الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۸/۰۳/۱۹ چاپ
 

ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟ (المحاضرة8)

الخطوة الثانية لاقتناعنا بالتديّن هي أن نكون "نفعيّين وأنانيين"!/ التديّن هو النفعية!/ الذي لا يطالب بمصالحه لا يمكن التحدث إليه عن الدين/ الدين منهاج لتأمين المصالح؛ مصالح الفرد والجماعة على حد سواء

  • المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
  • الزمان: 13/أيار/2019 ـ 07/رمضان/1440
  • الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
  • A4|A5 :pdf

لقد خلقَنا الله نفعيّين، وإن التدين هو النفعية، لكن أي نفع؟.. القليل أم الكثير؟ لو أردنا أن نضع قيداً للأنانية والنفعية كان علينا القول: "طالب بمصالحك كلها... كُن في أعلى درجات النفعيّة... لا تتغاضَ عن ذرّة من مصالحك!"

كيف نُقنع أنفسنا بالتديّن؟/ كيف نجعل في أنفسنا المقدرة على التديّن؟

  • قد يكون دافع الإنسان للتدين أفضل بكثير من التدين نفسه؛ أي إن نية المرء وحافزه لممارسة السلوك الديني أهم من السلوك ذاته، وإن كان هذا السلوك نفيس في حد ذاته.
  • السؤال هو: كيف نُقنع أنفسنا بالتدين؟ ثم إذا أقنعناها، كيف نجعل في أنفسنا المقدرة على التديّن؟ فالتدين بحاجة إلى مقدرة ومهارة، لا لأنّه صعب إلى أبعد الحدود، بل لأن أعمالاً كالسياقة والسباحة مثلاً هي الأخرى بحاجة إلى مقدرة ومهارة، لكن ما إن يكتسب المرء مهارة هذا العمل فإنه لا يصبح سهلاً عليه فحسب، بل وممتعاً له أيضاً.

التديّن لمن اكتسب المهارة والمقدرة ليس غير صعب فحسب، بل وجذاب أيضاً

  • التدين بحاجة إلى بعض المهارة؛ فأذهاننا مثلاً لا بد أن تعتاد مجموعةً من الأعمال، وأرواحنا ينبغي أن تتعوّد طائفة من النشاطات (كاكتساب الدافع)، هذه هي مهارات التدين. فإن كان العمل بحاجة إلى مهارة خاصة لإنجازه وكان الشخص يفتقد هذه المهارة فسيصعب عليه هذا العمل رغم سهولته. ودين الله تعالى سهل يسير. لكنه صعبٌ على مَن؟ إنه صعب على من لا يتقنه ولم يكتسب المهارة اللازمة له.
  • عندما نتحدث عن اكتساب المقدرة للتدين أو الاقتناع به فلنعلم أن صعوبة التدين هي في اكتساب المهارة من أجله وما إن تُكتسب هذه المهارة حتى تزول الصعوبة، وعندها سيكون التديّن مدعاةً لتسلية المرء؛ شأن السباحة التي إذا تعلمها المرء فسوف لا تزول صعوبتها فحسب، بل ستتحول إلى سبب لتسليته ومتعته.
  • اِعلَم أن ما ينطوي عليه التديّن من تسلية يفوق قطعاً سائر التسالي.. كن على يقين بأنه مُسَلٍّ إلى أبعد الحدود! فإن تعلّمتَ مهارة التدين صِرتَ بطل مسلسل عبوديتك وحياتك، وهو مسلسل جذاب جداً وسيشغل فكرك دوماً حتى لتودّ أن لا يتشتت ذهنك هنا وهناك، كما لو كنت تشاهد مسلسلاً تلفزيونياً جذاباً ولا ترغب أن ينصرف فكرك إلى شيء آخر ولذا تراك تُبعد عنك المؤثرات المشتتة للذهن.

