الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۸/۰۳/۰۱ چاپ
 

ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟ (المحاضرة4)

قضية الدين الأولى ليست هي الأخلاق والمعتقدات، بل محورها "الذنوب". / إننا لم نُخلق لنكون صالحين وناجحين في حياتنا، بل خُلِقنا لإقامة علاقة مع الله. / علاقة العبد بالمولى إنما تتبلور في عملية "الأمر والطاعة". / لكي يتولّد فيك حس العبودية ابدأ "بامتثال الأوامر".

  • المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
  • الزمان: 09/أيار/2019 ـ 03/رمضان/1440
  • الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
  • A4|A5 :pdf

العلاقة بين العبد والمولى إنما تتبلور في "توجيه الأمر من المولى" و"طاعة العبد". فمن أراد هضم مفهوم العبودية والاقتراب من هدف الخلقة، فإن عليه دوماً أن يقابل أوامر الله "بالسمع والطاعة"! ويرضخ باستمرار لأمر الله وينفّذه ليتبيّن أنه عبدٌ لهذا المولى.

لماذا علينا الاعتذار من الله إذا أذنبنا؟

  • لماذا يَعُدّ الله تعالى الخطأ الذي يرتكبه الإنسان "معصية" ويجعل له عقاباً؟ لِمَ يسمّي الله خطأنا "ذنباً"، ولماذا يتعيّن علينا، إذا أخطأنا وألحَقنا بأنفسنا نحن ضرراً، التوجّه إلى الله والاعتذار منه؟ "إنني أضرَرتُ بنفسي أنا، فلِمَ علَيَّ الاعتذار من الله؟ لماذا يَدخل الله بنفسه في هذه القضية؟
  • لِمَ علينا الاعتذار إلى الله إذا أجرَمنا؟ لأنّ الله تعالى قد أمرَنا بفعل الحسنات التي لا بد من فعلها، كما نهانا عن السيئات التي تضرّ بنا. وبما أن الحال هي على هذا النحو فإنني سأواجه أمرين إذا أذنبت: الأول هو الآثار السيئة التي يتركها هذا الذنب عليَّ أنا، والثاني هو الاعتذار الذي عليّ تقديمه لله عز وجل.

لماذا يشعر الكثيرون بأن الدين يفرض عليهم إملاءاته؟

  • إن علينا أن ندرك هذه المسألة بعمق، فإن لم أستوعبها أنا تماماً فلا ينفع أن تُقنعني بالتوحيد والمعاد وعدل الله عز وجل، ولا يجدي أن تقنعني بالنبوة والإمامة أيضاً؛ لأن تديّني لم يصبح حقيقياً بعد! وحتى لو آمنتُ بهذا كله فسأقول: "لقد تواطأ الله ونبيه عليَّ ليؤذياني!" فأنا أرى الله يصدر الأوامر والنبيّ يبلغني إياها، وإن لم أمتثل لأمرِ الله فإنه سيُدخلني جهنّم، وهذا فرضٌ للإملاءات بامتياز!! من هنا يشعر الكثيرون بأن الدين يفرض عليهم إملاءاته!
  • مشكلة الإنسان – المعاصر على الأقل - ليست في أنه: أيوجد في العالم إله أم لا؟ فأكثر سكان الأرض يُقرّون بوجود الله. ليس هذا فحسب، بل ويحبّونه، وقد يناجونه أيضاً! بل وليست مشكلة البشر في أنه هل جاء أنبياء أو لا؟ وإن الذين رفضوا الدين ووقفوا بوجه الأنبياء كانوا – في الحقيقة – مذنبين؛ بذنب الكفر.. بذنب الشرك!

مشكلة الإنسان "الذنب" وليس قبول أصول العقائد من توحيد ونبوة ومعاد!

  • مشكلة الإنسان ليست في أصل وجود الله تعالى، وأصل النبوة، وأصل المعاد – من الناحيتين الفكرية والعقائدية – بل مشكلته هي مع "الذنوب"، ولا بد من أن يستوعب أنه: لماذا سُمِّي خطأ الإنسان "ذنباً" ولماذا يُعاقَب عليه بالنار؟! هذه هي معضلة البشرية.
  • إنك إن تركت الناس وشأنها لقبلَت بأمور كثيرة، كوجود الله على سبيل المثال. ولو تأمّلَت قليلاً لآمنَت أيضاً بالمعاد، وصدّقَت أن حياتنا لا تُختتَم بالدنيا.
  • كما وليست مشكلة الإنسان في قبول أفضلية أنبياء الله وأوليائه على باقي البشر. أي: لو لم يكن موضوع الذنب والثواب مطروحاً ثم قلتَ لأحدهم: "بعض الناس أفضل منك" فسيُقرّ بذلك في أغلب الظن ولا يتضايق، وإنّه إن أقرّ بهذا فقد أقرّ بالأنبياء والأئمة أيضاً.

