الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۳/۱۱/۲۸ چاپ
 
دور العبادة في أسلوب الحياة (الجلسة الرابعة)

    بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الرابعة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام 1434هـ. 

    • المكان: مدينة طهران

    • الزمان: شهر رمضان عام 1434هـ.

    • A4|A5 :pdf

    ما يقال بأني لا أريد أن أتعود على العمل الصالح الفلاني فليس بصحيح/ بل لابد أن نتعوّد على الأعمال الصالحة

    • ليست العادة أمرا مذموما على الإطلاق، فما يقوله البعض من أني لا أريد أن أعتاد على هذا العمل الصالح أو ذاك فليس بقول صحيح. بل بالعكس، حيث تؤكّد الروايات على ضرورة تعوّد الإنسان على الأعمال الصالحة. فقد قال أمير المؤمنين(ع): «عوّدوا أنفسكم الخيرَ»[الخرائج والجرائح/ج2/ص596]
    • طبعا وبالتأكيد لابدّ أن نحترز عن العادات السيئة، كما أن التعوّد على الأعمال الصالحة لا يخلو من بعض الآفات والسلبيات وسوف أشير إلى بعض هذه الآفات في تكملة البحث.

    هناك جهات تبرمج لمختلف عاداتنا من الزيّ والطعام والكلام والعلاقات إلى غيرها من العادات

    • إن لم نبرمج لعاداتنا بأنفسنا، فهناك جهات أخر وراء الكواليس تبرمج لعاداتنا من إبليس الرجيم إلى الصهاينة وباقي شياطين الثقافة الذين يبرمجون لعاداتنا وأسلوب حياتنا في مختلف أرجاء العالم.
    • فترى في كثير من الأفلام يحاولون أن يعوّدونا على بعض الأعمال الباطلة والفارغة التي نحن أجلّ شأنا منها. إنهم يخططون ويبرمجون بشكل جادّ من أجل أن نتعوّد على بعض الأزياء وبعض الأطعمة وبعض العلاقات وبعض أساليب الكلام.
    • فإن لم نبرمج لعاداتنا السلوكية التي هي أحد وجوه أسلوب الحياة، تأتي جهات أخرى وتقوم حينئذ بهذا المهمّ. وحتى بغض النظر عن تلك الجهات ولا سيما الصهاينة الذين يخططون في سبيل حرف أسلوب حياة شعوب العالم إلى ما يشاؤون، فحتى لو لم نأخذ هذا العامل بعين الاعتبار، إن نفسنا الأمارة بحدّ ذاتها مستعدة لتعودينا على بعض السيئات.

    لابد أن نكون في مقاومة مستمرة أمام تبلور العادات السيئة في وجودنا

    • لابدّ أن نكون في مقاومة مستمرّة أمام تبلور العادات السيئة في وجودنا. حيث تتبلور بعض العادات في نفوسنا تلقائيا ولن نقدر على اجتثاثها بعد، فنصبح كالأسرى بيدها. فإن أهمل الإنسان نفسه، تتبلور العادات في كيانه بلا إرادة. وإذا لم نراقب أنفسنا ما هي إلا فترة وإذا بالعادات السيئة والخاطئة نجدها تحيط بنا وتكوّن شخصيتنا بمقتضاها.
    • فعلى سبيل المثال ما أكثر الأشخاص الذين لا يقدرون على دفع التثاؤب عن أنفسهم بسبب عادتهم فلا يستطيعون أن يسيطروا على أنفسهم أمام الآخرين، ولكن ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه لم ير أحد تثاؤبه أبدا، فإنه كان قد سيطر حتى على تثاؤبه.

    العادات السيئة تقف مانعا أمام التوبة الصحيحة، إذ تفرض على الإنسان أن يرجع إلى ما تعوّد عليه/ إن ترك العادة أشبه بالمعجزة

    • أحيانا نجتنب عن بعض السيئات مخافة أن يلحق بنا ضررها الأخروي أو خشية على سمعتنا، وكلا الدافعين جيدان. ولكن هناك دافع آخر حري بنا أن نجتنب السيئات بسببه، وهو أن نجتنب السيئات مخافة أن نتعوّد عليها. فإذا اعتاد الإنسان على سيئة ما، سوف لا تكون توبته عنها توبة صحيحة، وإذا تاب يرجع إلى تلك المعصية مرة أخرى، إذ قد تعوّد عليها.
    • إن حياتنا مليئة بمختلف العادات، فحري بنا أن نكون على حذر شديد من التورط بالعادات السيئة إذ إن ترك العادة أشبه بالمعجزة «ردُّ المُعتادِ عَن عادَاتَهِ كالمُعجِز»[تحف العقول/ص489].

