعب في الانتخابات مَن هم ليسوا من أصحاب المواساة، بل ومِن آكلي الرَيع أيضًا.
  • إن على من يتوقع العدل من نظام الحكم أن يلتفت إلى أنه: "هل ثمة في التاريخ حُكم أعدلَ من حُكم علي بن أبي طالب(ع)؟!" لكنه في ذلك المجتمع بالذات، وتحت ظل ذلك الحكم العادل لعلي(ع) نفسه فَرضَ حفاةُ الأمة أبا موسى الأشعري على علي(ع)؛ أي الرجل الذي اختلس بالريع من بيت المال أفواجًا من الإِبِل! وليس في يد أمير المؤمنين(ع) فعل شيء في مجتمع كهذا.
  • إذن الأثر الثاني لتفشي ثقافة المواساة في الأمة هو عدم فرض أمثال أبي موسى الأشعري على أمير المؤمنين(ع). فلقد شاهد الناس أن عليًّا(ع) رجل زاهد، وعلموا أن أموال أبي موسى الأشعري بلغت حتى رأسَه وهو يسكن قصرًا فخمًا جدًّا ...إلخ، ومع ذلك يفرضون أبا موسى الأشعري على علي(ع)! فإذا بأبي موسى الأشعري لا يُبدي تجاه معاوية أي حساسية.
  • إن لدينا الآن ساسةً لا يُبدون تجاه أمريكا أي تحفّظ. أَوَتظنّ أن الشخص الليبرالي المنحى في ميدان السياسة والذي منطقه هو: "لا بد أن نذوب في المجتمع الدولي" لديه الجرأة والقدرة على التفكير في وضع مشروع للبلد غير الذي يمليه النظام السلطوي على العالم؟! وليس هذا المنطق بالغريب والجديد، فلقد كان الإمام الراحل(ره) يقول: "المسؤول الذي لم يَعَضَّه وجعُ الحرمان ليس بمقدوره العمل للجماهير". كما قال قائد الثورة (حفظه الله): "لا تُؤسِّسوا لعيش الأشراف". فإن تولّيتَ منصبًا فأرجوك أن لا تهيّئ لولَدِك الريع حتى إذا كان يحمل استحقاقًا ما أو كان مؤهَّلًا لذلك "بالوراثة!".


آمل أن يعمل برلماننا على تغيير نظامنا الاقتصادي والمصرِفي

  • أمثال أبي موسى الأشعري لن يعملوا يومًا على دفع هيكليات المجتمع الاقتصادية باتجاه العدالة. وإني لأرجو أن لا يخيّب مجلسُ الشورى الإسلامي [البرلمان] آمالَنا وأن يعمل على تغيير نظامنا المالي والاقتصادي والمصرفي. فنظامنا المصرفي ليبرالي، ولو تقرَّرَ أن يوجَد في برلماننا أيضًا ثوريون ينظرون إلى مفهوم المواساة نظرة علمانية وفردية فلا محالة أن أشخاصًا كهؤلاء سيفتشون عن القوالب الغربية من أجل أنموذجٍ للعدالة الاقتصادية.
  • يحتاج الكثير من أصدقائنا الثوريين إلى اجتياز دورات تدريبية. فالثورية ليست أن توجِّه مواقفك السياسية فحسب، بل هناك مشاكل عليك أن تعالجها. فإن لم تمتلك شجاعة التغيير فاعتذرْ من قائد الثورة الإمام الخامنئي واستَقِلْ من مجلس الشورى وخاطب الشعب: "طالبتمونا هذا العام بالتغيير لكننا لا نمتلك الشجاعة لذلك". قائد الثورة يعلّق آماله بكم، وهذا يزيد ثقل المسؤولية على كواهلكم. لنرى إن كنتم قادرين على خلق التغيير أو لا؟


الأثر الثالث لثقافة المواساة هو "الاقتصاد الجماعي"/ أدعوكم لمطالعة آراء سماحة آية الله الشاه آبادي(ره) الاستراتيجية

