الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۳/۱۲/۱۸ چاپ
 

كلمة سماحة الأستاذ بناهيان في الدورة الوطنية الأولى لمؤتمر «خط الإمام»

A4|A5 :pdf

هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم، كلمة سماحة الأستاذ بناهيان في الدورة الوطنية الأولى لمؤتمر «خط الإمام» حيث ألقاها في حرم الإمام الرضا(ع) وفي جمع مسؤولي تعبئة الجامعات من كافة أنحاء البلد.

بعد انتصار الثورة نجد بوضوح أن قد حدث انعطاف في حركة التاريخ/ لابدّ أن ندرك هذا الانعطاف بكل عمق

  • إن لم يحظ الإنسان بالإيمان والعقيدة الراسخة، فإنه عندما يقرأ تاريخ الإسلام ويرى مدى غربة أولياء الله وظلامة المؤمنين واضطهادهم، قد ييأس من انتصار الإسلام وسوف ينظر إلى موضوع انتصار جبهة الحقّ كأحد المثل وحسب. ولكن بعد انتصار الثورة أصبحنا نجد بوضوح أن قد حدث انعطاف في حركة التاريخ وهو في تزايد يوما بعد يوم. فلابدّ أن ندرك هذا التغيير بعمق وإلا فسوف نتخلّف عن حركة الزمان.
  • لقد حدثت ولا سيّما في هذا العقد الأخير تغييرات باهرة جدا بالنسبة إلى العقدين الأوّلين من الثورة. وتصبّ أكثر هذه التغييرات في قِصَر أمد مظلومية المؤمنين وغربتهم. فلم تعد تطول فترة مظلومية المؤمنين ولم يعد يختفي الحق خلف الستار وأصبح يفتضح وجه النفاق وتثبت أحقية كلمة الحقّ بسرعة وسهولة. إن الحقائق التي لم يأمل أحد باستيعابها سابقا فضلا من إثبات صحتها، وإذا بها تصل إلى أعلى درجات الوضوح ويتمّ إثباتها بكل سهولة. وبإمكانكم أن تصلوا إلى هذه النتيجة عبر مقارنة تاريخيّة بسيطة.   
  • فعلى سبيل المثال يمكن ملاحظة هذا الفرق الشاسع عبر هذه المقارنة البسيطة: نحن في أيام الحرب والدفاع المقدّس قدّمنا حوالي 250 ألف شهيد من خيرة شباب هذا البلد، ولكن لعل في كل العالم لم تخرج مظاهرة واحدة لدعمنا والدفاع عنّا. أمّا الآن فمن أجل ما يقارب ألفي شهيد في غزّة، خرجت التظاهرات في أغلب بلدان العالم. فانظروا كم قد تغيّرت الظروف عن ذاك الزمن! طبعا إنّ مظلوميّة أبناء غزّة أشدّ من بعض الجهات، ولكن أصل المظلومية فمشتركة بين الحدثين حتى قد نكون نحن أكثر مظلوميّة من بعض الجهات.

