الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۵/۰۱/۱۶ چاپ
 

معالم الأسرة الصالحة ـ 4

A4|A5 :pdf

إن بعض الناس قد خلطوا بين البيت وبين الأريكة! / أولئك الذين لم يهتمّوا بإنجاب الأولاد فلم يدركوا معنى الأسرة أساسا/ المرأة التي تتواضع لزوجها، فهي في الواقع تزيد إمكان تمتّعها في الحياة/ في البيت الذي تكون الأمّ فيها محبوبة والأب مطاعا، يصبح الولد متعادلا نفسيّا/ ناسبوا العوائل الذين يحظون بالتعادل الروحي

  • الزمان: 03/12/2013
  • المكان: طهران ـ بقعة الشيخ عبدالله الطرشتي

ألقى سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الثالثة من المحرّم وفي بقعة الشيخ الطرشتي خمس محاضرات تحت عنوان «معالم الأسرة الصالحة» فإليكم أهمّ المقاطع من محاضرته الرابعة: 

أحد أسباب التأخير في الزواج، هو الانطباعات غير الصحيحة التي تبلورت في أذهان الناس عن الزواج

الخطوة الأولى في سبيل الوصول إلى الأسرة الصالحة هو إصلاح رؤيتنا وانطباعنا عن «الأسرة». يجب أن نرى أولا ما هي رؤيتنا وما هو انطباعنا عن الأسرة؟ هل انطباعنا عن الأسرة هو أننا نرى «الأسرة» مفهوما عظيما ورائعا؟ هل نعتبر الأسرة موطنا لبناء الذات ومجمّعا أشبه بالمعسكر أو نادي الرياضة مع مزيد من اللطافة والرأفة، أو أننا نعتبرها موطنا للاسترخاء والراحة المطلقة؟ هل نرى الأسرة كفندق ليس سوى محلّ للاستراحة والطعام، أو أنها موطن للقيام بمسؤوليّة ودور مهمَّين؟

مع الأسف إن لبعض الناس انطباعا غير صحيح عن الأسرة. فعلى سبيل المثال تراهم يقولون: «لقد ورّط فلان نفسه وتزوّج!» أو يقولون: «أتعلمون أن المرأة الفهيمة مع أي رجل تتزوّج؟ المرأة الفهيمة لا تتزوّج أبدا!» إن مثل هذه الأحاديث تترك أثرا سلبيّا على نفسيّة الشباب، وتخرّب رؤيتهم عن الزواج شيئا فشيئا. أحد أسباب التأخير في الزواج، هو هذه الانطباعات غير الصحيحة التي تبلورت في أذهان الناس عن الزواج. وعلامة هذه الانطباعات هو هذه الكلمات والعبارات التي كوّنها الناس عن الزواج. أو ما يمارسه بعض الناس من المبالغة في تبيين صعوبة تكوين الأسرة، أو یتحدّثون بنظرة سلبية عن هذا الموضوع، ومع الأسف قلّ ما وجدنا من يشكر ويثني على جمال الأسرة ومحاسنها.

إن انطباعنا عن تكوين الأسرة لأمر مهمّ جدّا. كما أن هذا الانطباع يترك تأثيره على كيفيّة سلوكنا في اختيار الزوج، أو في اختيار الأسرة التي نناسبها. إن سبب تصعّب بعض الأسر في مدى مكنة الصهر الاقتصادية، أو مستواه الاجتماعي، أو مستواه الدراسي فهذا ما هو ناجم عن رؤيتهم الخاطئة تجاه الأسرة. فلعلّهم يعتبرون الأسرة وسيلة للتفاخر والمباهاة. حتى أن بعض الفتياة يصرّحن بأن: «هذا الفتى لا يليق بي كثيرا! فإذا مشينا سويّة في الشارع، يقول الناس: إن هؤلاء غير متناسقين مع بعض!» فإن مثل هؤلاء يعيشون في ظرف «یقول الناس»، ورؤيتهم عن الأسرة متعلّقة بما يقول الناس عنها.