  • الأثر الثالث لثقافة المواساة في المجتمع هو تبلور ثقافة "الاقتصاد الجماعي". فالمواساة هي أن نعمل ونكسب المال سوية. وإن "العمل وكسب المال سوية" يعني أن نتعاون ونطلق مشاريع اقتصادية بشكل جماعي، وهذا هو الأنموذج الأساسي الذي يقترحه آية الله الشاه آبادي(ره) لاقتصاد المجتمع الإسلامي. أدعوكم بإلحاح لقراءة المقال الذي كتبه حجة الإسلام والمسلمين يوسفي في هذا المضمار. وهناك أيضًا كتاب "جنگ سرد ایران و آمریکا" (الحرب الباردة بين إيران والولايات المتحدة) من تأليف السيدَين رنجبر وترابي، أؤكد على مطالعته حيث قد كُرِّس فصل من فصوله لبحث آراء آية الله الشاه آبادي(ره) الاستراتيجية، وهو الذي تنبّأ قبل ثمانين عامًا بصراع الحضارتين. كان الشاه آبادي(ره)، الذي كان عبقريَّ زمانه، قد قَدِم إلى طهران تأسيسًا على نظرية استراتيجية لبناء الحضارة الإسلامية العظمى في مواجهة الحضارة الغربية. ولدى قدومه إليها عمل على نشر "صناديق القرض الحسَن" في المساجد ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ورّوج في العاصمة أيضًا لتجمّعات تلاوة دعاء الندبة ودعاء كميل. لقد كان رجلًا سياسيًّا بامتياز، وقد قادت نشاطاته فيما بعد إلى تشكيل "هيئات المؤتلفة الإسلامية"، التي كانت ثمار نشاطاتها إعانة الإمام الخميني(ره) على الثورة. وعليه فلا شك أن آية الله الشاه آبادي(ره) شخصيًّا كان يُعَد أحد المؤسسين لانطلاق الثورة الإسلامية.
  • وأنا أدعوكم لمطالعة آراء سماحة آية الله الشاه آبادي(ره) الاستراتيجية. يقول الإمام الخامنئي (حفظه الله): "كان الإمام الراحل(ره) تلميذ آية الله الشاه آبادي(ره)، ومريدَه، وعاشقَه في آن معًا". وهنا دعوني أتلو عليكم جانبًا من مقال قُدِّم في مؤتمر تكريم آية الله الشاه آبادي(ره)، أستاذ الإمام الخميني(ره) في العرفان، عُقِد قبل حوالي عشرة أعوام في "مركز دراسات ثقافة الإمام الخميني(ره) وآرائه". كان الشاه آبادي(ره) مفكرًا عملاقًا في العالم الإسلامي، وكان أحد تلاميذه الإمام الخميني الراحل(ره)، الذي كان يقول كلما ذَكَر اسمَه: "روحي له الفداء". يقول الإمام الراحل(ره) في حق آية الله الشاه آبادي(ره): "لو كان درسُه في قم قد دام سبعين عامًا لما فَوَّتُّ درسًا واحدًا منها، فلقد كان له في كل مرةٍ جديدٌ".


الشاه آبادي(ره): عِلّة عِلَل المفاسد جميعًا جهل المسلمين بمسائل الإسلام الاجتماعية والاقتصادية