مشكلة معارضي الأنبياء كانت أيضاً "الذنب"؛ فحينما لا تنصاع "لأمر الله ورسوله" فهذا ذنب!

  • مشكلة الإنسان هي قضية القرآن الجوهرية ذاتها؛ وهي: "لماذا تُذنب؟" فالإنسان، إلى ما قبل هذه المرحلة، لا اعتراض لديه عادةً؛ فهو يعترف أنه "أخطأ"، وعليه تدارك خطئه، وأنْ يحاول أن لا يكرّره، وأنّ خطأه يُلحق به الضرر.
  • المشكلة تبدأ حينما يلصق الله عز وجل بخطأ الإنسان هذا عنوان "الذنب"! ولذا فإنه حينما يأتي نبي ويرسم لهذا الإنسان خطوط المعصية والثواب فإنه يثور ضد هذا النبي، بل وقد يذهب إلى إنزال الله من عرش ربوبيته أيضاً! فإن قلت له: "ثمة إله ليس في دينه ذنب وثواب" فسوف لا تكون له مع هذا الأخير مشكلة!
  • يقول تعالى في قرآنه الكريم: كلما جاءهم رسول بأمر من الله لا تهواه أنفسهم فإما أن يقتلوه وإما أن يكذّبوه: «كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَريقاً كَذَّبُوا وَفَريقاً يَقْتُلُون» (المائدة/70). على أنهم كانوا يذعنون حقاً بأن هذا الرسول لا يكذب، لكن بما أنهم لم يكونوا راغبين في اتّباع "أمره" فقد كانوا يقتلونه أو يكذّبونه. مشكلتهم مع النبي كانت في أنه يأمرهم وينهاهم نيابةً عن الله سبحانه وأنهم إن لم ينصاعوا إليه عُدَّ عدم انصياعهم هذا "ذنباً"!

محل نزاع البشر هو "الأمر بالطاعة وعدم المعصية" وليس قبول أفضلية أولياء الله

  • محل نزاع البشر لم يكن حتى القبول بأفضلية أولياء الله، بل كان الذنب! ألم يكن رسول الله(ص) قبل أن يُبعث بالنبوة رجلاً صالحاً؟ بلى. ألم يكن أفضل شبّان مكة؟ بلى. ألم يكن الناس مُقرّين بأنه(ص) أفضل منهم جميعاً؟ بلى كانوا مُقرّين. لكن الويل من تلك اللحظة التي يصبح فيها هذا النبي هو الناهي عن الذنب، والآمر بالثواب، والمعيِّن لحدود الطاعة والمعصية! من هذه النقطة تحديداً يبدأ النزاع!
  • وليس موضع النزاع أن البشر لا يُقرّون بخطئهم! بل إنهم غالباً ما يذعنون بأن أخطاءهم تُلحِق بهم هُم الأذى، بل إنك لتجد أكثرهم يسأل الله أنْ: "إلهي، تعال أنت وأصلح خطئي!"

قولي: "ليس لي دين" معناه أني لا أريد أن أعترف بوجود الذنب!

  • حول أي شيء يدور النزاع بين التديّن وعدم التديّن؟ حينما تسأل أحدهم: "هل أنت متديّن أم لا؟" ويجيبك: "كلا، لستُ متديناً" فما سبب جوابه هذا؟ عادةً مشكلة شخص كهذا  ليست الاعتقاد بالله وبالنبي وما إلى ذلك! فعندما يقول: "أنا لستُ متديّناً" فهو يعني: "لا أريد أن أُقرّ بوجود شيء اسمه الذنب.. دعني وشأني!" ومن ناحية أخرى، فإن المتديّن هو الذي يُقِرّ بأن بعض الأفعال هي "معاصٍ". كما أن مناجاة أهل البيت(ع) هي الأخرى تقوم على أنه: "إلهي عفوك، لقد أجرَمتُ!"