كثير من الرجال لا يعرفون طبيعة المرأة/ يجب على الرجل أن يلزم الصمت ويصبر على كلام زوجته المرّ

كثير من الرجال المتزوّجين لا يعرفون طبيعة المرأة، وليس لهم رؤية صحيحة عنها. فعلى سبيل المثال لا يعرفون أن طبيعة النساء ـ ما عدى اللاتي قد تعبن على أنفسهن وجاهدن أنفسهن ـ هي بحيث، إذا أطلقن لسانهنّ بالعتاب والشكوى، يعتبن بشكل مطلق ويكفرن بكلّ جميل، وإذا تألمّت إحداهنّ من زوجها، لعلّها تقول له: «لم أر منك خيرا قط!»؛ «لِأَنَّهَا إِذَا غَضِبَتْ عَلَى زَوْجِهَا سَاعَةً تَقُولُ مَا رَأَیْتُ مِنْكَ خَیْراً قَطُّ» [مستدرك الوسائل/14/244] «و لَا یَشْکُرْنَ الْکَثِیرَ إِذَا مُنِعْنَ الْقَلِیل» [من لایحضره الفقیه/2/554] عندما تقول المرأة هذا، يزعم الرجل أنها تكرهه أشدّ كره وحاقدة عليه، في حين أن الأمر ليس كذلك، وعلى الرجل أن يلزم الصمت ويصبر في مثل هذه المواقف. لقد ذكر رسول الله(ص) أن النساء عاجزات عن التعبير بشكل صحيح، يعني قد تزداد مرارة كلامهنّ عن الحدّ الطبيعي، فعليكم أن تستروا ذلك بالسكوت؛ «إِنَّمَا النِّسَاءُ عِیٌ ... و اسْتُرُوا الْعِیَّ بِالسُّکُوت» [الكافي/5/535 , من‌لایحضره‌الفقیه/3/390]

تجمع الأسرة بين الرجل والمرأة مع ما يتّصفان به من فوارق كثيرة وبيّنة، مما تؤدي إلى حلاوة ومرارة في الحياة. فإن لم تكونوا تتنبأون هذه الظاهرة، سوف لا تملكون القابليّة للتمتّع بحلاوة الحياة ولا تقدرون على استيعاب مرارتها ومواجهتها بشكل مناسب. وأساسا إن اللّه قد قرن بين هذين الجنسين المتعارضين والمختلفين من عدّة جهات في نطاق الأسرة لكي تتجسّد مواطن التعارض والانسجام بينهما، وليرى المواقف وردود الأفعال التي تصدر من كلّ زوج تجاه الآخر على مدى أيام حياتهما المشتركة وعلى رغم كل الاختلافات الموجودة بينهما. وفي الواقع يجب على الزوجين وبالرغم من كل الاختلافات والفوارق الموجودة بينهما أن يكمّل كلّ منهما الآخر ويتكاملا معا.

أي زوجة اخترتها، فيجب أن تعتبرها الزوجة التي اختارها الله لك

دقّقوا وأمعنوا النظر في مسار اختيار الزوجة، ولكن اعلموا أنه لستم من يحسم الأمر، فبعد ما تمّ الاختيار وانعقد الزواج، يجب أن تعتبروا زوجتكم، هي الزوجة التي قد اختارها الله لكم. فتحمّلوا كلّ المرارات والمصاعب التي ستواجهونها في حياتكم وقولوا: لابدّ أن هذه المشاكل والمرارات لمصلحتي ولولا ذلك لما قدّرها الله لحياتي ـ طبعا ما عدى بعض الموارد النادرة التي هي خارجة عن موضوع بحثنا ـ. لذلك فاعملوا بتكليفكم في مقام التحقيق والتدقيق في اختيار الزوج، ولكن بعد ما عملتم بتكليفكم فاعتبروا كلّ ما يحدث، من مشيئة الله وإرادته. فقد روي عن النبي(ص): «لو دَعا لك إسرافیلُ و جِبریلُ و میکائیلُ و حَمَلةُ العَرشِ و أنا فیهِم ما تَزَوَّجتَ إلاّ المرأةَ التي کُتِبَت لكَ» [میزان الحکمة/ح16500]