  • والآن لاحظوا كيف ينظر الشاه آبادي(ره) إلى المواساة. وسأقرأ عليكم بعضًا من مقال حجة الإسلام والمسلمين أحمد علي يوسفي نصًّا، من فصليّة "اقتصاد اسلامى" (الاقتصاد الإسلامي) العلمية البحثية، السنة الخامسة عشرة، العدد 57، ربيع 2015: "إن عِلّة عِلَل المفاسد جميعًا هي جهل المسلمين بمسائل الإسلام الاجتماعية والاقتصادية". وأنا أقول لسماحة آية الله الشاه آبادي(ره): ما زال بعض ثوريّينا، بعد أربعين عامًا على انتصار الثورة، يقبعون في هذا الجهل! يقول سماحته: "لو عرف المسلمون الإسلامَ جيدًا وعملوا به لما ابتُليَت الأمة الإسلامية بكل هذا الفساد".
  • النسخة الأصلية لكتاب "شذرات المعارف"، التي تضم معظم آراء الشاه الآبادي في الاجتماع والسياسة، كانت في حوزة الإمام الخميني(ره) فصادرها "السافاك"، وبقيت الآن أجزاء منها. يقول المرحوم في موضع آخر من الكتاب نفسه: "لقد قدَّموا لنا الإسلام دينًا فرديًّا" وما زالت آثار هذا الفكر قائمة. والآن دعوني أقرأ لكم من نص المقال: "إنه في مؤلفاته يُلغي تمامًا الأساسَ العلماني والرؤية الطبيعانية للنماذج الاقتصادية الغربية والشرقية".


"اقتصاد الأخُوّة"؛ مشروع الشاه آبادي في مقابل الاقتصاد الليبرالي الغربي

  • ويقول في مذمة الاقتصاد الليبرالي الغربي: "من الناحية العملية يخضع الاقتصاد الغربي الحر لقانون "الحُكمُ لمَن غَلَب"، وهو معيار الوحوش". وكان، قبل ثمانين عامًا، قد طرح فكرة: "أن الاقتصاد الغربي الحر يعني السبُعِيّة والتوحش". وهنا يشرح دور الدولة الإسلامية، التي يجب أن تكون تحت إشراف الولي الفقيه، في هذا الصدد؛ وهو أن لا تطلق العنان للمُنافَسة الحرة؛ إذ ما من أحد يسبق الآخرين في هذا التنافس إلا ويفشل الآخرون في اللحاق به، ويرتفع "مُعامِل جيني" [تزداد الطبقية]. إن نقده للنظام الاقتصادي الغربي مُذهل.
  • ويطرح آية الله الشاه آبادي(ره) في مقابل اقتصاد الغاب الغربي مشروعًا استقاه من القرآن الكريم. فلنتعلم من الشاه آبادي(ره) كيف يرى في مفاهيمَ معَيَّنة أنها مفاهيمُ تبني أنظمة وتصنع حضارة فيما يراها الكثيرون غيرُه مجرد مفاهيم أخلاقية، فردية، أو اجتماعية كحد أقصى. يقول سماحته: "استنادًا إلى قوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوانًا» (آل عمران/103)، وانطلاقًا من لفظة «إخوانًا» فإننا نطالب بـ"اقتصاد الأخُوّة"؛ وهو الملاك الأصلي، أو القسم الأكثر أصالة من الاقتصاد. مع العلم أن سماحته لا يلغي أقسام الاقتصاد الأخرى.
  • لقد ذكرتُ قبل عامين، في مجلس هذا الموكب تحديدًا، أن على شباب المساجد والمواكب الحسينية جمع رساميلهم إلى بعضها البعض لإطلاق مشاريع اقتصادية... في حينها انتقدني البعض من أنه: "لماذا تحثّهم على جمع المال؟ هذا اقتصاد ليبرالي!" لكن الفرق بين الاثنين هو أن الاقتصاد الليبرالي هو دعوة فردية لكسب المال، لا دعوة جماعية!