"محاسبة النفس" التي يؤكد عليها الدين هي إحدى مهارات مَنهَجَة الحياة

  • كما مر فإن الخطوة الأولى من أجل أن نقتنع بالتديّن ونكتسب القدرة عليه هي الاقتناع بأن نعيش حياةً مُمَنهجة وأن نكون قادرين على التخطيط؛ أي أن نكتسب مهارة المَنهَجة لحياتنا. و"محاسبة النفس" التي ورد التأكيد عليها في الدين هي جزء من مهارة منهجة الحياة هذه؛ ذلك أن أحد أقسام المنهجة هو أنهم يجعلون لكل منهاج طريقةً لقياس مقدار النجاح فيه؛ أي إنهم يضعون المعايير قائلين: "إذا طبّقتَ هذا المنهاج بشكل صحيح فلا بد أن تخرج بالنتائج التالية..." ثم يضعون طريقة لتقوم أنت بتقييم ما إذا كنتَ قد طبَّقتَ هذا البرنامج بشكل صحيح أو لا.

أين وردَت كلمة "المنهجة" في الدين؟

  • يسأل البعض: "من أين أتيتَ بكلمة "المَنهَجة" وأهميتها في التدين؟!" أقول: ما معنى كلمة "المراقبة" التي تُستعمل في المباحث العرفانية والأخلاقية؟ "التقوى" أساساً تعني المراقبة؛
  • فالمعنى الدقيق للفظة "التقوى" ليس الاتقاء، بل إن معناها الجميل والدقيق هو "المراقبة" تحديداً.. كأنْ نقول: "إياك والنار!" "انتبه لعملك!"، "راقب ربك"...
  • أتلاحظ كم تكرّرَت لفظة "المراقبة" في مباحثنا العرفاني! فالمراقبة قبل العمل تعني المَنهجة. كأن تقول: "راقب نفسك لئلا تُفرّط بالنجاح الذي حصلتَ عليه اليوم!" ويلزم المرءَ للمراقبة عادةً لائحةُ تدقيق يسجل فيها أفعاله وفقاً لخُطّة معيّنة؛ بالضبط كمساعد الطيار الذي يمسك بلائحة تدقيق لمراقبة كل شيء. وللممرضين لائحة فحص يسجلون فيها وضعية المريض. كما أن لبعض أصحاب الدكاكين ورقة يقيّدون فيها مبيعاتهم.

ما هي الخطوة الثانية للاقتناع بالتدين والإقلاع عن المعصية؟

  • كما تقدم فإن الخطوة الأولى هي الاقتناع بمنهجة الحياة، ومن ثم بالطبع "اكتساب القدرة على العيش المُمَنهج" إلى درجة "أن نعتاد العيش وفق برنامج وخطة".
  • ولنتحدث الآن عن الخطوة أو المرحلة الثانية للاقتناع بالتدين وترك المعصية. هدفنا هو إقناع أنفسنا بالكف عن الذنوب وتبسيط هذا الأمر لأنفسنا إلى درجة الاستمتاع بتلَهّينا بعملية "المراقبة لاجتناب الذنب" (المراقبة التي تسمى "التقوى").
  • كما قد بيّنّا سابقاً فإن أساس التدين هو الكف عن المحارم. وإن مخالفة الأقدمين للأنبياء ومحاربتهم إياهم على أمر الله تعالى كان يدور في الأساس حول الكف عن المعاصي. وإلا فلو اقتصر الأمر على الإيمان بالله عز وجل لكان إبليس قد آمن بالله، ولكان قابيل وجميع قتلة الأنبياء ومعارضيهم قد آمنوا به أيضاً! فجميعهم كانوا، بشكل طبيعي، مؤمنين بالله؛ فهذا قاتل أبي عبد الله الحسين(ع) في عصر يوم عاشوراء يطالب القوم بأن يأخذوا منه رأس الحسين(ع) قبل أن تفوته صلاته! فالمشكلة الكبرى لم تكن الإيمان، بل الدين، ومشكلة الدين هي الكف عن المعاصي.

الخطوة الثانية للاقتناع بالكف عن المعصية هي أن يكون الناس نفعِيّين وأنانيين!

