الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۸/۰۴/۱۷ چاپ
 

ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟(المحاضرة13)

قبل أن نتدين علينا أن نعلم أننا نعيش في "عالم منظّم"/ بعض آثار ونتائج الذنوب يمكن لمسها حتى خارج نطاق الدين/ أول مقترح يقترحه الدين للتعامل مع هذا العالم المنظم هو "التعود على الحذر والمراقبة"

  • المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
  • الزمان: 18/أيار/2019 ـ 12/رمضان/1440
  • الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
  • A4|A5 :pdf

عالمنا هو عالم يتعين العيش وفق ضوابطه ولا يمكن أن يعيش المرء مخالفاً لها. نعم يحاول البعض تناسي هذه الضوابط كي يعيش براحة أكبر، وهذه ليست طريقة سليمة وهي تضر بالإنسان أيما ضرر. الطريقة التي يقترحها الدين هي أن نلتمس الراحة في التعوّد على الحذر والمراقبة واحترام قوانين العالم وضوابطه.

قبل أن نتجه صوب الدين علينا أن نعلم أننا نعيش في عالَم منظَّم أموره محسوبة

  • من العوامل التي تمنحنا توجّهاً إيجابياً نحو الدين هو أن نعرف أنه: في أي عالم نعيش؟ ومن العوامل التي تثير فينا الحساسية تجاه المعصية هي أن نعرف أنه: في أي عالم نعيش؟ إننا نعيش في عالم هو في منتهى التنظيم، أموره محسوبة بدقة، وله ردود أفعال. وإن آثار الفوضى التي نخلقها فيه تحيق بنا بالكامل. فليس في مقدورنا إذن أن لا نتكيف مع هذا العالم المنظم غاية التنظيم.
  • قبل أن نتّجه نحو الدين علينا أن نعرف أين نعيش؟ هذا العالم ليس عالماً فوضوياً، بل هو منظّم بكل معنى الكلمة. إننا نعيش في عالم منظم كهذا وليس في مقدورنا أن نمارس فيه أي تصرف!
  • بالطبع القبول بمثل هذا العالم المعقد والمنظم جداً والذي تحكمه القوانين صعب بعض الشيء والناس بطبيعة الحال تحب عدم الاكتراث بهذه القوانين كي ترتاح، في حين أن عدم الاهتمام بهذا الموضوع يضر بالإنسان.

قبل أن نتدين علينا أن نقتنع بأنه ليس من حقنا في هذا العالم المنظم أن نمارس ما نشاء

  • علينا أن نقتنع قبل الدخول في الدين بأنه ليس من حقنا أن نمارس ما نشاء في هذا العالم المنظّم!.. لا ينبغي أن نظن أن الحياة تدار بالصُدَف! فهذا العالم محسوبة أموره حساباً، ولا بد لتصرفاتنا عندما نعيش فيه أن تكون محسوبة، لأن ردود الأفعال على تصرفاتنا ستنعكس ضدنا.
  • يجب أن نماشي الطبيعة لأننا نحيا معها. فلا نستطيع أن نتعامل مع الطبيعة بالطريقة التي تطيب لنا؛ ذلك أن ردود أفعالها وآثارها السلبية ستنعكس علينا نحن. فالنوم بين الطلوعين مثلاً مضر بصاحبه كل ضرر وهو أشبه بضربات موجعة يوجّهها الإنسان لجسمه ودماغه وأعصابه! فهذه الطبيعة على أية حال تدفعنا إلى مجموعة من التصرفات ولا يسعنا أن نعاملها بعدم اكتراث.
  • لا يستطيع الأبوان أن يعاملا أطفالهما بالطريقة التي تحلو لهما، بل ولا يحق لأحدهما أن يتصرف مع الآخر أو يكلّمه أمام أنظار الأولاد كما يحب، ذلك لأن ردود أفعال هذه السلوكيات ستنعكس عليهما هما وستخلق للأبوين أنفسهم ظروفاً صعبة.

قواعد العالم المعقدة لا تسمح للإنسان أن يتصرف كما يلذ له!