أصبحت كلمة الحق تثبت في مدة أقصر ولم يعد يبقى النفاق خلف الستار لفترة طويلة

  • نرى اليوم أن كلمة الحق تثبت في مدّة أقصر ولم يعد يبقى النفاق خلف الستار لفترة طويلة. أحد الشخصيات من ذوي السوابق في الثورة والذي انحرف عن خط ولاية الفقيه بعد رحيل الإمام(ره) قال قبل عدّة سنوات: «يودّ الفسطينيون أن يتصالحوا مع إسرائيل!!! فهل ينبغي أن نتحمّس أكثر من الفلسطينيين ونصرّ على ضرورة محو إسرائيل؟!» كان يبدو كلامه خطرا جدا في تلك الأيام، ولكن بعد مضيّ أيام قصيرة، انطلقت الانتفاضة الفلسطينية وفي المقابل قاموا بإبادة الشعب الفلسطيني المظلوم، وبالنتيجة تلاشت أرضية طرح أمثال هذه النغمات.
  • وقبل تلك الأيام بقليل، كانت بعض الجهات السياسية في البلد تطرح ضرورة تكوين العلاقة مع صدّام، بذريعة أنه قد وقف في وجه أمريكا، وقالوا: مَثَله مَثَل خالد بن الوليد، فلابدّ أن نتحد مع صدام ضدّ أمريكا! كان هذا التيّار السياسي يروّج هذه الفكرة في صحفه في مقابل رأي سماحة السيد القائد الذي لم يكن موافقا على الاتحاد مع صدّام وقتئذ، حتى أنهم طعنوا بسماحة السيد القائد وقالوا: لقد ارتحل الإمام الخميني(ره) وارتحل معه الجهاد ضدّ أمريكا! ولكن لم تمض الأيام كثيرا وإذا في أحداث الانتفاضة الشعبانيّة وإبادة الشعب العراقي على يد صدّام، اتضح مدى تبعيّة صدّام التامّة والمطلقة لأمريكا. فبعد ذلك طأطأ هؤلاء رؤوسهم خجلا ولم يكرّروا كلامهم بعد.
  • في هذه السنين الأخيرة كانت ترى بعض الجهات السياسية أن طريق حل المشاكل هو الاقتراب من الغرب ولا سيّما أمريكا، ولكن ما هي إلا أشهر قليلة وإذا بهم أمام إجرام إسرائيل البشع ضدّ عزّة وبدعم البلدان الغربية ولا سيّما أمريكا فسكتوا واستحيوا أن يكرروا أقاويلهم. وقد جرت الأوضاع بحيث لم يعد يجرأ أحد على إبداء رغبته في التسوية مع الغرب وأمريكا.

لابدّ أن ندعو بعض رجالنا الذين كانوا يقولون: «ليس لدينا سلاح لنستمرّ في الحرب!» إلى مشاهدة مقاومة غزّة

  • أصبحت الظروف بحيث يكشف الله الحقّ في زمن قصير. ويبدو أن الله لم يعد يشعر بالحاجة إلى الصبر الطويل. ولذلك فنحن أصبحنا نتوقع اتضاح الحق سريعا بعد أيّ خفاء وغربة لحقّ ما. ونحن أصبحنا نعيش في عالم يختلف عمّا كان.
  • اليوم وعبر اتضاح الحقائق التي باتت تكشف لنا نفسها بكل روعة وعظمة، أخذت تتضح شيئا فشيئا بعض الحقائق التي كانت قد خفيت عنّا في ما مضى. فعلى سبيل المثال أصبح بإمكاننا اليوم أن ندعو بعض رجالنا الذين كانوا يقولون: «ليس لدينا سلاح لنستمر في الحرب!» إلى مشاهدة مقاومة غزة لتتضح القضية كاملا. ولا داعي للشرح والتوضيح بعد. حسبنا أن نريهم حرب الثلاثة وثلاثين يوما لحزب الله، مع أن كل هذه المقاومات هي تطبيق للدروس التي أخذها المسلمون من مقاومة إيران الإسلامية أمام القوى الظالمة في العالم.

نحن متخلّفون عن سرعة الزمن في مجال النشاطات الثقافية/ إن كنّا لا نعلم أنّ ما نعيشه اليوم هو آخر الزمان أم لا، لكنّنا نرى أنّ الفتن أصبحت تفضح المنافقين

  • إن سرعة زماننا في اتضاح الحق وإثباته عالية جدا ولكننا متخلّفون كثيرا عن سرعة هذا الزمان في مجال العمل الثقافي، ولم نعد نستطيع مواكبته. فأصبحنا لا نستطيع أن نحلّل التحولات السريعة في زماننا أو نثني على حركة هيمنة الحق على الباطل. يعني تمرّ كثير من الأحداث من جانبنا ونحن نعجز عن تحليلها الدقيق حتى بجملة واحدة.
  • في هذا العام الماضي، كانت وسعة نشاط التكفيريين في خداع الشباب واستقطابهم، قد أقلقت الكثير من الناس، بحيث قالوا: عندما يستطيع هذا التيار أن يربّي آلاف الانتحاريين المستعدين لقتل المسلمين بسهولة، فهذا ينبئ عن خطورة بالغة جدا. فكان الكثير من الناس في قلق من حركة هؤلاء ولا يدرون كم قادرون على تضليل المسلمين وجرّهم إلى هذه الحركة الإرهابية. ولكن في خضم الأحداث الأخيرة لغزّة، أدّت مواقف الإرهابيين تجاه فلسطين إلى انخفاض قدرتهم على خداع الناس إلى درجة كبيرة وإلى ذهاب ماء وجههم بالكامل، وإن كانوا قد شوهوا سمعة أنفسهم من قبل، بفتاواهم السخيفة من قبيل جهاد النكاح وما صدر عنهم حديثا في تحريم صلاة عيد الفطر. فيبدو أن هؤلاء لا يقدرون على حفظ ماء وجههم حتى في سبيل خداع الناس.