يقول بعض الناس الذين يتصعّبون جدّا في قضية اختيار الزوج: «أريد أن أجد كفوا لي!». طبعا إن أصل «الكفوية» بین الزوجين أصل صحيح، ولكن النقاش في تفسيركم لهذا الأصل. في الواقع إن أفضل زوج لكم هو الذي من خلال الحياة معه، يعينكم على معالجة عيوبكم والكمال والتقرّب من الله سبحانه وتعالى.

إن الكثير من حالات الطلاق ناشئة من الرؤية الكاذبة عن الزواج/ أولئك الذين لم يهتمّوا بإنجاب الأولاد فلم يدركوا معنى الأسرة أساسا

قد تكون بعض أنواع الطلاق بسبب عدم تحمّل الزوجين ونفاد طاقتهما، ولكن الكثير من حالات الطلاق بسبب عدم الدراية والغفلة عن مقدّرات العالم وأنّ رؤيتهم عن الزواج غير صائبة أساسا. إن بعض الناس قد خلطوا بين البيت وبين الأريكة! في حين أن المفترض عليهم أن يعتبروا البيت من قبيل نادي الرياضة أو برنامج رياضي بحيث يحرّضهم على الحركة والتمرين مما يؤدي بهم إلى الرشد والارتقاء.

ما هي نظرتنا عن العلاقة الزوجية؟ أحد القضايا المطروحة في العلاقة الزوجية هي اللذة الجنسية، وإلى جانبها اللذة العاطفية والتعاون في الحياة. يعني كلّ من الزوجين يتصدّى لبعض الشؤون والأعمال في الحياة. ومن الجوانب المهمّة في الحياة هي «إنجاب الأولاد»، ولعلّها من أهمّ أقسام الحياة، في حين أن كثيرا من الناس يولونه أقلّ عناية. يمتنع كثير من الناس عن الإنجاب أو يحدّدون أنفسهم، فهؤلاء لم يدركوا معنى الأسرة؟ ولم تكن لهم رؤية صحيحة عن الأسرة والحياة المشتركة.

لم يكن إنجاب الأولاد في الدرجة الأولى من الأهميّة في رؤية أهل الغرب عن الأسرة، كما لم يولوا أي اهتمام لمفاهيم التكامل والرشد عبر تحمّل الاختلافات بين الزوجين، ولذلك تبادر إليهم هذا السؤال وهو لماذا يجب علينا التعايش مع الجنس المخالف دائما؟! فبدلا من تكوين الأسرة والتورّط بأعبائها وعنائها، يمكن تلبية الشهوة الجنسية عبر طرق أخرى، وإذا أردنا أن نجرّب التعايش والحياة المشتركة، فبإمكاننا أن نتعايش مع كلب أو قطّة؟! وبالمناسبة تذكر بعض الإحصائيات أن في بعض هذه المجتمعات الغربية، عدد نفوس الذين يعيشون مع كلب أو قطّة أكثر من عدد نفوس الذين يعيشون مع أزواجهم. لأنهم وبسبب شدّة أنانيّتهم وطلبهم للراحة، لم يكادوا يتحمّلون إنسانا آخر بجانبهم، ولذلك يقولون: «إن تحمّل الكلب بجانبنا أسهل علينا بكثير من تحمّل الزوج!» إذ لا يريدون أن يكون بجانبهم إنسان يختلف معهم في بعض الشؤون، فهذا ما يزعجهم ولا يطيقونه.