حتى مشاكل البشر العقائدية، "كالشرك"، يضعها الله في خانة "الذنوب"!

  • النزاع في القرآن الكريم أيضاً يدور حول الذنب وعدمه. بل إن الله – أساساً - يضع المشاكل العقائدية للبشر في خانة "الذنوب" أيضاً؛ فالشرك، حسب المنطق الإلهي مثلاً، ذنب عظيم لا يُغتفَر! فإذا استثنينا الشرك الذي هو بمعنى عدم الإخلاص، فإن كل شرك عقائدي، وكل إنكار لحقائق العالم، وكل رفض للعقائد يسمّيه الله "ذنباً!"
  • نحن نعي أن بعض الخطايا هي ذنوب؛ فالجميع يدرك أن إنزال الظلم بالمظلوم، مثلاً، ذنب ويقبّحُه أيضاً. لكن ثمة أمور لا ندرك ما هو الداعي لكونها ذنوباً؛ مثل بعض الاعوجاجات العقائدية (كالشرك والكفر).

قضية الدين الأولى ليست هي الأخلاق والمعتقدات، بل محورها "الذنوب"

  • كما قد تقدم فإن قضية الدين الأولى ليست هي المعتقدات أيضاً، بل الكلام يدور حول الذنب، وفيما إذا كان البشر يُقرّ بهذا أو لا. كما أن قضية الدين الرئيسة ليست هي الأخلاق أيضاً، بل إن محورها هو الذنب! فلو أزَحتَ موضوع الذنب والثواب جانباً وقلتَ: "الخلُق الفلاني سيّئ" وافقك الكثيرون. معظم الأفلام أيضاً تُظهِر الأخلاق الحسنة والقبيحة. وإن أرادوك أن تقول: "هذه الشخصية شخصية سيئة" أبرَزوا فيها بضع أخلاقيات سيئة. لكن لا أحد يصبح متديّناً بهذه المواضيع الأخلاقية!
  • الجميع يوافقك الرأي إذا قلت: "أَنْ يبذل المرء ويعطي فهو شيء حسَن من الناحية الخلُقية"، لكن ما إن تقول: "عدم دفع المرء خُمسَ ماله وزكاته هو ذنب وهو يجعل لقمته حراماً" حتى يندلع النزاع!
  • والجميع يذعن بأن السخاء وإعانة الفقراء أمر حسَن، وأن البخل بذيء أخلاقياً لكن ما إن يُؤَطَّر خلُق السخاء هذا بإطار شرعي فيقال: "يتوجّب أن تدفع خُمس مالك وإلا حرُمَت لقمتُك!" حتى يقوم النزاع من أنه: "ما هذا الإكراه من الدين للإنسان؟!"

لم يكن للمعارضين مشكلة مع أخلاق الأنبياء، بل كان النزاع حول احترام حدود الله التي يضعها الأنبياء(ع)

  • ما المشكلة التي كانت للناس مع الأنبياء؟ لِمَ كانوا يقتلونهم؟ لم تكن للناس مع الأنبياء مشكلة في البُعد الأخلاقي، بل كان النزاع حول احترام حدود الله وما يشرّعه الأنبياء من الحلال والحرام.
  • حتى نحن طلبة الدين يُقال لنا أحياناً: "هلُمّ وكن صالحاً.. تكلّم عن الصلاح، لا عن الدين!" وصاحب العِمَّة الذي لا يتحدث إلا في الأخلاق والعقائد يحبه الجميع، لكن ما إن يخوض في حدود الله حتى تنطلق الآراء المعاكسة ضدّه!
  • نزاع الناس الجوهري مع أنبياء الله كان على خلفية أن كلام الأنبياء لم يكن أخلاقياً محضاً. بل – أساساً - لو أراد أنبياء الله الخوض في الأخلاق فقط لما لزم أن يصبحوا أنبياء! فلقمان الحكيم كان يتكلم كلاماً أخلاقياً غاية في الروعة ولم يكن يُثار حوله نزاع ومعارضة.