·         إن سرعة تحولات الزمان عالية جدا، وأصبحت حركات الباطل لا تستطيع الحفاظ على ماء وجهها. وهنا يتبادر إلى ذهن الإنسان هذا الحديث الشريف عن النبي الأعظم(ص) حيث قال: «لا تَکرَهُوا الفِتنَهَ فِی آخِرالزَّمانِ فَاِنَّها تُبیرُ المُنافِقِینَ»[کنز العمال/٣١١٧٠]. أيّ فتنة كانت تظهر في صدر الإسلام أو بعده، لعلّها كانت تؤول إلى غربة الإسلام والمسلمين إلى قرون متمادية، أما في آخر الزمان فكلما تحدث فتنة تكون سببا لزوال النفاق. إن كنّا لا نعلم أنّ ما نعيشه اليوم هو آخر الزمان أم لا، ولكنّنا نرى أنّ الفتن أصبحت تفضح المنافقين.

  • لقد أعطى سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي(دام ظله) في خطابه أهم الدلائل والمؤشرات. ولكن يبدو أننا ومع كل هذه التجهيزات والعتاد الذي نملكه في الجبهة الثقافية، لا نحظى بقوّات كافية لنوجّه بهم ضربة للعدو! أحد هذه الدلائل والعناوين هي ما قاله سماحة السيد القائد في خطابه مع الطلاب الجامعيين حيث قال: «انظروا! هذا هو عدوّنا؛ انظروا كيف أنهم يدعمون مجرمي العالم... فلابدّ لنا أن نحدد موقفنا تجاه هذا العدوّ... اليوم العالم الإستكباري وعلى رأسهم أمريكا، يدعمون ارتكاب هذه الفجائع وهذه الجرائم وهذا العنف الذي لا يوصف ويدافعون عنه... إن منطق الديمقراطية المتحررة اليوم وهو المنطق والنظام الفكري الذي يتم تسيير البلدان الغربية وإدارتها على أساسه، لا يحظى بالحد الأدنى من القيم الأخلاقية. لا قيمة أخلاقية فيه. ليس فيه شعور بالإنسانيّة، فإنّهم في الواقع أخذوا يفضحون أنفسهم، أخذوا يفضحون أنفسهم أمام أنظار شعوب العالم ومستقبل التاريخ. فلابدّ أن نحتفظ بهذه [التجربة] كتجربة مهمة وأن نعرف أمريكا. هذه هي أمريكا، وهذه هي الديمقراطية المتحرّرة. فهذا ما سوف يؤثر في عملنا وتقييمنا وموقفنا ولابدّ أن يترك أثره... لابدّ أن ندرك في تحليلاتنا وتقييمنا ومواقفنا أن من نواجه، ومن هؤلاء الذين وفقوا في وجهنا، وما هي أقصى أفكارهم. فلابد أن نحدد موقفنا...»[23/7/2014]
  • لابدّ أن يكون لنا هذا العنوان وهذه الجهة التي وجّهنا إليها سماحة السيد القائد، من الأهمية بمكان بحيث نستطيع أن نحلّ بها مشاكلنا الثقافية والسياسية ومشاكل العالم الإسلامي بأسره، وأن نوجّه ضربة للعدوّ من هذه النقطة. إذ في مثل هذه الظروف سوف لا تقدر أيُّ من نزعات التقرب من الغرب على عرض نفسها، ولا يعتمد أحد في العالم على أقوال أمريكا بعد.