  • الخطوة الثانية على طريق الاقتناع بالتديّن والكف عن الذنوب خطوة غريبة جداً، وهي أن يكون الناس نفعيين وأنانيين! فما لم تصبح نفعياً وأنانياً فسوف لا تستطيع ممارسة الدين! لا تبع نفسك... لا تنس نفسك... خُذ مصالحك بعين الاعتبار!
  • الخراف ليست مخلوقات أنانية! فهي تشاهد أنهم يقتادونها الواحد تلو الآخر نحو المسلخ لكنها لا تفر ولا تناضل للبقاء أبداً! فالحيوان مخلوق خُلق من أجل الإنسان وهو ليس أنانياً، أما الإنسان فلقد خُلق لنفسه ولا بد أن يريد نفسَه!

هل "الأنانية" سيّئة حقاً؟!

  • الأنانية في ثقافتنا "سيئة!" لكن لا وجود لهذا المعنى في النصوص الدينية العربية. فأين الآية القرآنية التي توصينا "باجتناب الأنانية؟!" ولماذا أساساً لا نكون أنانيين؟! فلا وجود في الدين لمعنى "بذل النفس!" أقصى درجات بذل النفس إن بَلَغناها هي "الشهادة"، والله يعبّر عن الشهادة بما يشبه "التجارة"؛ فالشهيد هو الذي يشتري اللهُ نفسَه، وهو نفسُه يجني من هذه التجارة ربحاً: «إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِه» (التوبة/111).
  • مع الأسف فإن مفاهيم مثل "الأنانية" "وبذل النفس" في أدبنا لم تُدرَك بشكل صحيح. فالأدب هو الآخر قد يحيد عن مساره ويتعيّن حينها إعادته إليه.

أوَيمكن أن يكون الدين مضراً للإنسان؟

  • حول هذا الموضوع سألني شاب ذات مرة قائلاً: "تقول إن على الإنسان أن يكون نفعياً لا أخلاقي النزعة؟ لكن ماذا لو أضَرَّ الدينُ بالإنسان في موضعٍ ما، أوَيتخلّى الأخير حينئذ عن الدين؟!" لكن أوَيمكن أن يكون الدين مضراً للإنسان؟! هذا السؤال يؤشر على أن الكثير من الركائز المعلوماتية لذهن هذا الشاب فاسدة! أوَيأمرك الله يا ترى: "اِعمَل بما يضرُّك وبما ينفع الدين؟" لكن ما هو الدين كي أعمل بما ينفعه؟ الدين من أوله إلى آخره يعمل بما فيه نفع الإنسان نفسه.
  • أتدري لماذا يترك الناسُ الدينَ؟ لأنهم لا يريدون أنفسهم!... لأنهم لا يبغون مصالحهم! والحق إن الإنسان الذي لا يريد نفسه ولا يسعى وراء منافعه سيشقى. والإنسان الذي لا يريد منفعته ستكون ربع آيات القرآن الكريم – التي تتحدث عن الجنة والنار - غير ذات جدوى له! فالخوف من النار هو صفة من يريد نفسه ولا يرغب في عذابها، والتوق إلى الجنة هو سجية من يريد نفسه ويحب أن يلتذ ويستقر في أفضل مكان في الجنة.