حول ماذا كان النزاع الأساسي للدين مع مؤيديه ومعارضيه؟

  • حول ماذا كان النزاع الأساسي للدين مع مناوئيه، بل مع جمهوره، بل وحتى مع المتدينين؟ كان نزاعه معهم حول الحدود التي يضعها الله تحت عنوان الذنب والطاعة.. تحت عنوان أوامره ونواهيه! من هنا يندلع الصراع؛ بدءاً من الصراع الداخلي ووصولاً إلى الصراع الخارجي. هذه هي العقدة (نقطة الإثارة والصراع) الأساسية للقرآن ولحياة البشر. وحتى أولياء الله فإنهم حينما يسكبون الدموع عند أعتاب ربهم فإن حديثهم يدور دوماً حول هذا الموضوع.
  • بل لقد جعل الله تعالى علاقته بعباده حول محور هذه العقدة، وهو أنه: "هل أذنبتَ؟ هل أطعتَ؟ هل عَصَيت؟" ولا يقف الأمر عند الطاعة والمعصية فقط، بل تُستأنف القصة من جديد إذا أطعتَ فيقول لك: "إن أطعتَني فأخلِص لي في طاعتك.. فلا بد أن أقبل أنا بهذه الطاعة!" فالله يريد أن تدور علاقته بعبده في هذا الفلَك!
  • حينما خطب رسول الله(ص) معرّفاً بشهر رمضان المبارك قام أمير المؤمنين(ع) فقال كما في الخبر: «يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؟ فَقَالَ(ص): يَا أَبَا الْحَسَن، أَفْضَلُ الأَعْمَالِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ عَزَّ وَجَل» (أمالي الصدوق/ ص95).

هل نحن مُقرّون كل الإقرار بموضوع الذنب من الناحية القلبية (لا الاعتقادية فقط)؟

  • هل نحن مُقرّون بموضوع الذنب والثواب من حيث الاعتقاد؟ أجل، لا بد أن نكون مُقرّين به لنكون هنا الساعة! لكن أنُقرّ به كل الإقرار حتى من الناحية القلبية أم لا؟ هذا ما علينا أن نشتغل عليه. فإن اشتغَلنا عليه فإننا سنفرح في حياتنا لقضيةٍ، وهي عدم ارتكاب المعاصي! كما رُوي عن أمير المؤمنين(ع): «كُلُّ يَوْمٍ لا يُعْصَى اللهُ فِيهِ فَهُوَ يَوْمُ‏ عِيد» (نهج البلاغة/ الحكمة428). فهل نحن هكذا حقاً؟ هل نُقرّ نحن بهذا؟
  • نسأل الله تعالى أن يقنعنا بقضية الذنب. فإنّ من يصل إلى قناعة حقيقية بخصوص الذنب فسيكون الكفّ عن المعصية بالنسبة له من الأهمية ما يجعله يضطرب إذا اقتربَت منه.

إننا لم نُخلق لنكون صالحين وناجحين في حياتنا، بل خُلِقنا لإقامة علاقة بالله

  • إننا لم نأتِ إلى هذه الدنيا لنكون صالحين! بل ولم نُخلق لنجتنب ارتكاب الأخطاء أيضاً! فالإنسان لا يقتنع بهذا. كما أننا لم نُخلق لنكون ناجحين في حياتنا. فما إن تبلغ نجاحاً ما حتى ترى أنه ليس شيئاً، ويبدأ صدرك بالانقباض تدريجياً. فلماذا تُسجَّل أعلى نسبة كآبة بين الطلاب المقبولين باختبار الثانوية العامة؟ لأن المرء ما إن يصيب نجاحاً حتى يقول في ذات نفسه: "ثم ماذا؟!"
  • ما من نجاح أو كمال تصله في هذه الدنيا حتى يغمر الحزنُ قلبك، اللهم إلا إذا أفسدت روحك وخدعت نفسك! فإن كنت إنساناً سليماً فسينقبض صدرك ويجتاحك الحزن مع أي نجاح تبلغُه في الدنيا؛ ذلك أننا أصلاً لم نُخلق لهذه الأمور ولا نقتنع بأي منها.
  • إننا لم نُخلق لنكون صلحاء، فلنحاذر من أن يدُلّونا على العنوان الخطأ! نحن إنما خُلقنا للاتصال بالله تعالى!