لماذا يأتي بلدنا ضمن البلدان المتأخرة من حيث سهولة إطلاق المشاريع التجارية؟

  • نحن نقول: فلتخفض الحكومة تدخّلاتها في الاقتصاد، ولا تتدخل في غير محله. لماذا أوصَلوا بلدنا إلى هذا المستوى فبات من البلدان المتأخرة في تسهيل إطلاق المشاريع التجارية أو الصناعية؟ فليهب مجلس الشورى الإسلامي لنجدة هذه المشاريع، ولتعاقِب السلطة القضائية مَن يعرقل المِهَن والمشاريع.
  • على البرلمان والسطة القضائية أن يتحقّقا ممن يعيق في الحكومة والأجهزة التنفيذية سهولة إطلاق المشاريع التجارية ويخلق العراقيل أمام المنتجين ورواد الأعمال؟ الإمساك بالسُرّاق ليس تغييرًا، بل هو تحرّك يندرج ضمن المهام العادية. أنا أطالب السلطة القضائية بكل جدية بأن تلقي القبض على الذين يقفون أمام إطلاق المشاريع والأعمال. ومن اللافت أحيانًا أن الحكومات أيضًا تتغير، أما هؤلاء فباقون في مواقعهم!


لماذا خاطب قائد الثورة ببيانه "الخطوة الثانية للثورة" الشبابَ ولم يخاطب الحكومة؟

  • كان آية الله الشاه آبادي(ره) فقيهًا عبقريًّا يتمتع بنبوغ علمي، وقد بلغ درجة الاجتهاد في أوائل سِنِيّ شبابه. "يرى آية الله الشاه آبادي(ره) أن سعادة المجتمع الإسلامي في الدنيا والآخرة هي رهن وحدته وأخُوّته الإسلاميّتَين". ولأقرأ العبارات من المقال نفسه: "إن أهم السياسات الرامية إلى بلوغ الأهداف الإسلامية العليا على جميع الصعد، ومنها الصعيد الاقتصادي، سياستان: سياسة تهيئة العِدَّة، وسياسة تجهيز العُدَّة. فأما سياسة تهيئة العِدَّة فهي تهيئة الكوادر البشرية المتّحدة المنسجمة فكريًّا. وأما سياسة تجهيز العُدَّة فهي تأمين الإمكانيات الاقتصادية والمالية والتنظيمية".
  • لكن لماذا نحن نخوض في هذا الموضوع أصلًا؟ إننا نطرح هذه المسائل "لتهيئة العِدّة وتوفير الكوادر المتّحدة فكريًّا" من أجل أن نتحرك ونطلق "اقتصاد الأخُوّة" هذا. أتظنون أنه لا ينشأ من الأخُوّة الإسلامية نظام؟ ألم يقل سماحة الشاه آبادي(ره): إننا بحاجة أولًا إلى الإنسان؟ يقول سماحته: "إن سياسة تهيئة العِدّة مقدَّمة على سياسة تجهيز العُدّة". تحليلي الشخصي هو أنه من هذا المنطلق وجّه قائد الثورة الإمام الخامنئي (دام ظله) بيان "الخطوة الثانية للثورة" إلى الشريحة الشابة، لا إلى الحكومة؛ فهو يريد القول: إننا بحاجة إلى العِدّة؛ العِدّة التي تشعر بالمسؤولية، وتتآزر، وتعالج أغلب القضايا بنفسها، وحينذاك سيتقلص حجم الحكومة وتنسحب عن المواضع التي احتلّتْها من دون جدوى.


