الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۳/۱۱/۳۰ چاپ
 

دور العبادة في أسلوب الحياة (الجلسة الخامسة)

بين يديك أيها القارئ الكريم ملخص الجلسة الخامسة من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «دور العبادة في أسلوب الحياة» حيث ألقاها في مسجد الإمام الحسين عليه السلام في مدينة طهران، في شهر رمضان عام1434هـ. 

  • المكان: مدينة طهران

  • الزمان: شهر رمضان عام 1434هـ.

  • A4|A5 :pdf

إن دور العبادة في تكوين أسلوب حياة الإنسان كدور الهيكل الحديدي للبناء

إن دور العبادة في تكوين أسلوب حياة المسلم كشأن الهيكل الحديدي أو الكنكريتي بالنسبة إلى البناء. فباقي أجزاء البناء من اللَبِنات والأبواب والشبابيك وإن كان لها شأنها في إكمال البناء، أما استحكام البناء فهو على عاتق الهيكل الحديدي أو الكنكريتي في البناء. فإذا كان الهيكل محكما، يمكن ترميم باقي الأجزاء وتجديدها حتى وإن مرّ على عمر البناء مئة سنة. وإن لم يكن كذلك، فلابدّ من هدم البناء من الأساس إن أردنا تجديده.

إن الصلاة هي التي قادرة على حفظ سائر أجزاء الحياة في الزلازل والهزائز والأزمات التي تعتري حياة الإنسان

لاشك في أن العبادة هي جزء من حياتنا ولا تشملها بشكل كامل. فتنطوي حياتنا على أجزاء أخرى من قبيل النوم وأكل الطعام والعمل والنزهة والضيافة وغيرها. ولكن العبادة هي أكثرها استحكاما ومتانة، فإذا اعتنى الإنسان بالعبادة جيدا، فكأنه أقام هيكلا حديديا محكما بين جميع أجزاء حياته، فإذا ابتلت حياته بزلزلة أو أزمة، سوف يحافظ هذا الهيكل على باقي الأجزاء.

إن الصلاة هي التي قادرة على حفظ سائر أجزاء الحياة في الزلازل والهزائز والأزمات التي تعتري حياة الإنسان. فإذا تغيّرت أو هدّمت بعض أجزاء حياة الإنسان، لن يفقد شخصيته ما دام الهيكل محكما. ولهذا نرى البعض يصاب بمرض النسيان ولكن يبقى نبها لصلاته وهي آخر ما ينساه من شؤون حياته، فتحافظ صلاته على قوام شخصيته لفترة طويلة.

إن جميع الصائمين الذين يقيمون مراسم عيد النوروز يعلمون أن لا قياس بين أثر مائدة سبع سينات وبين سفرة الإفطار في تعزيز الروح/ أثر العبادة في استحكام شخصية الإنسان وترسيخ هويته

إن مختلف أجزاء حياتنا ليست سواء في قيمتها وأثرها على استحكام شخصية الإنسان وترسيخ هويته. إن الصلاة تشكل الهيكل الحديدي أو الكنكريتي الذي يمسك باقي أجزاء البناء. وكذلك صيام شهر رمضان حيث إنه يشكل جزء من هذا الهيكل المحكم.

إن جميع المؤمنين الصائمين الذين يقيمون مراسم عيد النوروز يعلمون جيدا أن مهما تقيدوا بمائدة سبع سينات (هفت سين)، لن تشقّ هذه المائدة غبار مائدة الإفطار ولا يمكن قياسها بأثرها الراسخ في الروح. فكثير من الذين يبسطون مائدة سبع سينات يجلسون حولها بضحك ومزاح ولا يشعرون أنها مائدة مباركة، ولكنهم عندما يجلسون حول مائدة الإفطار يذكرون الله ويشعرون بأنهم يقومون بعمل مستحب ذي أجر عظيم.

إن كان لابدّ من وجود قسم ثابت في حياتنا، فلمَ لا تشكل العبادة هذا القسم؟!

بعد أن دخلنا في هذا العالم، يبدو أن لا مناص لنا من الحياة ولابدّ من تنظيمها. ومن جانب آخر لا يمكن أن تكون جميع أجزاء الحياة متغيرات لا ثابت فيها، إذ عند ذلك سوف يشعر الإنسان بالحيرة وانعدام الهوية. إذن لابدّ أن تكون بعض أجزاء حياتنا ثابتة مستحكمة بلا تغيير.