على الوالدين أن يتخذا سياسة «التغافل» عن بعض أخطاء أولادهن/ لا ينبغي للوالد أن يدخل البيت بهدوء وخفية ليقبض على أولاده

إن للأسرة حرمة خاصّة وعلى الرجل والمرأة مراعاتها. فعلى سبيل المثال روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «یُسَلِّمُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ وَ إِذَا دَخَلَ یَضْرِبُ بِنَعْلَیْهِ وَ یَتَنَحْنَحُ وَ یَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى یُؤْذِنَهُمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ حَتَّى لَا یَرَى شَیْئاً یَکْرَهُهُ» [جامع الأخبار/ص89] لا أن تخفي النساء والأولاد معا شيئا عن الأب وهذا ما يمكن مناقشته في مجال آخر، ولكن ينبغي للرجل أن يحفظ حرمة نفسه وحرمة أسرته. فلا ينبغي للأب أن يدخل بصمت وهدوء ليقبض على أفراد أسرته! فليس هذا بطريق صحيح لمراقبة الأسرة. لابدّ للرجل أن يحظى بسيادة وشخصية عالية بحيث يضطرّ أفراد الأسرة إلى تعديل سلوكهم حياءً من شخصيته وكرامته. حتى قد وصّي الآباء والأمهات بالتغافل عن أخطاء أولادهن. صحيح أن هذا التغافل لا يردع الأولاد عن أخطائهم، ولكنه سيحافظ على حيائهم. وسيشكّل حياؤهم رادعا من الفعل القبيح شيئا فشيئا.

كيف يجب أن تكون نظرة الرجل إلى خدمة الأسرة؟! لقد روي عن النبي(ص): «مَنْ‏ دَخَلَ‏ السُّوقَ‏ فَاشْتَرَى‏ تُحْفَةً فَحَمَلَهَا إِلَى عِیَالِهِ کَانَ کَحَامِلِ صَدَقَةٍ إِلَى قَوْمٍ مَحَاوِیجَ» لا شك في أن النبي(ص) لم يقصد تشبيه أفراد الأسرة بالمساكين، بل أراد أن يصف حجم الأجر والثواب الذي يحصل عليه الرجل عبر هذا العمل. ثم أكمل النبي حديثه وقال «وَ لْیَبْدَأْ بِالْإِنَاثِ قَبْلَ الذُّکُورِ» ثم قال: «فَإِنَّ مَنْ فَرَّحَ ابْنَةً فَکَأَنَّمَا أَعْتَقَ رَقَبَةً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِیلَ مُؤْمِنَةً فِي سَبِیلِ اللَّهِ وَ مَنْ أَقَرَّ بِعَیْنِ ابْنٍ فَکَأَنَّمَا بَکَى مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَ مَنْ بَکَى مِنْ خَشْیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ فِي جَنَّاتِ النَّعِیم» [أمالي الصدوق/577].

الرجل مسؤول عن ديانة زوجته/ المرأة التي تتواضع لزوجها، فهي في الواقع تزيد إمكان تمتّعها من الحياة

روي عن الإمام الصادق(ع): «الْکَادُّ عَلَى‏ عِیَالِهِ‏ مِنْ‏ حَلَالٍ کَالْمُجَاهِدِ فِی سَبِیلِ اللَّهِ» [من‌لایحضره‌الفقیه/3/168]

وروي عن رسول الله(ص): «لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ یُشْبِعَ بَطْنَهَا وَ یَکْسُوَ ظَهْرَهَا وَ یُعَلِّمَهَا الصَّلَاةَ وَ الصَّوْمَ وَ الزَّکَاةَ إِنْ کَانَ فِی مَالِهَا حَقٌّ؛ وَ لَا تُخَالِفْهُ فِی ذَلِك» [مستدرك الوسائل/ج14/ص243] وهذا يعني أن الرجل مسؤول عن ديانة زوجته.

