الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۶/۰۳/۰۷ چاپ
 
لنذق طعم حلاوة ضيافة الله ـ 4

A4|A5 :pdf

سماحة الشيخ بناهيان: الضيافة هي الوصف الأهم لشهر رمضان؛ فماذا نفهم من الضيافة؟
 

كتاب «مدينة الله؛ شهر رمضان وأسرار الصيام» ـ باللغة الفارسية ـ لسماحة الشيخ بناهيان والذي قد نزلت إلى الأسواق الطبعة الثامنة منه، يشتمل على نقاط ورؤى جديدة وعمليّة للانتفاع الأكثر من شهر رمضان وقد كتب بلغة سهلة وبسيطة. فوددنا أن نستقبل أيام شهر رمضان ولياليه الجميلة بمقاطع ومقتطفات من هذا الكتاب الذي تُرجمت بعض مقاطعه إلى العربية عسى أن تُطبع بعد الإكمال والتنقيح. فإليكم القسم الرابع من هذه المقاطع.

الضيافة هو الوصف الذي اختاره النبي(ص) لشهر رمضان

لعلّ الضيافة هي الوصف الأهمّ لشهر رمضان، فإذا أردنا أن نبيّن ماهية هذا الشهر فلا يسعنا إلا أن ننطلق من هذا الوصف الذي هو أمّ الأوصاف الباقية لهذا الشهر العزيز. إن شهر رمضان يعني مجلس ضيافة، أي شهر ضيافة اللّه. فنحن ضيوف الله في شهر رمضان واللّه مضيّفنا. نحن كنّا ضيوف الله منذ الخلق وما زلنا جالسين على مائدة نعمه، ولكن أصبحنا ضيوفا له من جديد في شهر رمضان! فأي رسالة تكنّ لنا هذه الضيافة المجدّدة والمتميّزة، وأي صورة رائعة تريد أن تجسّدها فينا عن شهر رمضان؟

إن وصف شهر رمضان بالضيافة ليس بتعبير مجازي ذوقي جاء به الأدباء أو العرفاء. بل قد استخدمه سيد الأنبياء وخاتم المرسلين(ص) العالِم بجميع حقائق العالَم. وجاء بهذا الوصف في مطلع الخطبة الشعبانية إذ قال: «هُوَ شَهْرٌ دُعِیتُمْ فِیهِ إِلَی ضِیَافَةِ اللَّهِ»(1) إذن فلابدّ أن نقف عند مختصّات هذا التعبير ونغتنم هذا التشبيه بأحسن وجه لفهم هذا الشهر العظيم.

ماذا نفهم من الضيافة؟

لابدّ لنا بادئ ذي بدء أن نرى ماذا نفهم من الضيافة. وأي خصائص نجدها في الضيافة فيما إذا نظرنا إليها في مناخ ثقافتنا الدينية. كما ينبغي أن نلقي نظرة إلى قلوبنا لنرى أي مشاعر تعترينا عند سماع اسم الضيافة وحين التفكير بالعلاقة بين الضيف وصاحب البيت. فإن هذه هي الأفكار والمشاعر التي أرادها النبي(ص) أن نعيشها وندركها في شهر رمضان.

1ـ يكرّم الضيف ولو كان كافرا

يكرّم الضيف ويُحتَرم ولو كان كافرا. وهذا ما أوصى به نبيّنا الأكرم(ص) حيث قال: «أَکرِمِ الضَّیفَ وَ لَو کَانَ کافراً».(2) فالأجواء السائدة في مجلس الضيافة هي البذل والكرم والرحمة. إذا كان صاحب البيت كريما، فلا يَنظُر إلى مدى لياقة الضيف ليُكرمه، بل ينظر إلى مضمون الضيافة ومقتضاها. وقبل أن ينظر إلى مقام الضيف ليتاجر بجاهه، يتشرّف بأصل الضيافة. لقد دعانا لإسلام إلى إكرام الكافر إن كان ضيفا، وذلك لضرورة مراعاة حرمة الضيافة. إن أصحاب هذه الوصايا والآداب هم خير العاملين بها بلا ريب.

2ـ تصبح العلاقات ذا تعريف جديد

تُصبح العلاقات في مجلس الضيافة ذا تعريف جديد. بحيث يبدو الضيوف أصدقاء، ويخبو بريق المنافسة على المصالح ويكون جوّ التعاطف والتفاهم هو الغالب، إذ لا يُستثنى ضيفٌ من الضيافة. وإن أراد أحدٌ المزيد، فلا عليه إلا أن ينادي صاحب البيت، فإن كان ربّ البيت غنيّا فلا مجال بعدُ لأيّ قلق من أيّ نقصان.

وبالإضافة إلى بصمة الأثر التي تتركه الضيافة على علاقة الضيوف بين أنفسهم حيث يصبحون وكأنهم أصدقاء، تتحلّى العلاقة بين الضيف وربّ البيت بحُلّة جديدة. فإن كان للضيف سوء سابقة، فلا تؤثّر في سلوك صاحب البيت مع ضيفه ولا يحاكمه أو يعاقبه بما ارتكب من قبل أبدا. إذ يعرف الجميع أن مجلس الضيافة ليس بمجال مناسب لتصفية الحسابات.

3ـ يحظى الصغار بكرامة مضاعفة

يتغيّر موقع الناس ومكانتهم في مجلس الضيافة. ويحظى الصغار بكرامة مضاعفة ويرتفع مقامهم دون أن ينقص شيء من احترام الكبار والعظام. فيقترب الضيوف بعضهم من بعض، ويشعر الضيف بقرابة من صاحب البيت مهما كان البون بينهم. أساسا عنوان «الضيف» عنوان مستقل يزيد صاحبه شرفا وكرامة. وبالقياس إلى بعض العناوين الأخرى كالأخ والصديق وابن الأسرة يحظى بكرامة خاصّة. 