فإذا كان لابدّ من وجود بعض الأجزاء الثابتة في حياتنا، فلم لا تكون العبادة هي الجزء الثابت والمحكم في حياتنا الذي سوف نتّكل عليه كثيرا بمقتضى ثباته واستحكامه؟

إن ما يترتب على الصلاة والعبادة من أثر فوري وسريع على المستوى الحياة الدنيا ليس بهيّن أبدا

إن ما يترتب على الصلاة ـ حتى هذه الصلاة العارية من حضور القلب ولا يدرى هل ستُقبَل أم لا ـ من أثر فوري وسريع على امطئناننا الروحي في هذه الدنيا ليس بهين أبدا. إنها تمنح الإنسان اطمئنانا واستقرارا يقدر بهما على الحياة.

طبعا إثبات هذه الحقيقة تجريبيا بحاجة إلى دقة وتعمق كثيرين، ولابدّ من وجود أجهزة دقيقة جدا من أجل كشف الفارق الكبير بين حياة الإنسان المصلّي وحياة التارك للصلاة. ولهذا فإن أراد أحد أن يقارن بين الحياتين بسذاجة وسطحية، قد ينكر هذا الفارق الكبير ويقول حتى البهائم يعيشون بلا مشكلة فما بالك بتاركي الصلاة فما الداعي لها؟

يعتقد علماء النفس اليوم أن نزعة العبادة لدى الإنسان هي نزعة مستقلة إلى جانب سائر غرائز الإنسان

لقد توصل علماء النفس اليوم إلى نتائج لطيفة في نزعة العبادة لدى الإنسان، حيث يعتبرونها نزعة مستقلة إلى جانب سائر غرائز الإنسان الطبيعية وهو بحاجة إليها. طبعا لم يبالوا هؤلاء العلماء بأدلة العبادة وأنه عمل صالح أم لا، بل قد جربوا هذه الحقيقة في حياة الناس ولمسوها عبر تجاربهم. فخرجوا بهذه النتيجة وهي أن هذا الإنسان الذي درسنا أحواله سيزداد هدوء واطمئنانا فيما إذا كان لديه برنامج عبادي.

وقد زاد علماء النفس على ذلك وقالوا إذا كان لديك برنامج ثابت عبادي يوميا أو اسبوعيا، ففي تلك الساعة المعينة التي تباشر فيها بعبادتك، يرسل دماغك إيعازا فتخرج إفرازات مهدئة في الدم كالنوكيتين مثلا وهذا ما يسبب راحة جسم الإنسان واستقراره. فالبرنامج الثابت العبادي يؤدي إلى ارتياح جسم الإنسان فضلا عن روحه. لعلكم تتساءلون لماذا أن الله سبحانه وتعالى قد أكد على أوقات الصلاة بهذا القدر؟ ولماذا أعدّ لنا برنامجا أسبوعيا للعبادة؟ أو لماذا يجب أن نتوجه إلى الكعبة أثناء الصلاة؟ فلعلّ أحد أدلته ـ على أساس مقالات بعض المحققين ـ هو أن الكعبة لها ارتباط فسلجي بجسم الإنسان.

إن العبادة تنظم روح الإنسان ونفسيته وترشّد حياته

إن العبادة تنظم روح الإنسان ونفسيته وترشّد حياته. والمقصود من تنظيم نفسية الإنسان، هو الآثار العصبية التي يتركه سلوك الإنسان على روحه ونفسيته. فمن بين جميع الأفعال الدائمية واليومية التي نمارسها، تؤدي العبادة دورا رئيسا ومهما جدا في ترسيخ دعائم حياة الإنسان واستقراره الروحي وحتى صحته الجسميّة.

إن موقع عباداتنا الأساسية والمحورية بالنسبة إلى سائر أعمالنا اليومية الثابتة كشأن أركان البناء. فمن هذا المنطلق تمثل الصلاة في حياتنا دور الركن والعمود، ومن ترك الصلاة ستختلّ أجزاء مهمّة من حياته في هذه الدنيا فضلا عن الآخرة.

إن إسلوب الحياة يمنح الإنسان هوية وثباتا كما يقوم بتنظيم حياته/ إن للعبادة موقعا أساسيا في أسلوب الحياة

بغض النظر عن الآثار الأخروية والمعنوية والروحية التي تتركها العبادة وأسلوب الحياة، إن أسلوب الحياة يمنح الإنسان هويّة وثباتا كما يقوم بتنظيم حياته. فمن هذا المنطلق إذا كان أسلوب حياتنا غير صائب، عند ذلك تتّجه حياتنا إلى غير صواب بطبيعة الحال، فتعتلّ شخصيّة الإنسان وتضطرب نفسيته. وللعبادة موقع أساسي في أسلوب الحياة.