علاقة العبد والمولى تتبلور في "الأمر والطاعة"

  • علاقتنا بالله عز وجل هي علاقة العبد بمولاه، وعلاقة العبد بالمولى إنما تتبلور في "الأمر" و"الطاعة"، ولا غير!
  • إننا لم نُخلق لنصبح صالحين، بل خُلِقنا لنقيم علاقة بمولانا.. خُلِقنا من أجل تحقق شيء اسمه "العبودية"! ولا يتحقق هذا بحضور درس في العقائد وإدراك "أنني عبد وهو مولى"، بل من خلال التمرين.. تمرين طاعة أمر المولى! قل: "إلهي، سأظل أطيع أوامرك حتى أذوق طعم العبودية!"

"للتمرّن على العبودية" علينا الاستمرار في قبول أوامر الله وتنفيذها

  • من أجل أن نستوعب ذهنياً مسألة العبودية ونقترب من هدف الخلقة فإن علينا الاستمرار بالرضوخ لأوامر الله وتنفيذها. فمن أراد استيعاب مفهوم العبودية فلا بد أن يقابل أمر الله دوماً بالقول: "سمعاً وطاعة!".. عليه أن ينفّذ أوامره عز وجل على نحو موصول ليُعلَم أنه عبدُ هذا المولى! كما يتوجّب عليه الوقوف بوجه كل من يحاول التسلط عليه. شخصٌ كهذا لا ينفك يهتف "الموت لأمريكا" ليتضح أنه يأبى أن يكون عبداً للطاغوت.
  • فالذي يكون عبداً لله لا يسعه أن يُقرّ بسلطة مستعمري العالم.. العبودية لله تنفي العبودية لغيره؛ وهي لهذا تستبطن في ذاتها الثورية أيضاً. فلماذا قُمنا بالثورة؟ لأنه لا يمكننا أن نكون عبيداً لغير الله!.. الآخرون يريدون استعبادنا.. وعلينا التمرّس على عدم الرقّ للطاغوت، والتمرّن على العبودية لله!

لماذا يلتذ العبد بتلقي أوامر المولى ونواهيه؟

  • حينما يقوى حِسّ العبودية في الإنسان يسعى الأخير دوماً لاستغفار مولاه والاعتذار منه، وهذا من جملة الأعراض الذاتية لحس العبودية؛ فالعبد سيشعر دوماً بالتقصير أمام مولاه.
  • أهم ما يود العبد تلقّيه من مولاه هو "الأمر والنهي"، وهو يلتذ لتلقيه أمر مولاه ونهيه، إذ سيشعر أن مولاه يعدّه آدميّاً. فالعبد إن لم يتلَقَّ هذا من ربه سيتضايق قائلاً: "إلهي، ألم تعُد تعتبر لي حساباً؟!"

ابدأ "بتنفيذ الأوامر" وسيدبّ حس العبودية في وجودك

  • العُقدة الرئيسة في الدين هي الذنب والثواب. فماذا نصنع لكي نستوعب هذه المسألة؟ لقد أعلن الله تعالى لائحة المعاصي، كما أصدر قائمة بالطاعات والمستحبات والمكروهات أيضاً. فاشرَع "بتنفيذ الأوامر" وسيدب حس العبودية في وجودك.
  • هل شاهدت بعضهم يتصرف كالمتسوّل ويمد يد المسألة أينما ذهب؟ هذا فعل قبيح للغاية. البعض الآخر يتسوّل ويستعطي على باب الله عز وجل. والاستجداء على باب الله وإن كان في غاية الروعة لكننا نُفسِده؛ بمعنى أن البعض لا يبغي إذا طرق باب الله سوى أن ينال شيئاً ومن ثم يرحل! والله يسخر من أمثال هؤلاء في قرآنه الكريم من أنهم إذا ضربهم وسط البحر إعصار أخلصوا الدعاء أن: "إلهي، نجني!" لكن ما إن يطأوا بَرّ الأمان يُشركوا! أمثال هولاء لا يبحثون عن العبودية: «فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون» (العنكبوت/65).
  • ماذا نصنع لكي ينشأ في قلوبنا الشيء الذي خُلقنا لأجله، وهو العبودية والاتصال بالله؟ فإن نَشَأَ هذا في قلوبنا توجّهنا إلى الله سائلين إياه: "إلهي، ما هو الذنب؟ ما الذي نهيتَ عنه؟" أي إننا سنتوق إلى تلقي الأوامر والنواهي من الله تعالى. وعندها سنسعَد إذا تلَوا علينا أحكام الدين، وسنُسَر إذا أتينا بالواجبات.. ستتلفَّت أعيننا بحثاً عن مواقف الواجب والحرام.. ثم ستُفتح باب الاستغفار، إلى درجة أنك ستخصص كل أوقات فراغك للاستغفار وتلتذ لذلك.
  • يقول إمامنا السجاد(ع) في "دعاء أبي حمزة الثمالي": «يَا مَوْلايَ بِذِكْرِكَ‏ عَاشَ‏ قَلْبِي» (إقبال الأعمال/ ج1/ ص73). فبماذا يخاطب أولياء الله لدى ذكر ربهم وهم يلتذون بذكره كل هذه اللذة؟ أكثر دعائهم "الاستغفار": "إلهي، اعفُ عني.." وهم يلتذون بهذا كل لذة! لا تظن أنهم يتألّمون! ولا يذهب بك التصوُّر إلى أنه: "ما أصعب هذا الدين! إنّ على المرء أن لا ينفَكّ يعتذر!" كلا.. فأولياء الله يستغفرون حتى من دون معصية! إنهم يستغفرون مع الطاعة أيضاً قائلين: "إلهي، لم أستطع تنفيذ أمرك كما ينبغي، فاعفُ عني!" وكأنه لا حاجة لهم إذا مَثَلوا بين يدي ربهم سوى الاستغفار والاعتذار!