لقد قال النبي(ص): «فَأَيُّ رَجُلٍ لَطَمَ امْرَأَتَهُ لَطْمَةً أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَالِکاً خَازِنَ النِّیرَانِ فَیَلْطِمُهُ عَلَى حُرِّ وَجْهِهِ سَبْعِینَ لَطْمَةً فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَ أَيُّ رَجُلٍ مِنْکُمْ وَضَعَ یَدَهُ عَلَى شَعْرِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ سُمِّرَ کَفُّهُ بِمَسَامِیرَ مِنْ نَارٍ» [مستدرك الوسائل/ج14/ص250] ومن جانب آخر، قال في تعامل المرأة مع زوجها: «وَیْلٌ لِامْرَأَةٍ أَغْضَبَتْ زَوْجَهَا وَ طُوبَى لِامْرَأَةٍ رَضِيَ عَنْهَا زَوْجُهَا» [عيون­أخبارالرضا/ج2/ص11] وقال في حديث آخر: «مَنْ کَانَ لَهُ امْرَأَةٌ تُؤْذِیهِ لَمْ یَقْبَلِ اللَّهُ صَلَاتَهَا وَ لَا حَسَنَةً مِنْ عَمَلِهَا حَتَّى تُعِینَهُ وَ تُرْضِیَهُ وَ إِنْ صَامَتِ الدَّهْرَ وَ قَامَتْ وَ أَعْتَقَتِ الرِّقَابَ وَ أَنْفَقَتِ الْأَمْوَالَ فِي سَبِیلِ اللَّهِ وَ کَانَتْ أَوَّلَ مَنْ تَرِدُ النَّارَ» [وسائل الشيعة/ج20/ص163]

فإن تصرّفت المرأة بما يؤذي زوجها ويغضبه، فلا يجوز لها أن تمرّ من هذا الحدث بسهولة أو تؤجّل كسب رضاه إلى يوم غد، بل يجب أن تجلس إلى جانبه وتمسك يده وتقول له: لا أنام الليلة حتى ترضى عني! فقد روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «خَیْرُ نِسَائِکُمُ الَّتِی إِنْ غَضِبَتْ أَوْ أَغْضَبَتْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا یَدِي فِي یَدِكَ لَا أَکْتَحِلُ بِغُمْضٍ حَتَّی تَرْضَى عَنِّي» [من لا يحضره الفقيه/ج3/ص381] طبعا قد يودّ الرجل أن يبطئ في العفو عنها وأراد أن يلبّي أنفته وكبريائه، ولكن على المرأة أن تصبر على كبرياء بعلها إذ أن هذه الكبرياء تنفع الزوجة أيضا ولصالحها، إذ إن انكسرت رجولة الرجل وأنفته، فلم تعد المرأة تحبّه بعد فترة. ومن هذا المنطلق نقول: إن المرأة التي تتواضع لزوجها فهي في الواقع تزيد إمكان تمتعها من الحياة.

إن تجاسر المرأة على الرجل يؤدّي إلى سوء تربية الأولاد/ إن لم تُحفظ حرمة الأب في البيت، لن تلتزم البنت بحجابها غالبا

المرأة التي تتجاسر على زوجها في البيت، ـ ولا سيما بمرأى الأولاد ـ فهي في الواقع تزعزع أركان البيت، وتتسبّب في سوء تربية الأولاد، إذ قد هتكت حرمة الأب ولم يعد يؤثر حنانه ورأفته إلى الأولاد ولا سيما البنات، إذ أنّ تحنّن الأب المكسورة شخصيّته لا تلصق بفؤاد أولاده ولا تسدّ حاجتهم إلى المحبّة والحنان.