4ـ تُشكر جهود الضيف ضعفين

إن قام الضيف بجُهد ما، يُشكر ضعفين، وإن استراح ولم یفعل شیئا فلا يَقِلّ من قدره شيء. وفي المقابل لا يتوقع صاحب البيتِ الكريمُ من الضيف جزاء ولا شكورا، فتراه مهتمّا بمصلحة الضيف أكثر من مصلحته، ويرضى برضا الضيف فيسأله بين الحين والآخر عن ما يشتهيه من مطعم ومشرب.

5ـ إنما حافز ربّ البيت للدعوة هو الأكرام وحسب

إن كان ربّ البيت غنيّا عن الضيف والضيافة، وكانت ضيافته بمعناها الحقيقي فعند ذلك لا يكون لصاحب البيت حافز للدعوة والضيافة سوى إكرام الضيف. وكلما كان ربّ البيت أغنى كانت ضيافته أدلّ على ودّه وكرمه العاليين. إن كان المرء غنيا عن الضيف والضيافة، وقام بالضيافة عن لطف ومودّة وحسب، فقد أنجز صُنعاً جميلا في العالم، لجماله فقط دون أي عامل وحافز آخر. كما ترى الحِسان في قصص العرفان يتجلّون آنا ويخطفون القلوب. 

6ـ ضيافة العظيم، تواضع منه

إذا كان ربّ البيت عظيما وذا مقام رفيع، وكان الضيوف أصغر منه جدّا، فالضيافة هذه، ساعات تواضعه. إن ساعة هبوط ربّ البيت العظيم وتواضعه أمام الضيف، هي ساعة خالدة ولها وقع في القلوب. إن الدخول على العظيم يعظّم الضيف ويزيل الشعور بالحقارة من روح الإنسان؛ هذا الشعور الذي منشأ جميع أصناف الأسْر والتورّط بالأغلال.

7ـ حُلُم لا يُدرك

إذا كان ربّ البيت حبيبَ قلوب الضيوف، فحضوره في مجلس الضيافة بمثابة تحقق حلم لا يدرك. وإذا كان الضيف عاشقا لربّ البيت، بحيث يتخذ من إنائه المثلوم علامةً على عناية ربّ البيت به بشكل خاص،  فإن قدّم له حبيبه شيئا سيموت فرحا ويغادر الحياة. العاشق الذي يرضى لنفسه أن يقف عند باب حبيبه ويصبر على عدم اعتنائه ويطوي كلّ عمره منتظرا بصبّ الدموع والزفرات، كيف يكون حاله إن فتح عليه حبيبُه بابَ الدار وأدخله في بيته وأجلسه في صدر المجلس بكل احترام وإكرام؟!

8ـ الضيافة فرصة عابرة فلابدّ من معرفة قدرها

إنّ مجلس الضيافة لفرصة عابرة، فهي بكل ما تنطوي عليه من جمال وحلاوة ليست إلا معبرا حريّ بنا أن نعرف قدره ونصرف قصارى همّتنا في انتهاز فرصة وجوده. ليس مجلس الضيافة مجالا للاندهاش. فينبغي للضيف أن يكون على كامل وعيه وينتفع بكل ساعاته ولحظاته. ولا يخفى أن في غير قليل من مجالس الضيافة، قد يصبح الضيف مقيما عند ربّ البيت كأحد أفراد أسرته. وذلك فيما إذا كانت الضيافة خطوبة، أو أدت بعض اللمحات إليها، وانكشف الستار عن خفايا توادد القلوب عبر تقارن جليّ، فيصبح الحال مقاما وتُشرَع السبل للضيف حتى يكون أحد أصحاب البيت. فنحن الذين كنا نجلس في ما مضى بجانب هذا الرجل على مائدة الضيافة، سنراه بعد ذلك واقفا بجانب صاحب البيت ويضيّفنا ويرحب بنا كشأن رب البيت نفسه. نعم لا يخلو مجلس الضيافة من مثل هذه الأحداث. فبعد ذلك أين نحن الضيوف الغرباء من أولئك المقيمين في البيت!

9ـ دفع الوحشة وفرصة للتنويع والنزهة

دفع الغربة وزوال الوحشة وضيق صدر هي أدنى نتائج مجالس الضيافة. مجالس الضيافة تعني الخروج من أجواء بيتنا الرتيبة والمملّة إلى قاعة الضيافة الجميلة. الضيافة فرصةٌ للتنويع والنزهة، ومهلةٌ للقاء الحبيب الحنون الذي يُضفي السكينة والوداد على الفؤاد. ثم أضف إلى فوائدها الرائعة صحبةَ الأحباب ومعاشرةَ الأبرار.

درجات الضيافة

طبعا كلّ ذلك مرهون بشخصيّة ربّ البيت الذي دعاك وبشأنك ومستواك. إنه مرهون بمدى عطشك وعطره؛ بدلالك وحنانه، بشوقك وترحيبه، بحزنك ومواساته، بعشقك وغنجه، فكلٌ بحسبه وكل ضيافة بحسبها. فكيفية رؤيتك عن ضيافة شهر رمضان هي أمر متعلق بك تماما.

 

(1)عیون أخبار الرضا(ع)، ج1، ص295، ب28، ح53.

(2)جامع الأخبار، ب40، ص84

 

تعليق