  • لو كنا نحمل طموحاً عالياً جداً فيما يتصل بمصالحنا، ولو كنا نرغب في الحصول على منافعنا كلها وبلوغ قمة الازدهار، ولو لم يكسّر أحد أجنحتنا، ولو لم نكبُر ونحن عديمي الشخصية، ولم نَقنَع بالقليل، ولو كنا من هواة التسابق - لو توفر فينا كل هذا فلا بد أيضاً أن نعرف العالم الذي نحن نعيش فيه! فلو أدركنا حقاً أنه في أي عالم منظّم نحن نعيش لعرفنا أنه لا ينبغي أن يبدر منا ولو تصرف واحد غير مدروس. وهل يجوز فعل أي شيء في عالم كهذا؟! وهل تتيح لنا قوانين الفيزياء أن نفعل في هذا العالم ما نشاء؟! فما كل هذه الجامعات وما كل هؤلاء العلماء إلا ليتعرفوا على قواعد الطبيعة ويدرسوها قليلاً ليتمكن سكان الأرض من أن يحسّنوا أوضاع حياتهم تحت قوانين هذا العالم المعقدة. وإنها لقوانين خاصة لا ترضخ لأي بشر أبداً وليس فيها أي مرونة على الإطلاق.

من الممكن معرفة آثار بعض المعاصي حتى خارج نطاق الدين

  • إن من المتيسر دراسة آثار ونتائج بعض التصرفات والمعاصي حتى خارج نطاق الدين. فالآثار السلبية لقضايا من مثل "عدم التحجّب"، "والتفكير في المعصية" هي مما يمكن معرفته وقياسه فسلجياً بكل دقة، ولو شمّرَت جامعاتنا عن سواعدها لأمكنها الحصول على نتائج هذه الأمور، بالضبط كما تتم مشاهدة آثار الكذب بوضع بضع متحسسات على جسد الإنسان.
  • لا ينبغي أن نغتر بقوة الشباب وعنفوانه فنفعل بأنفسنا في هذه المرحلة من العمر ما يستنزف هذه الطاقة فينا! فمثلاً يجب أن نعلم أنه ليست كل موسيقى هي مناسبة لروح الإنسان، وأن لبعض ألوان الموسيقى آثاراً سيئة على جسم الإنسان وأعصابه وروحه.
  • من ناحية أخرى فإن تعاليم الدين العبادية؛ مثل الصلاة، وقيام الليل، وإطالة السجود، ومدّ القنوت، وصلاة الليل، ..الخ، لها آثار إيجابية حتى على جسد الإنسان. إذن حتى الجوانب الفيزيائية لهذه العبادات يمكن دراستها. فقد جاء في الحديث أن لصلاة الليل والتبكير في الاستيقاظ أثراً في سلامة البدن: «قِيَامُ اللَّيلِ مَصَحَّةٌ لِلبَدَن» (المحاسن/ ج1/ ص53). وجاء أيضاً: «صَلاةُ اللَّيلِ مَرضَاةٌ لِلرَّبِّ.... وَرَاحَةُ الأَبدَانِ» (إرشاد القلوب/ ج1/ ص191). وأملنا في الأطباء والفيزيائيين والكيمياويين وبعض متخصصي العلوم الأخرى أن يعملوا مع مرور الزمن على إثبات الآثار الإيجابية للعبادات.

أول مقترح يقترحه الدين للتعامل مع هذا العالم المنظّم هو "التعود على المراقبة"