قالت لي إحدى الأمهات المتديّنات: بدأ يتدهور حجاب بنتي، مع أني قد حسّنت حجاب جميع البنات في المدرسة الثانوية، ولكني عجزت عن إصلاح بنتي. فسألتُها: هل تتجاسرين أحيانا على زوجك وتستهينين بشخصيّته أمام الأولاد؟! قالت: هو رجل أمّي و عامل بسيط! قلت لها: فإذن تتجاسرين عليه؟! قالت: قد يحدث ذلك أحيانا. قلت لها: فمن المحتمل أن لا تنصلح بنتك! قالت: شيخنا، لا تقل هكذا! أعطني طريق حلّ! فقلت لها: إنما تعتمد الفتاة على أبيها، فإذا انكسر أبوها فعلى من تعتمد إذن؟! لذلك تذهب إلى الشوارع لتجد من تعتمد عليه...

عندما تحفظ حرمة الأب في البيت من قبل الأم، يقدر الأب على تعديل سلوك بنته بإشارة فقط، كما أنه إذا تحنّن على بنته وتحبّب إليها، تمتلئ الفتاة حبّا، فإذا طالبها بضبط حجابها، ستمتثل هذه الفتاة بكل رحابة صدر وستختار أفضل حجاب، بسبب المحبّة التي تلقّتها من أبيها ومكانة أبيها وموقعه المحترم في قلبها. أمّا إذا هتكت الأمّ حرمة زوجها في البيت وأمام الأولاد، يفقد الأب وزنه وأبّهته في البيت، بحيث حتى إذا صرخ على بنته، أو أصرّ علي ها إصرارا شديدا، لا يؤثّر كلامه في بنته.

إذا كانت الأم محبوبة في البيت، والأب مطاعا، يصبح الطفل متعادل الشخصية

يجب أن تحفظ حرمة الأب في البيت. فلا يجوز للمرأة أن تقول: «لقد غضبت فصرخت بوجه زوجي! فما عسى أن حصل؟!» إن البيت هو موطن لجهاد النفس؛ فإنك وعبر هذا التجاسر على الأب، قد زعزعت أركان البيت، وتسببت في سوء تربية الأطفال. إن بعض النساء ـ وللأسف ـ يزعمن أن الصراخ والكلام الخشن يصلح كلّ شيء! طبعا لعلّها إذا صرخت لم يخالفها بعلها ـ لأي سبب كان ـ ويخضع لرأيها ويستتبّ الهدوء في البيت، ولكن لا يضمن هذا الطريق تعادل الأطفال الروحي.

لا يتصف الأطفال في البيت بالتعادل الروحي إلا إذا وجدوا الأب «عماد» البيت والأمّ «جمال» البیت. بتعبير آخر الأب هو الرئيس الحقوقي في البيت، والأم هي الرئيس العاطفي في البيت. لذلك يجب أن تقول الأمّ لأولادها: «إياكم أن تكسروا شخصية أبيكم» وهي أيضا لا تكسر شخصيّته وكبرياءه. وكذلك يجب أن يقول الأب للأطفال: «إياكم أن تكسروا قلب أمكم» وهو أيضا لا يكسر قلب زوجته. ففي مثل هذه الأسرة، سوف يعمل الأولاد حسب ما تحبّه الأمّ ويأمر به الأب، وهكذا يتحقق تعادل روحي جميل في داخل الأسرة.

إذا كانت الأم محبوبة في البيت، والأب مطاعا، يصبح الطفل متعادل الشخصية. هذا هو الأصل وباقي القضايا من قبيل توفّر وسائل الراحة في الحياة فرع له. يجب أن يكون كل شيء في موضعه؛ الأب هو القائد والآمر في البيت، والأم هي الملِكة، فلا يمكن تبادل الأدوار بينهما، بحيث تصبح الأم قائدة مطاعة والأب محبوب ومعشوق في البيت. فعند ذلك يختلّ تعادل الأطفال، وإذا صدر منهم سلوك حسن، فيكون بسبب جبنهم وقلّة إرادتهم. لأن صلاح بعض الناس ناجم عن جبنهم وعجزهم، إذ كل إنجاز، حتى وإن كان قبيحا، يحتاج إلى جرأة ما.  