    بعض العادات الشائعة

    • من العادات السيئة التي تورط بها كثير منا هو أننا اعتدنا على أن ننام حتى يوقظنا أحد أو يوقظنا جرس الساعة، وكذلك تعودنا على أن نأكل حتى نشبع تماما. أو أننا اعتدنا على أن نستمع أيّ حديث فقد أطلقنا سراح سماعنا ليسمع ما يشاء. أو اعتاد بعض الناس على مشاهدة أي فيلم ومسلسل، بينما ينبغي للإنسان أن يرى هل هذا الفيلم صالح وهل ينفعه أم لا، وهل هناك ضرورة لمشاهدته أم لا، أوليس له عمل أكثر ضرورة من الفيلم. وهل هذه الساعة هي ساعة استراحته ونزهته، فلابدّ أن نأخذ بعين الاعتبار كثيرا من هذه الملاحظات.

    إن ترك العادات السيئة من أفضل العبادة/ لابدّ أن نبرمج من أجل ترك العادات السيئة

    • يقول أمير المؤمنين(ع) في أهمية مواجهة العادات السيئة: «أفضَلُ العِبادَةِ غَلبَةُ العَادَةِ»[غرر الحكم/ص187/ح45] إذن لابدّ أن نسعى ونكسر عاداتنا الباطلة، وإن كسر هذه العادات التي هي من الصعوبة بمكان حيث عبروا عنها بأنها كالمعجز، أفضل عبادة.
    • لابدّ أن نبرمج في سبيل ترك عاداتنا السيئة. لابدّ أن نتعرف على عاداتنا السيئة ونشخصها أولا، وبعد ذلك نسعى لمحاربتها وتغييرها. فليستعن الرجال والنساء بأزواجهم في مسار ترك عاداتهم السيئة. وليستعن الأولاد بآبائهم وأمهاتهم في سبيل ترك عاداتهم السيئة.
    • يقول أمير المؤمنين(ع): «خالِف سوءَ عادَتِكَ تَزْكُ نَفْسُك»[غرر الحكم/ص338/ح44] وأنتم تعلمون أن تزكية النفس تمثل أحد الأهداف العالية في رسالة الأنبياء. وفي المقابل إن لم يحارب أحد عاداته السيئة ولم يهذب نفسه، تفضحه عاداته السيئة وتذهب بماء وجهه. «مَنْ لم یُهَذّبْ نَفْسُهُ فَضَحَهُ سُوءُ العَادَة»[غرر الحكم/ص666/ح1517]

    إن الجوع لنعم العون على كسر العادات والسيطرة على النفس/ يتيسر لنا تغيير عاداتنا وأخلاقنا السيئة في شهر رمضان

    • من هنا بودّي أن انطلق إلى موضوع دور العبادة ولا سيما الصيام في عاداتنا وأسلوب حياتنا لأرى ما هو دورها في أسلوب الحياة. يقول أمير المؤمنين(ع): «نِعمَ العَونُ على أسرِ النَّفسِ وَكَسْرِ عادَتِها التجوّع»[عيون الحكم/ ص494].
    • إن الصوم يمنح الإنسان قوّة يقدر بها على تغيير عاداته. ولهذا يتيسر لنا تغيير عاداتنا وأخلاقنا السيئة في شهر رمضان.
    • إن صوم شهر رمضان والضعف الذي يلحق بالإنسان إثر ذاك الجوع يعين الإنسان على تغيير عاداته الكلامية والسلوكية. كما أن أجواء شهر رمضان وخصائصه الأخرى أيضا تعيننا في هذا المسار، فعلى سبيل المثال من المحبّذ جدا أن تكون وجبة طعامنا في أول الليل وبعد المغرب مباشرة، إذ إن الأكل في آخر الليل مضرّ جدا. ويا حبّذا لو احتفظنا بهذه العادة بعد شهر رمضان أيضا ونتعشّى في أول الليل.