الأخُوّة كخيط المسبحة تربط بين جميع السلوكيات والعلاقات الاقتصادية

  • ويضيف: لا يمكن إعداد العِدّة إلا من خلال الأخُوّة في الإسلام. ولذا يتحتم على المسلمين أن يتعاونوا لسد احتياجاتهم. والأخُوّة، في واقع الأمر، هي كخيط المسبحة، تربط بين جميع السلوكيات والعلاقات الاقتصادية، ولهذا فإنه يصنفها في عداد الأحكام السياسية الإلهية.
  • ومن هذا المنطلق فإننا لا نتوقع من الثوريين أن يحسَبوا الأخُوّة والمواساة تصدّقًا. فإن قال أحدهم: "نحن نُحسن التصرّف؛ يعمل كل واحد منا على تأسيس مصنع لنفسه، فيُثري، فإن كان ثمة مُعوِز، يدفع له ضرائب من أرباحه..."، نرُدّ عليه: "لكن هذه الطريقة معمول بها في الغرب أيضًا! إن كنتم صادقين فاذهبوا واعملوا سوية".
  • قبل حوالي أربعة أعوام قلتُ لجماعة من منتجي الأفلام في مهرجان "عمار" السينمائي: "هل أنتم ميّالون إلى العمل الفني بشكل جماعي؟ وهو أن يجتمع عدد من الأشخاص ويعملوا سوية على كتابة السيناريو وإخراج الفلم، ...إلخ". من الصعب جدًّا أن يُنجز بضعة أشخاص عملًا فنيًّا واحدًا. لقد أخذ مؤخرا بعض نشطاء "الشعر الطقسي الديني" يجتمعون ويَنْظمون الأشعار معًا. وليس مُهِمًّا عندهم "أنّ الشعرَ شِعرُ مَن منهم؟" فهم لا يسعون إلى اجتذاب الأنظار إلى أنفسهم. ويمكن لهذا العمل أن يشكّل أنموذجًا للعمل الاقتصادي أيضًا؛ فحين يكون بالإمكان لبضعة أشخاص أن يَنْظموا الشعر بشكل مشترك ألا يكون بإمكان بضعة أشخاص إنشاء مصنع؟ رأي آية الله الشاه آبادي(ره) هو: "الأخُوّة، في واقع الأمر، هي كخيط المسبحة، تربط بين جميع السلوكيات والعلاقات الاقتصادية".


السبيل الوحيدة لانتعاش المجتمع الإسلامي اقتصاديًا هو تعاون المسلمين وتعاضدهم

  • هذه الجمل هي بقلم كاتب المقال المحترم، وهو - لحُسن الحظ - مسؤول الدراسات الاستراتيجية في الحوزة في مجال الاقتصاد المقاوِم ومن باحثي الاقتصاد الإسلامي الأفذاذ في موضوع التعاون. وأنا أؤكد على مطالعة مؤلفاته.
  • "لا يرى آية الله الشاه آبادي(ره) أن للأخلاق الإسلامية وظيفة فردية، بل يذهب إلى أن القرآن الكريم، الذي هو المصدر الأساسي للمعارف الإسلامية، لا يتناسب مع الإسلام الانفرادي. وهو يعارض بشدة المؤسسات الاقتصادية القائمة على أصالة الفرد (مثل المصارف)، ويعُدّها مصدرًا لخيانة الشعب وتضييع حقوقه".
  • والمباحث التالية تستدعي اهتمام مجلس الشورى الإسلامي: "يدّعي آية الله الشاه آبادي(ره) تأسيس مؤسسات اقتصادية جديدة قائمة على الأسس الإسلامية. ويرى أن السبيل الوحيدة لانتعاش المجتمع الإسلامي في الميادين الاقتصادية وتلبية احتياجاته المالية هي تعاون المسلمين وتعاضدهم".
  • ويقول في مقاله متابعًا: "لا وجود للمبدأ السلوكي المسمَّى بالمنافسة في الأنموذج الاقتصادي لآية الله الشاه آبادي". إن أحد معاني مبدأ المنافسة هو شفافية المعلومات، وليس ثمة إشكال في أن يصل الجميع إلى المعلومات. لكنه يرى أن السلوك التنافسي، وهو أن يُثري أكثر كلُّ مَن هو أشد وحشية وأقوى عضلات، سلوكٌ غير سليم.
  • "وبناءً على الأسس الإسلامية في معرفة الوجود يقدّم سماحته المبدأ السلوكي المسمَّى بالتعاون، سواء داخل الأنموذج والمنافسة أو خارجهما، بوصفه المبدأ السلوكي الإسلامي الوحيد". وكذا: "إن من الأمور المهمة والكارثية هنا هي عدم إيلاء المجتمع العلمي الإسلامي ما يلزم من الاهتمام بآرائه (الشاه آبادي) الاقتصادية. ولربما وَسِعَنا الزعم بأن حجم المباحث الاقتصادية التي طرحها الشاه آبادي لأول مرة على أساس من توحيد الله عز وجل في الخالِقيّة والربوبية يفوق حجم المباحث الاقتصادية التي طرحها أمثال آدم سميث". إلا أن عددًا كبيرًا من مفكري العالم قد عملوا علميًّا لبضعة قرون على آراء أمثال آدم سميث الاقتصادية وأكملوها وقدّموها كأنموذج لاستهلاك الجميع، ومنهم بعض مسؤولي بلدنا، هذا وقد صرّح بعض هؤلاء المسؤولين بأنه: "ما لم يكن في الاقتصاد تنافس وما لم يُفلس البعض لا يُعَد هذا الاقتصاد اقتصادًا!"
  • ولا أقول: لا ينبغي أن يُفلس أحد قط في مضمار التنافس الاقتصادي لكن لا بد من القول، انطلاقًا من آراء آية الله الشاه آبادي(ره)، المبنية على المواساة: "يا أهالي المدينة، أيها النشطاء الاقتصاديون في المدينة، أوَكنتم موتى كي لا تأخذوا بأيدي هؤلاء الشباب لئلا يفشلوا في مجال أعمالهم التجارية؟ ماذا كنتم تصنعون؟ وماذا كان مسؤولوكم يفعلون؟!"