  • نحن نعيش في عالم منظّم ومحسوبة أموره إلى أبعد الحدود وعلينا أن نعرف الطريقة التي علينا اختيارها للتعامل مع هذا العالم؟ يقول البعض ليريح باله: "دعونا ننسى من الأساس أن هذا العالم منظّم إلى هذا الحد!" وهذا أسلوب خاطئ بالتأكيد؛ ذلك أن الآثار السلبية لعدم الاكتراث لنظام هذا العالم إنما تنعكس علينا نحن، ولهذا فلا يمكننا التعامل مع هذه القضية بلاأبالية والتصرف بالشكل الذي نهواه.
  • يقترح الدين علينا مقترحان: الأول هو أن نفعل ما يسهّل علينا مراقبة ومراعاة قواعد حياتنا في هذا العالم، لا أن نسهّل حياتنا من خلال تناسي قوانينه! كأن نستمتع بحياتنا – مثلاً – من خلال التعوّد على تناول الأطعمة المغذية السليمة عوضاً عن الاستمتاع بها من خلال تناول كل ما يلذ لنا تناوله. فهذا القرآن الكريم يخاطبنا: «فَليَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ» (عبس/24) أي فليدقق فيما يأكله!
  • المقترح الأول الذي يقدمه الدين هو أن تعمل لمدة من الزمن على التخطيط لاحترام قوانين هذا العالم حتى يصبح مهارة من مهاراتك. يقول إمامنا الباقر(ع): «عَوِّدُوا أَنفُسَكُم الخَيْرَ» (الخرائج/ ج2/ ص596)، فإذا عودت نفسك على فعل الأمور الحسنة فستسهل عليك الكثير من الأمور. فمن أجل تعلّم قيادة السيارة مثلاً يتحتم عليك أن تكتسب مهارة استعمال دواستي المكابح والقابض وناقل الحركة كل في وقته المناسب. فإنه بعد أن تكتسب هذه المهارة ستقود السيارة بكل سهولة، وليس أن تقود السيارة كما يحلو لك دون اكتساب أي مهارة، لأنك في هذه الحالة ستتكبد ضرراً جسيماً.
  • عالمنا عالمٌ يتعيّن العيش وفقاً لضوابطه ولا يمكن أن يعيش المرء مخالفاً لها. نعم يحاول البعض تناسي هذه الضوابط كي ينعم بعيش أكثر راحة وهذه ليست طريقة سليمة للحياة وهي تضر بالإنسان أيما ضرر.

فلنفتش عن الراحة في التعوّد على المراقبة واحترام قوانين العالم وقواعده

  • الطريقة التي يقترحها الدين هي التفتيش عن الراحة في التعوّد على المراقبة واحترام قوانين العالم وقواعده. على أنه لا ينبغي انتهاج طرق المرتاضين الهنود بحجة احترام هذه القوانين، ولا الإفراط الشديد في المراقبة؛ فإن للمراقبة حدوداً خاصة وضوابط معيّنة، ولا يجوز للمرء أن يقسو على نفسه في عملية المراقبة.
  • حينما يأمرنا الدين بأوامر ويسمّي عدم امتثالنا لها معصية فلا بد أن نعلم أن العلة من وراء أوامره هي أن هذا العالم يحكمه نظام صارم ومحسوب بدقة. إنك غير قادر على أن تعيش في هذا العالم من دون نظام!.. حتى الحيوانات لا تحيا من دون نظام؛ القطط على سبيل المثال تصاب أحياناً بنوع من الأمراض ولا بد أن تجد طعاماً أو نبتة خاصة تأكلها لتشفى من مرضها، فإذا بغريزتها تدلها على البحث عن هذا الطعام وتناوله لتبرأ من المرض! أما فيما يخص الإنسان فقد تُرك له الخيار لكي يعرف الأشياء المفيدة والصالحة له. ومن هنا يقول تعالى في محكم كتابه: «فَليَنْظُرِ الإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ» (عبس/24)؛ أي عليه أن يتفحص ما يأكله ويتمعّن فيه. والذين يتحرّون الدقة فيما يأكلون تراهم يخرجون بنتائج جيدة (فيما يتصل بصحة أبدانهم وأرواحهم).

المقترح الثاني للدين: لُذ بأحضان الله كي يمحو خطيئاتك

  • إذن المقترح الأول الذي يقترحه الدين هو: إذا أحببت أن تحيا مرتاح البال "فعليك اكتساب مهارة الضبط والمراقبة". لكن هناك للدين مقترح آخر أجمل من هذا بكثير؛ فهو يقول لك: "إذا كان العيش في هذا العالم المنظم للغاية شاقاً عليك فافعل كما كنت تفعل في أيام الصبا حينما كنت تلوذ بأحضان أمك متى ما أفسدتَ شيئاً لتعمل هي على تدارك ما أفسدتَ أنت (فتغير لك ثيابك، و..) فارتمِ الآن أيضاً في أحضان الله ولُذ به ليبدّد لك هواجسَك ويصلح ما أفسدتَ بخطيئاتك.
  • يقول الله عز وجل لك: "إذا كان العيش في هذا العالم المنظّم والمعقد شاقاً عليك فتعالَ وعش معي! وسآخذ بيدك بنفسي.. سأتدارك أنا ما أفسدتَ!"
  • هل في مقدور الله إذا ما تناولنا طعاماً غير سليم أن يحمينا من آثاره السيئة؟ أجل، فبالدعاء والذكر قد يتم إصلاح ما أفسدناه حتى في مجال الطعام والشراب، وذلك بأن يكتسب المرء طاقة روحية ومعنوية بإمكانها أن تعوّض ما نقَص الطاقة المادية التي كان ينبغي أن يكتسبها جسمه.