    إن حذف وجبة الغداء من برنامج الطعام اليومي من العادات الحسنة التي يعطيها لنا شهر رمضان/ على أساس رواياتنا تكفي جسم الإنسان وجبتا الفطور والعشاء في الصبح والمساء  

    • من العادات الحسنة التي يعطيها لنا شهر رمضان هي أنه يمنعنا من تناول الطعام أثناء النهار ويحذف وجبة الغداء من البرنامج، فيا حبذا لو استمرنا على هذه العادة بعد شهر رمضان أيضا وحذفنا وجبة الغداء من البرنامج، فنكتفي بأكل بعض الفواكه ظهرا؛ حيث قد جاءت بعض التوصيات في الروايات أن اكتفوا بوجبتي الصبح والعشاء «شَکَوْتُ إِلَى أَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَلْقَى مِنَ الْأَوْجَاعِ وَ التُّخَمِ فَقَالَ لِی تَغَدَّ وَ تَعَشَّ وَ لَا تَأْکُلْ بَیْنَهُمَا شَیْئاً فَإِنَّ فِیهِ فَسَادَ الْبَدَنِ أَ مَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ یَقُولُ- لَهُمْ‏ رِزْقُهُمْ‏ فِیها بُکْرَةً وَ عَشِیًّا»[الكافي/ج6/ص288]. كما جاء في رسالة توضيح المسائل للإمام الخميني(ره) في المسألة 2636: «...الخامس عشر: أن يأكل في أول النهار وأول الليل ولا يأكل بين النهار وبين الليل شيئا». ولكن قد اعتدنا مع الأسف على أن نأكل ثلاث وجبات في اليوم وتعوّدنا على وجبة الغداء ونتصور أن جسمنا بحاجة إليها. 
    • واحدة أخرى من العادات الحسنة التي يقدّمها لنا شهر رمضان، هي الاستيقاظ عند السحر. طبعا لعلّ أكثر ما يوقظنا عند السحر في شهر رمضان هو تناول السحور، ولكن يا حبّذا لو استمرنا على هذه العادة بعد هذا الشهر المبارك حيث إنها سوف تجلب لنا بركات كثيرة جدا.

    الإنسان الأكّال عاجز في عملية تغيير عاداته السلوكية/ إن الجوع بحدّ ذاته يقوي الروح على مجابهة العادات وتغييرها 

    • إن شهر رمضان وعبر تغييره المباشر لبرنامجنا اليوميّ، بات يصلح بعض عاداتنا الخاطئة، ولكن مضافا إلى هذا نفس الجوع ذاته سواء أكان جوع الصيام أو غيره يقوّي روح الإنسان ويمكّنه من تغيير عاداته. فإن الإنسان الأكّال عاجز في عملية تغيير عاداته السلوكية.
    • إن الجوع يزيد من قوة روح الإنسان ويعينه على تغيير عاداته. قللوا من أكلكم لفترة وشاهدوا آثاره على أنفسكم. هناك وصيتان رائعتان وصلت إلينا في هذا المجال وهي أن لا يأكل الإنسان ما لم يجع، ويكفّ عن الطعام قبل أن يشبع. فقال أمير المؤمنين (ع): «لا تجلس عن الطعام إلا وأنت جائع ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه.»[وسائل الشيعة/ج24/ص245]

    لقد بلغ التعود على الشبع لدى البعض إلى درجة بحيث يغضب وتسوء أخلاقه إن جاع

    • إن الإنسان العاجز عن تحمل الجوع لا يقدر على تغيير عاداته الأخلاقية والسلوكية والكلامية. فتجد بعض الناس ـ وللإسف ـ قد بلغ به التعود على الشبع إلى درجة بحيث يغضب وتسوء أخلاقه إن جاع! وكأنه لم ينو في طول عمره أن يجرب الجوع ويتحمّله. بينما حري بالإنسان أن يرحّب بالجوع ويشكر الله على توفيق الجوع في ضيافة شهر رمضان.

    يدفع الجوع كثيرا من سموم البدن

    • بغض النظر عن الآثار والبركات التي يتركها الجوع في روح الإنسان، إنه مفيد لجسم الإنسان أيضا ولا سيما في أيّام الصيف الطويلة حيث إنه يدفع كثيرا من سموم البدن ويطهّره من كثير من التلوثات. يقول بعض الأطباء: إن رائحة فم الصائم علامة لدفع كثير من سموم البدن. وقد قال رسول الله(ص): «صوموا تصحّوا»[دعوات الراوندي/ص76] وقد تحدث الأطباء كثيرا ولا سيما في الآونة الأخيرة عن فوائد الجوع على جسم الإنسان.