ما دور أئمة الجمعة في إطلاق المشاريع التجارية والصناعية؟

  • سألتُ ذات مرة أمين أئمة الجمعة المحترم: "على وجه الدقة ما هو دور أئمة الجمعة في إطلاق المشاريع التجارية والصناعية في المدينة أو المحافظة؟" فأجاب: "بعضهم ناشط في هذا المجال، لكن لا توجد هناك تعليمات خاصة بالموضوع". أقول: إن لم يلجأ الشباب، الراغبون في إنشاء ورشة، إلى إمام جمعة مدينتهم فإلى من يلجؤون إذن؟ فما هي مهمة إمام الجمعة؟ إن أي شخص باستطاعته أن يَؤُم الجمعة!
  • في الخبر سأل رسول الله(ص) رجلًا عن علة عدم مجيئه إليه مدة من الزمن فقال الرجل: لم يكن لدي لباس أخرج به؛ «أَبطَأَ عَلَى رَسُولِ اللهِ(ص) رَجُلٌ فَقالَ(ص): ما أَبطَأَ بِك؟ فَقال: العُرْيُ يا رَسولَ الله؟ فَقالَ(ص): أَما كانَ لَكَ جَارٌ لَهُ ثَوبانِ فَيُعيرُكَ أَحَدَهُما؟ فَقال: بَلَى يا رَسولَ اللهِ. فَقالَ(ص): ما هَذا لَكَ بِأَخ» (مصادقة الإخوان/ ص36). وفي رواية أخرى أن رجلًا شكى إلى رسول الله(ص) عَوَزَه فقال له النبي(ص): ما الذي تملكه في دارك؟ فقال بساط وقدح. فقال(ص): هاتهما. فساعده رسول الله(ص) على بيعهما وطلب إليه أن يعمل بهذا المال؛ «أَصابَ أَنصارِيًّا حاجَةٌ فَأَخبَرَ بِها رَسولَ اللهِ(ص) فَقالَ(ص): ايتِني بِما في مَنزِلِكَ... فَأَتاهُ بِحِلْسٍ وَقَدَحٍ. فَقالَ رَسولُ اللهِ(ص): مَن يَشتَريهِما؟ فَقالَ رَجُلٌ: هُما عَلَيَّ بِدِرهَمٍ. فَقَالَ(ص): مَن يَزِيدُ؟ فَقالَ رَجُلٌ: هُما عَلَيَّ بِدِرهَمَينِ؟ فَقالَ: هُما لَكَ. فَقَالَ(ص): اِبْتَعْ بِأَحَدِهِما طَعامًا لِأَهلِكَ وَابْتَعْ بِالآخَرِ فَأْسًا. فَأَتاهُ بِفَأْسٍ. فَقَالَ(ص): مَن عِندَهُ نِصابٌ لِهٰذِهِ الفَأْس؟ فَقالَ أَحَدُهُما: عِندِي. فَأَخَذَهُ رَسولُ اللهِ(ص) فَأَثْبَتَهُ بِيَدِهِ وَقال: اِذهَبْ فَاحْتَطِبْ...» (بحار الأنوار/ ج100/ ص10). وفي الخبر: «إِنَّ العُلَماءَ وَرَثَةُ الأَنبِياء» (الكافي/ ج1/ ص32)، فهكذا يكون إمام الجمعة!


