الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۰۰/۰۶/۲۵ چاپ
 

التقوى مشروع لإدارة المجتمع (المحاضرة 5)

التقوى نهجٌ لإدارة مصنع!

 

المكان: موكب النور

الزمان: 04/محرّم/1439 - 25/أيلول/2017

A4|A5 :pdf

 

تهتم التقوى "بدوافع الإنسان الداخلية" فتوقظها.

لدى إدارتك المصنع بنهج التقوى ستمنح الأشخاص فيه "الشخصية والكرامة"، والعامل ذو الشخصية يعمل لك بشكل أفضل.

تحطم بعض القوانين شخصية الإنسان لأنها تسعى لحل المشاكل عبر "الرقابة من الخارج" حصرًا دونما بَعثٍ للدوافع الداخلية.

ليست التقوى مجرد مفهوم قيمي عارٍ عن الرصيد العقلاني، بل هي – كالرياضيات – توافق الواقع وبمقدورها صياغة أنموذج ونهج لإدارة المجتمع.

كيف تُرَقّي التقوى فَهْم الإنسان؟

 

سماحة الشيخ بناهيان

  • من الانطباعات الخاطئة عن الدين هي تصنيفه في عداد "القيم". فكأننا حين نقول: "الدين هو من القيم" نضعه في خانة الأمور غير الواقعية.
  • إننا لا نعبر عن القواعد الرياضية بأنها "قيمية" على الإطلاق، ذلك أننا نعدها موافقة للواقع، خلافًا للدين الذي نصنفه كأمر "قِيَمي"! بالطبع لا شك أن الدين ذو قيمة لكن، كما المنطق الرياضي، على الجميع أن يتعلموه لكي يتمكنوا من العيش بشكل سليم.
  • حين نقول: "الدين هو في خانة القيم" معناه أن المسار المنطقي للحياة يتخذ منحى آخر يخالف الدين! وأن للحياة – بطبيعة الحال – معناها وضوابطها الخاصة، وأن عملية إدارة المجتمع تتطلب مناهج خاصة بها، ولا بد لهذه الأمور أن تخضع لحسابات رياضية، وأن نلجأ بذلك إلى العلم، فليست هي قضايا قيمية يمكن أن تَحُل محَل العلم!
  • فإن التقوى – حالها حال الرياضيات – توافق الواقع وبمقدورها وضع أنموذج ونهج لإدارة المجتمع، وإن لها استخداماتِها في الحياة الفردية والاجتماعية. فالتقوى، من هذه الزاوية، ليست مفهومًا قِيَميًّا، بل إنها قائمة على الحقائق، شأنها شأن الجاذبية الأرضية.
  • وإن التقوى نهج يستعان به لإدارة المصنع! فإنك تمنح أعضاء المصنع، الذي تديره بأسلوب التقوى، الشخصيةَ والكرامة، وإن الفرد ذي الشخصية - سواء أكان عاملًا أو موظفًا - يعمل لك بشكل أفضل بكثير! إذن لو انتهجتَ في إدارة المصنع نهجًا غير التقوى وحطّمتَ شخصيات العاملين فيه فإنك ستخسر اقتصاديًّا أيضًا.
  • ولقد صاروا مؤخّرًا يناقشون في علم الإدارة مسألةَ أنه إذا كان لدى العامل "باعث داخلي مستقل" للعمل فسترتفع إنتاجيّته أضعافًا بأقل قدر من القوانين والرقابة. فالتقوى تهتم بدوافع الشخص الداخلية فتوقظها.
  • تتجه بعض قوانين بلدنا، التي يشرّعها مجلس الشورى، باتجاه سحق شخصية الإنسان؛ ذلك أنها تحاول حل المشاكل كافة عبر "القانون" و"الرقابة من الخارج" وحسب، من دون أن تبعث في الإنسان دوافع داخلية مبنية على التقوى.
  • لماذا استُحسن الاتّجار في ديننا كل هذا الاستحسان؟ جاء رجل إلى الإمام جعفر الصادق(ع) سائلًا إياه إن كان يمكن أن يُؤْجِر الرجلُ نفسَه (أي يعمل كعامل أو موظَّف لدى آخَر) في حين أنه يمكنه أيضًا الاتّجار بشكل مستقل فيجني المقدار نفسه من المال، فنصحه(ع) أن لا يعمل أجيرًا عند غيره، بل يَتّجِر هو لنفسه؛ «قلتُ لأبي عبد الله(ع): الرَّجُلُ يَتَّجِرُ فَإِنْ هُوَ آجَرَ نَفْسَهُ أُعْطِيَ مَا يُصِيبُ فِي تِجَارَتِهِ. فَقَالَ(ع): لا يُؤَاجِرْ نَفْسَهُ وَلَكِن يَستَرزِقُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَتَّجِر» (الكافي/ ج5/ ص90).
  • تقترح علينا التقوى في العلوم التربوية أيضًا أنموذجًا ونهجًا لإدارة المدرسة. إذ يتم في علم النفس، في الآونة الآخرية، مناقشة موضوع يُسمَّى بـ"الذكاء العاطفي" أو "EQ" ويقال: إن قيمته وأثره في نجاح الإنسان يفوق الـ"IQ" كثيرًا.
  • قاموا باختبار في حضانة للأطفال حيث قالوا للأطفال: "سنضع قِطَع الحلوى هذه أمامكم ونَخرج من الغرفة ثم نعود بعد نصف ساعة وكلُّ مَن لم يأكل قطعة حلواه أو أكلها متأخّرًا نعطيه جائزة" وقد أُعلنت نتائج هذا الاختبار بعد حوالي خمس عشرة سنة، وهي أن كل من لم يتناول حلواه أو تناولها متأخّرًا كان أكثر نجاحًا في حياته! وكل من أكل حلواه أسرع لم يكن ناجحًا في الأسرة والعمل والدراسة (على الرغم من تمتعه بـ"IQ" أعلى)!
  • وتوصلوا إلى نتيجة مفادها أن "قدرة التلميذ على ضبط نفسه" تُعَد عاملًا لنجاحه في حياته. أوَليست التقوى هي "القدرة على ضبط النفس"؟ وتأسيسًا على هذا فقد صمّموا مدارسَ كُتِب على قميص الأولاد فيها: "كُلْ حلواكَ متأخّرًا!"، وهذا معناه "القدرة على ضبط النفس"، وهي "التقوى" عينُها، التي هي العامل في إبداع أبنائنا وإدراكهم.
  • يقول تعالى في كتابه العزيز: «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانًا» (الأنفال/ الآية29)؛ أي: إن كنتَ ذا تقوى فسيتحسَّن إدراكك! فـ"الفرقان" هو القدرة على فَهْم كل شيء، أي إنك لن تفهم الدين فقط، بل ستفهم الدنيا أيضًا! فيا ترى كم وحدة دراسية في العلوم السياسية اجتاز الإمام الراحل(ره) مثلًا حتى أتقنَ مزاولة السياسة كل ذلك الإتقان؟!

تعليق