لقد فرض الله الواجب والحرام ليرى "أتحب أن تكون عبده أم لا؟"

  • روي عن الإمام الصادق(ع) قوله: «إِنَّ اللهَ بِمَنِّهِ وَرَحْمَتِهِ لَمَّا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْفَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ لِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْكُمْ بَلْ بِرَحْمَةٍ مِنْه» (تحف العقول/ ص485)؛ أي إن الله إنما يُنَشّئ عبده من خلال فَرضِه الواجب والحرام، وإنك لا تقنع ولا تتزن بأقل من "التعبّد" له عز وجل!
  • وفي تتمة الرواية: «لِيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَلِيَبْتَلِيَ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ‏ لِتُسَابِقُوا إِلَى رَحْمَةِ اللهِ» (المصدر السابق)؛ فالله إنما أوجب ذلك علينا ليتّضح ما في أعماقنا! وماذا ينبغي أن يكون في أعماقنا؟ ما ينبغي أن يكون في أعماقنا هو: "أتحب أن تكون عبداً لله أم لا؟ هل وقفتَ على إنسانيتك وحقيقتك أو لا؟ هل اكتشفتَ هذا الفراغ الكبير فيك أو لا؟.. أيّ فراغ؟ فراغ أنه: "أريد ربّاً يوجّه إلَيّ الأوامر"، وليس أن تكتشف بأن "هناك ربّاً!" فمن المعلوم أن هناك رباً!.. وإنك لا تنمو وتتكامل إن علمتَ أن هناك ربّاً! بل عليك أن تصل إلى مرحلة أنه: "أُحبّ أن أكون عبداً، وأن يوجّه مولاي لي الأوامر!"
  • الله إنّما يوجّه إليك الأوامر ليرى ما يضمره قلبُك؟ فإن تملّصتَ من أوامره اتضح أنك لم تصبح بعدُ عبداً، أو لا تريد أن تصير عبداً!

عندما تولَع في أمر مولاك ونهيه ستحب أن تعتذر منه دوماً

  • إذا بلغتَ يوماً ما مرحلةَ أن تقول: "إلهي، يلذ لي أن تأمرني وتنهاني!" فهذا يعني أنك تحب أن يرسم لك الله حدود الذنب. أتعلم إلى أين ستصل بهذا؟ إنك ستصل إلى حيث تحب أن تطرق باب ربك دوماً قائلاً: "إلهي، أستميحك عذرا!.. لقد عجزتُ عن تنفيذ أوامرك بدقة.. لكن استمر أنت في توجيه الأوامر لي!"
  • إن باستطاعة كل من أحب رؤية مغازلة الله له أن يراها في لحظة خاصة؛ وهي أن يقف على أعتاب ربه مخاطباً إياه: "إلهي، أرجو المعذرة... أعتذر إذ لم أنجز طاعاتي على نحو صحيح... العفو إذ أجرمتُ..." فالله نفسه يقول: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِين» (البقرة/222).

تعليق