كيف واسَى العباس(س) أخاه الحسين(ع)؟

  • نقرأ في زيارة أبي الفضل العباس(س): «أَشهَدُ لَقَد نَصَحتَ لِلهِ وَلِرَسولِهِ وَلِأَخيكَ فَنِعمَ الأَخُ المُواسِي» (المزار للشيخ المفيد/ ص124)؛ أي: لقد واسَيتَ أخاك الحسين(ع) نِعمَ المواساة.
  • أوَهل معنى المواساة هنا أنك تصدّقتَ على الحسين(ع)؟! كلا، بل المراد أنك فديتَ الحسين(ع) بنفسك.
  • كأني بأبي عبد الله الحسين(ع) قال لأخيه العباس: "يا حبيبي يا عباس، أتسمع صرخات الأطفال: العطش؟" فقال: "سمعًا وطاعة، الأمر ما تقوله، أنا فداء لأطفالك...". لاحظوا، أن الله ينظر إلى بواطن الناس، ويكتب عاقبتَهم اعتمادًا على هذا الباطن. إني لأتصور أن لسان حال أبي الفضل(س) كان هذا: "يا حسين! أين أنا منك يا مولاي؟ روحي فداء لأطفالك..."، فكان – في آخر المطاف – أن فدى شفاهَ أطفالِ الحسين(ع) بنفسه!
  • إن الزيارات المأثورة لتنطوي على تعابير عرفانية؛ مثل: «الأَخُ المُواسي»؛ أي لقد واسيتَ نِعْمَ المواساة... وكيف واسى العباسُ(س) أخاه الحسين(ع) يا ترى؟ هاكم مظهرًا من مظاهر مواساته: أقبلَ يوم عاشوراء، ولعله مع باقي إخوته، إلى أبي عبد الله الحسين(ع) قائلًا: «هَل مِن رُخصَة؟». ودعونا من أنه أيَّ دموعٍ استدَرّ الحسينُ من أعينهم، قال(ع) له: "يبدو أنك يئستَ من الحسين فتريد تركَه وحيدًا!" فبكوا. "ما الذي ستصنع أختُك زينب بعدك؟!" فكأنه(ع) رثى إخوتَه الغيارى، والإخوة ينتحبون. ثم أذن الحسين(ع) لإخوته بالقتال.
  • وكأن العباس(س) قد جمع إخوته وقال لهم: "اسبقوني إلى الميدان.. أريد أن يلامسَ مصابُ الأخ روحي فلا يكون الحسين هو الوحيد الذي يحسّ مصابَ أخيه، أريد أن أُصابَ بإخوتي قبله. وحين استُشهدوا كان يساعد الباقين ليأتوا بهم واحدًا واحدًا إلى المُخَيَّم. لستُ أدري كم هو عظيم مصابُ الأخ، وأن يرفع الأخ جسد أخيه من الأرض... أيُّ معرفة حظي بها العباس(س) آنذاك! وإذا به، حين أراد الحسين(ع) حَمْلَه إلى المخيم، يقول له: أرجوك يا أخي أن لا تحملني، ودعني في مكاني هذا...

تعليق