الذي لا يطالب بمصالحه لا يمكن التحدث إليه عن الدين

  • اعمل أنت أوّلاً على تربية طفلك على الأنانية كي أقول له أنا: "هذه هي مصالحك...". فالذي لا يكترث بنَيل منفعة نفسه كيف لي أن أحدّثه عن الدين؟
  • علينا أن نربي الطفل بحيث يبدأ هو بالمطالبة بمنافعه بعيدة الأمد. فإن أخبرتَ طفلاً: "بأنك إن لم تدرس ولم تجتَز مراحل العلم العليا وأمضيتَ وقتك باللهو والتفاهات فإنك ستندم بعد عشر سنوات.." فأجابك: "لا يهمني!" فإن مثل هذا الإنسان الذي لا يأبه بمصالحه بعد عشر سنوات سوف لا يكون متديناً، لأن الدين يريدنا أن نحصل على منافع أكثر.
  • هل سيتطاول الأناني على مصالح غيره؟
  • قد يقول قائل: "الذي ينشأ أنانياً سيتطاول على مصالح غيره لبلوغ مصالحه." حسنٌ، علينا توخّي الحذر لمنع حصول هذا. فكما تحثنا الأحاديث الشريفة على تأمين مصالح أنفسنا فإنها تطالبنا باحترام مصالح الآخرين؛ إذ يقول أمير المؤمنين(ع): «فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ وَلا تَظْلِمْ كَمَا لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَم» (تحف العقول/ ص74).
  • الذي يرى لنفسه ولمصالحه قيمة يستطيع أن يدرك أن للآخرين مصالحهم أيضاً؛ أي إنه سيعطي الآخرين الحق ويحرص على مصالحهم.
  • أوّلاً تربَّ أنتَ أنانياً ونفعيّاً كي أستطيع أنا أن أتلو عليك هذا الحديث: «أحبب لغيرك ما تحب لنفسك!» فالذي لا يطلب لنفسه المنفعة، بل ويريد لها التعاسة فمن المؤكد أنه سيطلب التعاسة لغيره أيضاً. والذي قد عمل على تحطيم نفسه فإنه يود لو يحطم الآخرون أنفسَهم؛ بالضبط كالمدمن (على المخدرات) الذي انحدر بنفسه إلى الحضيض ويريد جرّ الآخرين إلى الإدمان أيضاً.

إذا لم تأخذ منفعة الآخرين في عين الاعتبار خسرتَ!

  • إن قلنا لأحدهم: "لا تنظر إلى مصلحتك فقط، وانظر إلى مصالح الآخرين أيضاً" لم يكن كلامنا صحيحاً ودقيقاً. فالأدق أن نقول: "إن ألحقتَ بأحد ضرراً عاد الضرر عليك في النهاية". حتى أنه رُوي عن أمير المؤمنين(ع) قوله: «مَا أَحْسَنْتُ إلَى أَحَدٍ» فلما سمع الناس قوله(ع) رفعوا رؤوسهم تعجباً من قوله، فتلا(ع) الآية: «إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا» (الإسراء/7) (نثر الدر/ ج1/ ص293، وتفسير جوامع الجامع/ ج2/ ص318).
  • إن لم تأخذ منفعة الآخرين بعين الاعتبار خسرت. فنحن إذن بحاجة إلى الاهتمام بمصالح الآخرين أيضاً؛ فعندما تتصدق مثلاً عليك أن تعلم أن صدقتك تنفعك أنت كذلك، فلا داعي إذن لأن تمُنّ بسببها! ففي الحديث إن الثري إذا أعطى أحداً مالاً كان كالحمال الذي ألقى حمله على كاهل غيره. إذن الغني الذي لا يساعد الآخرين هو كالحمال الذي ينوء دائماً بحِملِه أينما ذهب ولا يطرحه أرضاً إلى أن يموت! «وَإِذَا وَجَدْتَ مِنْ أَهْلِ الْفَاقَةِ مَنْ يَحْمِلُ لَكَ زَادَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُوَافِيكَ بِهِ غَداً حَيْثُ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَاغْتَنِمْهُ وَحَمِّلْهُ إِيَّاهُ وَأَكْثِرْ مِنْ تَزْوِيدِهِ وَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَلَعَلَّكَ تَطْلُبُهُ فَلا تَجِدُهُ وَاغْتَنِمْ مَنِ اسْتَقْرَضَكَ فِي حَالِ غِنَاكَ لِيَجْعَلَ قَضَاءَهُ لَكَ فِي يَوْمِ عُسْرَتِك» (نهج البلاغة/ الرسالة31).
  • فعندما تدفع مالك للفقير فإنك في الواقع تقول له: "إنني غير قادر على حمل هذا المال إلى يوم القيامة أما أنت فتستطيع حمله لي، فهلا أتيتَ لي به إلى هناك؟" فما من أحد باستطاعته حمل ماله معه إلى يوم القيامة، إلا أن يدفعه لشخص آخر ليأتيه به! هذا هو منطق ديننا.