لماذا نجد كثيرا من عباداتنا تكرارية ودائمية

لماذا نجد كثيرا من عباداتنا تكرارية ودائمية؟ فقد جعلت كذلك من أجل أن تقدر على أداء دورها المهمّ في أسلوب حياتنا. وهنا لابدّ لي أن أشير إلى بعض المسائل حتى نعرف قيمة الصلاة أكثر؛ حيث إننا لا نستطيع أن نؤدي شكر نعمة وجوب الصلاة، ولهذا لا ينبغي أن تنسوا سجدة الشكر بعد كلّ صلاة.

إن العمل المداوم هو الذي يدخل في منظومة أسلوب حياتنا وهو الذي سوف يؤثر أثرا عميقا في هويتنا وشخصيتنا. وقد بلغتنا روايات كثيرة عن أئمة الهدى(ع) تؤكّد على دوام العمل الصالح. فقد روي عن الإمام الباقر(ع) أنه قال: «مَا مِنْ شَيْ‏ءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ‏ عَمَلٍ‏ يُدَاوَمُ‏ عَلَيْهِ‏ وَ إِنْ‏ قَلّ»[الكافي/ج2/ص72] فعلى أساس هذه الرواية، إذا تعوّد أحد على دفع الصدقة كلّ ليلة جمعة، كان عمله أحب عند الله من الآخر الذي يتصدق في كل سنة مرة واحدة، حتى وإن كان مبلغ صدقته أضعاف مبلغ الأوّل. فإن الله لا يبالي بالأسلوب الثاني ولا يعتني كثيرا بكميّة المبلغ بقدر ما يهتمّ بدوام العمل والتعوّد عليه.

وكذلك قد ترى البعض يقرأ زيارة مفصلة طويلة كزيارة الجامعة مثلا بين حين وأخرى ولا على الدوام، وفي المقابل يلتزم أحد آخر بأن يسلّم على أبي عبد الله الحسين(ع) يوميا ويقول: «صلى الله عليك يا أبا عبد الله». أو يقول: «السلام علیکم يا أهل بيت النبوة». فلا شك في أن عمل الثاني أعظم عند الله، حيث إنه مداوم عليه وإن قلّ.

وكذلك روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: «إياك أن تفرض على نفسك فريضة فتقارقها إثنى عشر هلالا»[مفتاح الفلاح في ترجمة مفتاح الفلاح/ المقدمة2/ص43]. فإذا أراد الإنسان أن لا يستمرّ على عمل طيلة حياته، لابدّ أن لا يقطعه قبل سنة، فلعل السبب في ذلك هو أنّ العمل الصالح لا يؤثر تأثيره في روح الإنسان ما لم يداوم عليه عاما كاملا.

و قد أشار الإمام الصادق(ع) في حديث آخر إلى حکمة المداومة سنةً فقال: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَدُمْ‏ عَلَيْهِ‏ سَنَةً ثُمَّ يَتَحَوَّلُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ إِلَى غَيْرِهِ وَ ذَلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ يَكُونُ فِيهَا فِي عَامِهِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ.»[الكافي/ج2/ص82].

فلأضرب لكم مثلا: إذا صببتم خزانا من الماء على صخرة بدفعة واحدة، ماذا سوف يحدث عندئذ؟ سوف لا يحدث شيئا سوى أن تبتلّ الصخرة. أما إذا قلّلتم مقدار الماء إلى نصف أو ربع أو أقل من ذلك ولكن قطّرتم الماء قطرة قطرة على الصخرة وداومتم على العمل، سوف تترك القطرات أثرا في هذه الصخرة. وهذا هو أثر العمل المداوم في الروح.

فانظروا إلى أثر الصلاة الهائل في روح الإنسان، حتى وإن كانت هذه الصلاة بلا حضور وتوجه، فما بالك بالصلاة مع حضور القلب، فلا توصف حينئذ آثارها. فينبغي للإنسان أن يشعر أثناء الصلاة بأنه يقوم بعمل مهم وذي أثر كبير جدا، وهذا الشعور بحد ذاته يزيد من نور الصلاة وأثرها في القلب. ومن هذا المنطلق يجب أن نشكر الله تعالى على توجيب الصلاة فلولا هذا الوجوب والتبشير بالجنة والتهديد بالنار لما قمنا بهذه الصلوات. ولكنّه سبحانه قد أوجبها علينا ونظم أسلوب حياتنا بها فيا لها من نعمة عظيمة.