الفتن اليوم، تقضي على النفاق في عالم الكفر وعلى النفاق في العالم الإسلامي وعلى النفاق في مجتمعنا

  • نحن نرى اليوم أن الفتن أصبحت تقضي على المنافقين. فهي أصبحت تقضي على النفاق في أوساط الكفر وعلى النفاق في العالم الإسلامي في وقت واحد. يعني بدأت تكشف نفاق الأمريكان تحت غطاء الديمقراطية وحقوق الإنسان وكذلك تكشف أنواع النفاق في العالم الإسلامي ولا سيما النفاق في مجتمعنا. حتى أن بعض الفتن أصبحت تزول قبل تبلورها. وحتى إن بدأت فتنة ما، فلا تلبث فترة كثيرة وسرعان ما تزول. فعلى سبيل المثال مع فضيحة أمريكا في قضيّة حقوق الإنسان ودعمها لإبادة أبناء غزّة، فهل يبقى في العالم أحد يصدّق باتهامات أمريكا لإيران في موضوع حقوق الإنسان؟!
  • يبدو أن الله قد سرّع حركة التاريخ في هذا الزمان. ولهذا فلا مجال للحزن والقلق من طول مدة خفاء الحق. لقد أشار سماحة السيد القائد(دام ظله) في السنين الأخيرة إلى وعدة نصر الله وقد استشهد بهذه الآية المباركة: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُم)[محمد/7]

لقد استعدّ الرأي العام في المنطقة وفي العالم لاستماع كلمة الحق، فانتهزوا هذه الفرصة

  • أحد نماذج هذه الظاهرة هو استنكار ملك المملكة السعودية لجرائم إسرائيل في غزة ولو بعد تأخير طويل! (فارس-13930510000450 و انتخاب- 174599) وهذا ما ينبئ بفضيحتهم وزوالهم. إذ أن هؤلاء الذين كان يقول علماؤهم قبل أيّام: ليست إسرائيل في أولوياتنا ولا يجوز التظاهرات ضدّها، قد أدت بهم الفضيحة إلى أن يصدّروا مثل هذا البيان حفاظا على ما بقي من ماء وجههم. فالواقع هو أنّ هؤلاء على وشك سقوطهم في مزبلة التاريخ.
  • مع الأسف أنّنا متأخرون عن هذه الأجواء ولا نقدر على استثمارها. فهيّا نعمل ونتحرّك ونستثمر هذه الأرض الخصبة. فلو عملنا ليلا ونهارا في هذا المجال، لما وسع بنا الوقت. لقد أصبح الرأي العام لدى الشعوب الأوروبية والأمريكية وشعوب الأمريكة الجنوبية وشعوب منطقتنا هذه مستعدّا لاستماع كلمة الحق منكم، فلابدّ أن تنتهزوا هذه الفرصة. لقد آن الوقت أن تشرحوا لشعوب العالم فلسفة الثورة الإسلامية كلّها في بضعة أسطر. وقد آن الوقت أن تعرّفوا شعوب العالم على الدفاع المقدّس، إذ أنهم يدركون رسالتكم ويتقبلونها الآن.

لماذا قد ازدادت سرعة إثبات الحق وفضيحة النفاق؟

  • لقد تغيّر مناخ التاريخ حقا، ولعلّ هذا هو أحد معاني «المنعطف التاريخي». يعني لم تعد تنقلب صفحات التاريخ لصالح الظالمين لفترة طويلة من الزمن. أما السؤال هو أن لماذا أصبحت الأجواء هكذا؟ لماذا ازدادت سرعة إثبات أحقّية كلمة الحق واتضاح صوابها وكذلك قد ازدادت سرعة اتضاح بطلان الباطل وافتضاح المنافقين؟
  • في مقام الإجابة عن هذا السؤال لا نستطيع أن نقول ببساطة: لقد شاء الله أن يغيّر أسلوبه في تسيير التاريخ! إذ يعمل الله على أساس مجموعة من القواعد ويدير العالم بسنن وقوانين. وكذلك لا نستطيع أن نستدلّ بقوّة قادتنا في هذا الزمان، إذ قد شاهدنا في تاريخ الإسلام، مظلومية أئمة وقادة عظام كأمير المؤمنين(ع) وأبي عبد الله الحسين(ع)، والآن فقادتنا يعتبرون أنفسهم تلامذة في مدرسة أمير المؤمنين(ع) وأبي عبد الله(ع).
  • إذن فلابدّ أن يكون قد حدث أمر ما في العالم، وهو الذي سرّع حركة التاريخ. ألا وإن النقطة المركزية لهذا الحدث هو التحلّي بروح الولاء. إن خضوع شعبٍ للولاية ومقاومته المستقاة من ولائه، قد لفت أنظار باقي الشعوب ونشر هذا الولاء بينهم.