    حققوا جيدا وتأكدوا من كون الصيام مضرا لكم/فعسى أن يكون الصيام سببا للشفاء من أمراض كثيرة

    • ينبغي للإنسان المريض أن يحقّق ويتأكد من كون الصيام مضرّا لمرضه ولا يكتفي بقول طبيب واحد. إذ في كثير من الأحيان ليس الجوع والصيام مضرا للمريض فحسب بل إنه مفيد، وعسى أن يكون سببا للشفاء من أمراض كثيرة. فقد قال الإمام الرضا(ع): «الحمية رأس كل دواء»[فقه الرضا/ص340]. ولهذا إذا منعكم الطبيب عن الصيام، ينبغي لكم أن تحققوا في الموضوع أكثر فلعلّ طبيبا آخر لا يمنعكم عنه بل يعتبره مفيدا لمرضكم.
    • حتى سمعت بعض الأطباء أنّ مشكلة الكلى ليست من قلة شرب الماء والعطش، بل لها أسباب أخرى. طبعا وبالتأكيد إن منعكم الطبيب من الصيام واطمأنتم بصحة قوله لا يجوز لكم الصيام وهذا هو حكم الإسلام. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ علينا بالصحة والعافية لئلا نحرم من بركات الصوم وإذا كان لابدّ من الأمراض فأسأله أن يجعل شفاءها في الصوم والحمية.

    إن من يعجز عن ترك عاداته السيئة في الجوع الحاصل من الصيام، هل يقدر على ذلك في حال الشبع؟!

    • كما أن جوع الصيام يعين الإنسان على صحته وقوّته البدنية، كذلك يقوّيه على المستوى الروحي، فيقوى بذلك على تغيير عاداته.

    • إن من صام في شهر رمضان المبارك ثلاثين يوما ولا سيما في هذا الصيف اللاهب، ثم لم يستطع أن يغيّر أخلاقه في هذه الفرصة النادرة، فهل يقدر على تغيير نفسه في غير هذا الشهر المبارك؟ ومن عجز عن ترك عاداته السيئة في الجوع الحاصل من الصيام، هل يقدر على ذلك في حال الشبع؟!

    إن ترك العادات السيئة بحاجة إلى جهاد

    • أساسا لابدّ أن نعدّ برنامجا من أجل تغيير عاداتنا، بل يا حبذا لو نبّهنا إخواننا وأحبائنا على عاداتهم السيئة. من جملة هذه العادات السيئة هي أن يتعوّد الإنسان على عدم إكمال أعماله وعدم إنجازها بشكل كامل. فعلى سبيل المثال ينبغي لطلاب المدرسة والجامعة أن يتعودوا على إنجاز تكاليفهم وواجبهم بشكل كامل ويحاولوا منذ البداية أن لا تحصل لديهم هذه العادة السيئة.
    • فمن أجل ترك العادات السيئة لابدّ للإنسان أن يجاهد ويتحمل المصاعب. يقول الإمام الصادق(ع): «بِالْمُجَاهَدَةِ یُغْلَبُ سُوءُ الْعَادَة»[مجموعه ورام/ج2/ص119]

    آية الله العظمى البروجردي(ره): إذا غضبت مرة أخرى أصوم ثلاثة أيام.

    • من جملة ما كان يمارسه الأولياء هو أنه عندما كانوا يعزمون على ترك عادة ما، كانوا يشترطون على أنفسهم بعض العقوبات. فعلى سبيل المثال ينقل عن السيد البروجردي(ره) أنه كان يغضب أحيانا على بعض تلاميذه إذا سألوا سؤالا غير مربوط. فعهد على نفسه أن يصوم ثلاثة أيام إن غضب مرة أخرى، وكان يعمل بعهده.

    اجعلوا ترك الشهوات أجمل عاداتكم

    • يقول أمير المؤمنين(ع): «تَرْکُ الشَّهَوَاتِ أَفْضَلُ عِبَادَةٍ وَ أَجْمَلُ عَادَةٍ»[غررالحکم/ص320/ح65]، فيا حبّذا لو جعلنا ترك الشهوات أجمل عادتنا، فنتعوّد على ترك الشهوات وما تشتهيه الأنفس؛ لا أن نتعوّد على تلبية الرغائب ونيل اللذائذ.