لماذا لم تؤسّس روضات الأطفال بجوار المساجد؟

إحدى المبادرات التي إن حققناها تؤدي إلى تطوّر برنامجنا في الحياة وترفع من مستوى حياتنا هي أن نؤسس روضات الأطفال بجوار المساجد.

إنّ روضات الأطفال اليوم تحت إشراف منظمة الرعاية الاجتماعية، وكذلك الحال في دور المجانين والمكفوفين حيث إنها تحت إشراف الرعاية الاجتماعية أيضا. فهل هذا أمر صحيح؟! يعني هل ينبغي لأطفالنا الذين هم في أوج نضارتهم وفي بداية حياتهم أن يكونوا هم والمصابون في عقلهم وذكائهم تحت إشراف منظمة واحدة؟!

ومن جانب آخر لماذا لم نؤسس روضات الأطفال بجوار المساجد، حتى يدع الآباء أولادهم في مكان بجوار المسجد ويذهبوا إلى مشاغلهم؟ هل تعلمون ما هي الآثار والبركات التي سوف تظهر في المستقبل إن ترعرع الجيل المستقبل بجوار المسجد وفي ظل أجوائه النورانية؟

هناك الكثير من الأمهات لا يقدرن على الحضور في المساجد والانتفاع بصلوات الجماعة والجلسات والمحاضرات التي تعقد هناك، وذلك بسبب انشغالهنّ بطفلهن حيث لا يجدن أحدا يدعن طفلهن عنده. فإذا كانت روضات الأطفال بجوار المساجد، لاستطاعت الأمهات أن يدعن أطفالهن في هذه الروضات ويذهبن إلى المسجد ببال مرتاح وينتفعن بأجوائه الروحانية.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

اللهم عوّدنا على عبادتك، حتى نعبدك حتى في آخر لحظات عمرنا وعند آخر أنفاسنا. أسأل الله أن لا ننسى الصلاة حتى وإن نسينا الأكل والشرب في آخر لحظات الحياة. أسأل الله أن لا نعجز عن الصلاة عندما نعجز عن كثير من الأعمال.

عندما سقط الحسين(ع) على الأرض وكان يلفظ آخر أنفاسه سمعوه يناجی ربه یقول: «رضا بقضائك تسليما لأمرك لا معبود سواك يا غياث المستغيثين»، وكأنه جالس بين يدي ربه في أحد أسحار شهر رمضان، وكأنه وجد فرصة في خضم الحرب والقتال وأخذ يناجي ربه بعيدا عن أعدائه. فلا أدري كم كان يلتذ الإمام الحسين(ع) بمناجاة ربّه حيث لم يترك المناجاة حتى في آخر لحظات حياته.

نتعود إن شاء الله على ذكر الحسين، حتى نناديه وقت الرحيل وفي سكرات الموت ولا ننسى أن ننادي «یا حسین» و «يا علي». فقد تعودنا منذ الصغر أن نصيح «يا علي» إذا سقطنا وهوينا، فلا ننسى ـ إن شاء الله ـ عليا وأمّنا الزهراء عند سقوط الروح في سكرات الموت وسقوطنا في القبر. فإن ذكرناهم عند الموت ننجو من العذاب إذ يدلّ ذلك على أننا تعودنا عليهم وأنسنا بذكرهم طيلة حياتنا. فهم لا يتركون من أنس بذكرهم كما قال أمير المؤمنين(ع): «یَا کُمَیْلُ‏ أَوْجَبَ‏ لَکَ‏ طُولُ‏ الصُّحْبَةِ لَنَا أَنْ نَجُودَ لَکَ بِمَا سَأَلْتَ»[إقبال الأعمال/2/706].

إن لديكم الفرصة اوالأمان لذكر الحسين(ع) فاغتموا هذه الفرصة. ساعد الله قلب أطفال الحسين حيث كانوا يساقون إلى الشام وما تدمع من أحدهم عين إلا ويقرع رأسه بالرمح.[مقتل الخوارزمي/ج2/ص102]. فطيلة فترة أسرهم لم يُسمح للسبايا بالبكاء على أبيهم وأحبّتهم حتى عندما افتضح يزيد وأظهر الاحترام لهم وخيّرهم بالبقاء في الشام أو الرجوع إلى المدينة قالوا: نحب أولا أن ننوح على الحسين(ع)[مستدرك الوسائل/ج3/ص327]، فلأول مرة أخليت لهنّ الحجر والبيوت في دمشق ولم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد على الحسين وندبوه وبكوا عليه، فيا ليت كانت الرقيّة بنت الحسين حاضرة في ذاك المجلس...

ألا لعنة الله على القوم الظالمين.

 

 

 

 

 

 

تعليق