إن الفارق بين مناخ اليوم وبين الماضي هو شيوع روح الولاء

  • إن الفارق المهم جدا بين مناخ اليوم وبين تاريخ الإسلام في الماضي، هو نموّ روح الولاء بين المؤمنين. ففي صدر الإسلام كان ولي الله بين الناس ولكن لم يكن شباب ولائيون حوله. فقد بدأت روح الولاء تتبلور في زماننا، وبالتأكيد أنها لم تكتمل ولم تبلغ ذورتها، فما بالك لو بلغت ذروتها وتجّسدت كلّ طاقاتها.
  • لقد كان القرآن والصلاة والصوم وباقي أجزاء الدين سابقا، فلم يكن هذا التطوّر ناشئا من هذه الأقسام من الدين. بل إن روح الولاء هي التي أستطاعت أن تحقّق هذا التغيير في تاريخ العالم. وأنتم تعلمون أن الإمامة هي أصل الدين وأساسه. فقد روي عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: «إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي وَ فَرْعُهُ السَّامِي»[الكافي/1/200]
  • إن شيوع الولاء في قومٍ ما واحترامه لأمر الولاية يترك في العالم آثارا وبركات لا تحصى، ثم لا تبقى هذه النزعة محدودة في نطاق ذاك القوم. فإذا نظرتم إلى أحداث فتنة 2009 من زاوية الولاء، ترون أن الشعارات المهينة لأصل ولاية الفقيه وشخص الولي الفقيه لم تنجح ولم تنتشر بين الناس، بل قد أثارت ثورة وملحمة لتعزيز الولاء في البلد، حتى قد أدّى نور الولاء إلى نزول النصر الإلهي. فإنكم قد نجحتم في فتنة كانت قد أعدت ضدّ نظام ولائي، فغيّر الله مقدرات العالم بأسره لصالحكم، يعني لم تبق آثار وبركات هذا الإنجاز في منطقتنا هذه وحسب. فانظروا إلى روح الولاء التي تبلورت في منطقتنا خلال العام الماضي، وانظروا إلى هؤلاء الولائيين الذين يتحدّثون عن السيد الولي بكل احترام وإجلال، وانظروا ماذا سيصنع نور الولاء هذا في العالم! إن هذه لحقيقة في العالم وإن كان البعض لا يدخلها في حساباته.

بماذا تشيع روح الولاء؟/ لا يتقصر الولاء على اتباع الولي، الركن الثاني للولاء هو «علاقة الولائيين مع بعض»