    نماذج من جهاد الإمام الخميني(ره) لنفسه

    • يوجد هناك من لا يستمع الموسيقى حتى الحلال منها لأنه يستلذّها. ينقل عن الإمام الخميني(ره) أنه كان يحب مرقة السبزي[1] كثيرا. ذات يوم قدموا له هذه المرقة مضافا إلى الخبز واللبن. فرأوا الإمام لم يمدّ يده إلى المرقة وبدأ بالخبز واللبن. فقالوا له: ألا تحب هذه المرقة فلماذا لا تأكل منها؟ فقال: تركتها لأني أحبّها! وكذلك نجل الشيخ آية الله البهجت(ره) قال: كان أبي صديق الإمام كثيرا. فطلبت من أبي ذات مرّة أن ينقل لي عن الإمام شيئا. فقال لي: كنت ضيفا عند الإمام وكان قد قدم لنا مرقة السبزي ولكنه لم يذقها. فسألته عن السبب. فقال لي: أحبّها كثيرا فأردت أن لا أذقها. (لقاء حجة الإسلام علي بهجت مع وكالة فارس للأنباء بمناسبة الذكرى الرابعة لارتحال الشيخ بهجت(ره))

    إن من تعوّد على ترك الشهوات، سيزيده الله حلاوة في حياته

    • إذا تعوّد الإنسان على ترك الشهوات وراح يبتعد عن اللذائذ والرغائب، سوف تحلو حياة هذا الإنسان. إذ قد قدر الله سبحانه أن يزيد حياته حلاوة ورغدا، ولكن الله يحلّي حياة هذا الإنسان بطريقته وأسلوبه. فلعله يحلّي حياته بفتح باب مناجاة هذا العبد مع ربّه، كما نقول في أسحار شهر رمضان: «مَوْلَایَ‏ بِذِکْرِکَ‏ عَاشَ‏ قَلْبِی»[مصباح المتهجد/ج2/ص592]
    • إلهي حلّ وأرغد حياتنا بذكرك. إلهي أذقنا مرارة كل حلاوة غيرك. اللهم لا تجعلنا ممن خدعه الشيطان.

    صلى الله عليك يا أباعبدالله

    • هل تصدقون أنّ سيد الشهداء(ع) الذي استشهد من أجل عزته وقال: «هیهات منا الذلة»، يسأل عدوّه شيئا؟! فليس هو ممن يسأل العدوّ إلا أن يضطر لأمر مهمّ جدّا. لقد سجل التاريخ للإمام أن سأل أعداءه مرتين، إحداهما قطعية والثانية غير قطعية. السؤال الأول الذي لا شك فيه هو أنه قال لأخيه العباس: «ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى الْغُدْوَةِ وَ تَدْفَعَهُمْ عَنَّا الْعَشِيَّةَ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ وَ نَدْعُوهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أُحِبُ‏ الصَّلَاةَ لَهُ وَ تِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَ الدُّعَاءَ وَ الِاسْتِغْفَارَ»[الإرشاد/ج2/ص91]. ولعل أبا عبد الله الحسين(ع) كان قد لاحظ قلب الحوراء زينب في هذا السؤال والطلب وأراد لها أن تودّعه وداعا كاملا في تلك الليلة فهي آخر ليلة تسمع فيها صوت الحسين(ع) إذ يتلو القرآن. إن حلاوة العبادة والصلاة وقراءة القرآن قد تبلغ بدرجة من الشدة ما قد تجعل الإمام يستمهل عدوّه ليلة شوقا إلى الصلاة والعبادة.
    • وهناك سؤال آخر سجلته بعض الأخبار ولعله لم يحدث، وهو عندما اشتدّ العطش بولده الرضيع، خاطب القوم وقال: «أما ترونه يتلظى عطشا». وحاشا الإمام أن يذلّ نفسه أمام أعدائه، ولكنه أراد أن يتمّ الحجة عليهم. فكأنه أراد أن يقول لهم: لقد حاربتموني وقتلتموني مخافة أن تتكرر عليكم حكومة علي(ع)، ولكن ما عداؤكم لهذا الطفل الرضيع؛ «إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل». فاختلف العسكر فيما بينهم ولأول مرة تقع مثل هذه الفتنة بينهم، فصاح ابن سعد في حرملة بن كاهل: اقطع نزاع القوم. قال فوضعت السهم في كبد القوس وقلت: أللوالد أم الولد؟! قال: بل الولد. فرميته وهو في حجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد.

    ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

     

    [1] . وهي من الأمراق الإيرانية اللذيذة وتشبه مرقة الإسبيناغ العراقية بلونها وطعمها. 

    تعليق