لا تتغاض عن منفعتك قيد شعرة وإلا قسا قلبُك بالمقادر ذاته!

  • تفحّص أدعية أئمة الهدى(ع) وستلاحظ أن أسلوبها نفعي أكثر منه غرامي! لكن أي نفع؟.. القليل أم الكثير؟ لو أردنا أن نضع قيداً للأنانية والنفعية كان علينا القول: "طالب بمصالحك كلها... كُن في أعلى درجات النفعيّة... لا تعدِل عن ذرة من مصالحك!"
  • طالب بكل ما هو في صالحك في هذا العالم.. لا تتغاضَ عن منفعتك قيد شعرة وإلا قسا قلبُك واسوَدَّ بالمقدار ذاته!
  • إنّ من الخطأ أن نتخيل أننا إذا غدونا نفعيين قسَت قلوبُنا! بل إن القاسي القلب هو الذي يتغاضى عن قسم من منافعه!
  • لا بد لنفعيتنا أن تكون مطلقة. فلقد خلقَنا الله نفعيين، وإن التدين هو النفعية تحديداً.

الدين منهاج لتأمين مصالح الفرد ومصالح الجماعة على حد سواء

  • لقد وصلت بنا الأمور - مع الأسف - إلى أن البعض أخذ يتهم الثوريين – الذين أصبحوا ثوريين بسبب تدينهم – بأن: "ثوريتكم جعلتكم تتغاضون عن مصالحكم الوطنية!" في حين أنه لم يصبح هذا الثوري ثورياً إلا لإبائه التنازل عن ذرة من مصالحه للأعادي. أما المستسلم فهو على استعداد للتنازل للعدو عن مصالحه، بل وليصبح مطيّتَه أيضاً! فلو كنا متدينين حقاً لأبَينا التغاضي عن شعرة من مصالحنا للأعادي أو التراجع أمامهم.
  • الدين يجعل المرء حريصاً على منفعته حرصاً يجعله يُفني كل من يحاول استلابها. والله عز وجل لا يطلب منا أبداً التنازل عن مصالحنا من أجل ديننا! بل إن الدين – بالمناسبة – هو منهاج لتأمين المصالح؛ سواء مصالح الفرد أو الجماعة.

الحكمة من أوامر الله هي أن لا تتضرّر أنت

  • روي عن أمير المؤمنين(ع) قوله: «إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَلَقَ خَلْقَهُ أَرَادَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى آدَابٍ رَفِيعَةٍ وَأَخْلاقٍ‏ شَرِيفَةٍ، فَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ إِلاّ بِأَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا لَهُمْ [ما ينفعهم] وَمَا عَلَيْهِمْ [ما يضرّهم] وَالتَّعْرِيفُ لا يَكُونُ إِلاّ بِالأَمْرِ وَالنَّهْي» (الاحتجاج/ ج1/ ص207).
  • فلماذا يوجّه الله إلينا الأوامر أساساً؟ يوجّهها لأجل مصالحنا. فما الأمر الذي تريد أن يوجَّه إليك إن لم تكن نفعيّ النزعة؟! فإن الحكمة من أوامر الله هي أن لا تتضرّر أنت.

منطق القرآن الكريم هو: الصوم والصدقة والجهاد هي في صالحك!