  • السؤال هو ماذا يجب أن نفعله تجاه هذه القضية؟ يجب علينا بطبيعة الحال أن نشيع الولاء بين الناس، ولكن كيف يكون ذلك؟ لا يقتصر الولاء على التباع الوليّ. بالتأكيد إن الركن الأوّل للولاء هو الاتباع المصحوب بالبصيرة، وإقبال القلوب على مقام الولي وإقناع الأذهان بهذه الولاية. أما الركن الثاني فهو «علاقة الولائيين والمؤمنين مع بعض» كما أن الله سبحانه قال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ)[الفتح/29] فقد أشارت (رُحَماءُ بَیْنَهُمْ) إلى هذا المعنى.
  • قال أحد الشيعة للإمام الباقر(ع): «إِنَّ أَصْحَابَنَا بِالْکُوفَةِ لَجَمَاعَةٌ کَثِیرَةٌ فَلَوْ أَمَرْتَهُمْ لَأَطَاعُوك وَ اتَّبَعُوكَ. فقَال الإمام(ع) یَجِی‏ءُ أَحَدُکُمْ إِلَى کِیسِ أَخِیهِ فَیَأْخُذُ مِنْهُ حَاجَتَهُ؟ فَقَالَ: لَا. فقال(ع) فهم بدمائهم أبخل. قم قال:... إِذَا قَامَ الْقَائِمُ جَاءَتِ الْمُزَامَلَةُ وَ أَتَى الرَّجُلُ إِلَى کِیسِ أَخِیهِ فَیَأْخُذُ حَاجَتَهُ فَلَا یَمْنَعُهُ‏»[الاختصاص للشیخ المفید/ص24] یعني لعلّكم تتبعون إمامكم ولكن ليست علاقتكم مع بعض بالمستوى المطلوب. فانظروا هل أننا قد وصلنا إلى هذا المستوى، حتى نتوقع ظهور الإمام الهمدي(عج)؟

إن أسلوب تعاملكم مع سائر المؤمنين في الواقع استمرار للولاء/ إن حسن علاقة المؤمنين مع بعض حتى مع ضعاف المؤمنين دليل على صدق ولائهم

  • أين يجب أن تعزّز علاقة المؤمنين مع بعض؟ بالتأكيد يجب أن تعزّز وتقوّم في ساحة العمل والجهد والنشاط. فلو كنتم عاطلين عن العمل ولا تقومون بأي نشاط، لن تختلفوا مع بعض أبدا! المهم هو أن تقيّموا أنفسكم في خضم العمل والنشاط، لكي تتبلور الآفات والثغرات.
  • لا يقتصر الولاء في احترام سماحة السيد القائد(حفظه الله). لابدّ لكل واحد منكم أن يرى كيف يتعامل مع من حوله من ضعاف المؤمنين من أصدقائه؟ فهذا هو استمرار الولاية. فإنّ حسن علاقة المؤمنين مع بعض حتى مع ضعاف المؤمنين دليل على صدقهم في الولاء.

التواضع للمؤنين، من أهم خصائص الموطئين للظهور

  • يقول الله سبحانه وتعالى: (یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنینَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْکافِرینَ یُجاهِدُونَ فی‏ سَبیلِ اللَّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)[المائدة/54] تتحدث هذه الآية عن فئة من المؤمنين الذين قد بشّر الله بظهورهم في آخر الزمان. وقد قال النبي الأعظم(ص) أن هذه الآية قد نزلت في أصحاب الإمام صاحب الزمان(عج)، وعندما سئل النبيّ(ص) أن يعرّفهم، أشار إلى أبناء إيران؛ «نزلت فی القائم و أصحابه الذین‏ یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ... سئل عن هذه الآیة فضرب بیده على عاتق‏ سلمان‏ فقال هذا و ذووه»[تفسیر نورالثقلین/1/641]
  • بعد أن يشير الله في هذه الآية إلى ميزة الحبّ بينه وبين هذا القوم، ينتقل مباشرة إلى الميزة الثانية وهي تواضعهم للمؤمنين، وبعد ذلك يذكر باقي خصائص هذا القوم. واللطيف هو أن الآية التي تليها هي آية ولاية أمير المؤمنين(ع)؛ (إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ ءَامَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلَوةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکَوةَ وَ هُمْ رَاکِعُون)[المائدة/55] وفي الآية التي بعدها يقول: (فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَلِبُون)[المائدة/56].

لماذا ليس لبعض الحزب اللهيين أصدقاء كثيرون ولا يتضافرون الجهود مع بعض؟ إن تعامل المؤمنين الحَسَن والبنّاء مع بعض استمرارٌ للولاء 