ناسبوا العوائل الذين يحظون بالتعادل الروحي/ أهمّ عامل في التعادل الروحي: محبّة الأب إلى الأم واحترام الأمّ إلى الأب

ناسبوا العوائل الذين يحظون بالتعادل الروحي والنفساني. بالتأكيد يرتبط التعادل الروحي بكثير من العوامل ولكن من أهم العوامل هو هذان العاملان الأساسيّان وهما أنه: هل يعطف الأب على الأمّ أمام الأولاد ويتحبّب إليها؟! وهل تطيع الأمّ زوجها أمام الأولاد وتحترمه؟! هذا ما يحقّق التعادل في البيت. وستصبح الفتاة الناشئة في مثل هذا البيت أمّاً وزوجةً صالحة، كما ستلتزم بالحجاب بكل سهولة. ويتعلّم الولد كيف يداري زوجته، إذ قد رأى تحنّن أبيه على أمّه.

جدير بالذكر أن قد أكّدت الروايات كثيرا على محبّة الأب ببنته. «مَنْ کَانَ لَهُ أُنْثًى‏ فَلَمْ‏ یُبْدِهَا وَ لَمْ‏ یُهِنْهَا وَ لَمْ یُؤْثِرْ وُلْدَهُ عَلَیْهَا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّة» [مستدرك ‌الوسائل/15/ص118] و «مَنِ ابْتُلِيَ ـ أي امتحن ـ بِشَیْ‏ءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ فَأَحْسَنَ إِلَیْهِنَّ کُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّار» [المصدر نفسه] «الْبَنَاتُ حَسَنَاتٌ وَ الْبَنُونَ نِعْمَةٌ فَالْحَسَنَاتُ یُثَابُ عَلَیْهَا وَ النِّعْمَةُ یُسْأَلُ عَنْهَا» [من‌لایحضره‌الفقیه/3/481] ويبدو من بعض الروايات أنّ عيالة البنت ليس بأمر بسيط فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص: «مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ أَخَوَاتٍ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ ص وَ اثْنَتَیْنِ فَقَالَ وَ اثْنَتَیْنِ فَقِیلَ یَا رَسُولَ اللَّهِ وَ وَاحِدَةً فَقَالَ وَ وَاحِدَةً» [الكافي/ ج6/ص6]

تصوّروا كم هو جميل ورائع أن يقوم الأب بالتحبّب إلى بنته ويّداريها ويربّيها كشدّة الورد، ثم تكبر هذه الفتاة وتتزوّج وتكون في خدمة أسرة أخرى. فانظروا كم هذا العمل لطيف؟ لعلّ أوّل ما يتوقّعه الأب من صهره أن يعطف على بنته ويرحمها ويكون رحيما بها. ومن المؤكد لابدّ لهذا الصهر أن يكون قد تعلّم هذا العطف من أبيه في البيت؛ يعني أن يكون قد تعلّم العطف والحنان من تحنّن أبيه إلى أمّ البيت.

طبعا هناك من لا يقدّر المحبّة مهما تحبّبوا إليه. أتعلمون كم قد عطف أمير المؤمنين(ع) على أطفال الكوفة وأطعمهم؟ فليت شعري كيف ردّ هؤلاء، إحسان أمير المؤمنين ومحبّته؟ بعد أن جاءوا بالسبايا إلى قرب الكوفة، بدأوا يطبخون الطعام فانتشرت رائحة الطعام الحارّ فأحسّ بها الأطفال وهم لم يطعموا شيئا منذ يومين، فأكل جلاوزة عمر بن سعد الطعام دون أن يعطوا الأطفال لقمة منه. لقد أراد هؤلاء الخبثاء أن يجوّعوا أحفاد أمير المؤمنين(ع) ليشتدّ بهم الجوع، حتى إذا دخلوا الكوفة يمدّون أيديهم إلى الناس ويسألونهم الطعام...

ألا لعنة الله على القوم الظالمین

تعليق