  • منطق القرآن الكريم هو أن صومك هو في صالحك، إن أدركتَ ذلك! «وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون» (البقرة/184). وفي آية أخرى إنّ تصدقك خير لك إن كنت تعلم: «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون» (البقرة/280)؛ ففي التصدق منفعة للإنسان، ولأن الله يريد لك هذه المنفعة فإنه يقول لك: "تصدّق".
  • عندما يرى المرء أن باستطاعته مساعدة مؤمن فلا بد أن يُسَرّ لذلك ويرغب في هذا الفعل لأن فيه نفعه. هكذا هي قوانين العالم.
  • يقول عز من قائل في آية أخرى: «انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي‏ سَبيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون» (التوبة/41).
  • لاحظ المنطق القرآني.. إنه يقول: «فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيل» (يونس/108)؛ أي: يا أيها النبي، قل للناس إن من اهتدى فقد اهتدى لصالح نفسه ومن ضلَّ فإنه يضُرّ نفسَه، وما أنا عليكم بوكيل ولا حارس! أي عليكم أن تهتموا أنتم بأنفسكم! وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم مراراً، وهو قوله: "يا أيها النبي، قل للناس أنني لست عليكم بوكيل" فاعتنوا أنتم بمصالح أنفسكم.
  • يقول تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْها» (فُصّلت/46)؛ أي مَن عمل خيراً فعمله لمصلحته، ومن عمل سوءاً فقد أضرَّ بنفسه. نعم الجواب على السؤال: "لماذا هذا الفعل خير لنا ولصالحنا؟" قد يكون معقّداً بعض الشيء، إلا أن البعيد عن الأنانية والنفعية لا يفهم أصلاً هذه الأمور لأنه قد تنازل عن منافعه!

المتجاهر بالفسق يضر بالمجتمع

  • لو كانت أدبياتنا الدينية في مجتمعنا سليمة لأدركنا أن المتجاهر بالفسق أمام الناس يضرّ – في الحقيقة - بالمجتمع كله؛ بالضبط كمن يستمر بالضغط على زر منبّه السيارة محطّماً أعصاب الناس، فلا بد من منع شخص كهذا من هذا الفعل لأنه يؤذي الآخرين. فلو كانت أدبياتنا الدينية سليمة لاصطدمنا مع كل متجاهر بالفسق بهذه الطريقة.
  • المتجاهر بالفسق لا يملك أن يقول: "لستُ على هذه العقيدة!" وهل يُسمَح لك، يا هذا، بالتصرف بما يضر بالآخرين يا ترى؟! هل الأمر باختيارك أنت؟!
  • الدين شيء يصب في مصلحتنا، والمُعلِن لفسقه إنما يضر بالمجتمع كله. فكيف يا ترى يُتصرَّف في باقي أنحاء العالم مع من يُلحق الضرر بالمجتمع كله؟!

الذي يعلن الفسق في المجتمع لا يملك القول: "هذا ما أؤمن به!"

  • الذي يتجاهر بالفسق في المجتمع لا يملك أن يقول تبريراً لتصرفه: "هذا ما أؤمن به، والدين مسألة شخصية!" فهو كمَن يهدم جدار داري قائلاً: "إنها مسألة شخصية وذوقية!" أو كمن يسرق مالي قائلاً: "السرقة برأيي ليست عملاً قبيحاً!"
  • لماذا نقدم الدين للناس "كاعتقاد محض" كي ينبري بعضهم للقول: "كل امرئ وما يعتقد به!" أجل، كل امرئ وما يعتقد به، لكنك تعلم يا هذا أن عليك الوقوف عند الإشارة الضوئية! إذ ليس من حقك إشاعة الفوضى في المدينة! والذي يتجاوز على الخط السريع السرعة المقررة (120 كم بالساعة مثلاً) لا يحق له الاعتراض على شرطي المرور أنْ: "في اعتقادي أن مَن يتجاوز سرعة 120 لا يستحق التغريم، فأعلى سرعة مُجازة في نظري هي 140!" وهل أمثال هذه الأشياء هي بالرأي والاعتقاد؟! وهل الدين معتقَد شخصي؟! الدين منفعة! أتدري في مصلحة من يصب قولك: "الدين عقيدة شخصية"؟ إنه يصب في مصلحة جميع الفساق!

تعليق