  • لماذا ليس لبعض الحزب اللهيين أصدقاء كثيرون؟ ترى بعضهم يابسين للغاية، بحيث لا يمكن التقرّب منهم! وبعضهم يدلون بدلوهم ولا يتضافرون الجهود مع بعض. فلا يعين بعضهم فريق الآخر، ولا يتعاونون مع بعض من أجل ازدهار هيئاتهم. فعلى سبيل المثال، لا تتعاون هيئة دعاء الندبة مع هيئة دعاء التوسل، ولا يتعاون الناشطون في مجال القرآن مع الناشطين في مجال المهدويّة.
  • إن وجود تضافر الجهود وهذا التعامل الحَسَن والبَنّاء بين المؤمنين هو امتداد واستمرار للولاء. فإذا كان الإنسان أهل التعامل الجيد والبنّاء مع المؤمنين، فهذا ما يدلّ على ولائه. لقد أصبح الحق اليوم من الوضوح بمكان بحيث لا يدل هتاف «الموت لإسرائيل» على كثير من الإيمان والبصيرة للإنسان بعد، وكذلك فقد أصبح مجرد حبّ الوليّ لا يحكي عن شيء يعوّل عليه، فلابدّ أن ننظر هل يحسن التعامل مع الولائيين وسائر الناس أم لا.

إن علاقة الولائيين البناءة مع بعض، تكوّن نورا ومعنوية تجعل العالم كله تحت تأثيرها

  • إن استمرار الولاء هو في تعامل الولائيين وعلاقتهم الحسنة مع بعض. إن هذه العلاقة تكوّن نورا ومعنوية باهرة، كما أن إشعاعات هذا النور وهذه المعنوية سوف تنوّر جميع العالم.
  • لقد قال الله سبحانه في آخر سورة آل عمران: (یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا)[آل‌عمران/200]. لعلّنا نزعم أن لو صبر كل فرد من الناس، لأصبح مجتمعنا صابرا، ولكن لا يكفي هذا الصبر الفردي، فبالاضافة إلى ضرورة صبر كل واحد منا فردا فردا، لابدّ من المصابرة الجماعية أيضا. فلا فائدة في الحياة الحسنة الفردية، بل لابدّ من حياة اجتماعية حسنة.
  • و المرابطة في هذه الآية بحسب تفسير العلامة الطباطبائي في الميزان هي بمعنى تضافر الجهود. إذ أن الله قد أعطى كلّ فرد من الناس مواهب وقابليات تختلف عن غيره، فلابدّ للمؤمنين أن يتشاركوا بمواهبهم ويجمعوا طاقاتهم في مشروع واحد. طبعا هذا ما يحتاج إلى تضحية ونكران للذات، لأن في مثل هذا النشاط الجماعي قد لا تبرز طاقاتكم الشخصيّة وقد لا يلتفت أحد إلى دوركم في هذا المشروع. فإذا استنكف الشابّ الولائي عن مثل هذه المشاريع ولم يخفِ طاقاته وإنجازاته في نشاطات الآخرين، سوف يبتلى بالأنانية وعدم الإخلاص في العمل.
  • إحدى الظواهر التي ظهرت في جبهات الدفاع المقدّس، هو علاقة المجاهدين مع بعض. وأنا أستبعد أن يكون قد استطاع أحد أن يجسّد مدى أخوّة المجاهدين ومحبتهم الشديدة مع بعض. طبعا كان من الطبيعي في أيّام الدفاع المقدس أن تتبلور مثل هذه العلاقة والحبّ بين المجاهدين، ولكن يجب علينا الآن أيضا أن نكوّن نفس الأجواء. فلابدّ أن يتبلور هذا الحبّ الشديد بين المؤمنين في علاقاتهم واتحادهم مع بعض. إن هذه الصداقات والعلاقات تكون شعاعا من نور يجذب الآخرين. إن هذه العلاقات تسبب في ازدياد تواضع الإنسان كما هي مستقاة من روح التواضع، فإن لم تكن كذلك تظهر ملامح الكبر والغرور والعجب على الوجوه.

صلى الله عليك يا أبا عبد الله

  • لم يقتصر ولاء أصحاب الإمام الحسين(ع) في كربلاء، على حبهم وطاعتهم للإمام الحسين(ع) وحسب. بل قد تجلى ولاؤهم بأروع صوره وهو أن لا يسمحوا لأحد من أبناء الحسين(ع) ومن شباب بني هاشم أن ينزل إلى الميدان ويستشهد قبل استشهادهم.         

تعليق