للإنسان قوى عديدة ومتنوعة/ مصدر قوة المؤمن ليس طعامه، بل نيّته

  • مصدر قوة المؤمن - كما في الحديث – ليس طعامه، بل نيته: «إِنَّ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ. أَلا تَرَوْنَ أَنَّكُمْ تَجِدُونَهُ ضَعِیفَ الْبَدَنِ نَحِیفَ الْجِسْمِ وَهُوَ یَقُومُ اللَّیْلَ وَیَصُومُ النَّهَار» (من لا يحضره الفقيه/ ج3/ ص560). فإذا قويَت نية الإنسان استطاعَ أن يحمّل بدنَه الأضعاف من الأعمال.
  • سُئل أمير المؤمنين(ع) عما إذا كانت القوة التي اقتلع بها باب خيبر قوة جسدية فكان جوابه أنها كانت قوة روحية؛ «مَا قَلَعْتُ بَابَ خَیْبَرَ وَرَمَیْتُ بِهِ خَلْفَ ظَهْرِي أَرْبَعِینَ ذِرَاعاً بِقُوَّةٍ جَسَدِیَّةٍ وَلا حَرَكَةٍ غِذَائِیَّةٍ لَكِنِّي أُیِّدْتُ بِقُوَّةٍ مَلَكُوتِیَّةٍ وَنَفْسٍ بِنُورِ رَبِّهَا مُضِیئَة» (أمالي الصدوق/ ص514). كما سُئل(ع) عن أنه كيف تصرع أعداءك الأشداء أرضاً وتنتصر عليهم؟ فكان جوابه أني - في البدء – أغلبهم بما لي من هيبة في نفوسهم ثم أعالجهم بالسيف؛ أي إني أشل عدوي أولا بنظرة شديدة مني، فتكون ضربة السيف في عدو مشلول متهالك أمراً يسيراً! «وَقِیلَ لأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ(ع) بِمَ غَلَبْتَ الأَقْرَانَ؟ قَالَ: بِتَمَكُّنِ هَیْبَتِي فِي قُلُوبِهِمْ» (مناقب آل أبي طالب/ ج2/ ص116).
  • للإنسان قوى عديدة ومتنوعة. فلا تعجب إذا عرفت أن ابن سينا كان إذا أراد حل مسألة علمية معضلة صلّى ركعتين ثم بدأ يحلّها!

العالم وكيان الإنسان كلاهما له نظام دقيق جداً؛ إذن نحن بحاجة إلى منهاج دقيق جداً

  • عالمنا عالم منظّم إلى أبعد الحدود، كما أن كيان الإنسان كيان معقد للغاية، ولا بد لنا من التعامل مع هاتين المنظومتين: منظومة كيان الإنسان (روحه وجسمه)، ومنظومة الطبيعة! إذن نحن بحاجة إلى خطة دقيقة ومُحكمة.
  • لا بد أن تزودني بكراس يخبرني بما أصنع. من هنا ترى ديننا قد أعد منهاجاً يستوعب حتى أضأل شؤون الحياة. فلقد وضع – على سبيل المثال – لآداب كنس الدار تعليمات؛ ففي الحديث إنك إن لم تنظف الدار بطريقة كذا فسيدخلها الشيطان، وإن لم تقلّم أظفارك في الوقت المناسب دخل تحتها الشيطان، ..الخ. ويذهب بعض المفسرين إلى أن "الشيطان" في هذه الأحاديث يعني الميكروب نفسه؛ أي الشيء المؤذي لحياة الإنسان.
  • كان الشهيد الكبير الدكتور باكنجاد قد ألّف قبل الثورة كتاباً تحت عنوان "اولین دانشگاه، آخرین پیامبر" (الجامعة الأولى، النبي الخاتم) جمع فيه نتائج الدراسات العلمية حول آثار وفوائد بعض تعاليم الدين الإسلامي. وكنا نأمل أن يصار بعد انتصار الثورة إلى المزيد من الأعمال في هذا المجال لكن هذا لم يحصل مع الأسف.
  • انظر كم من الآداب ذُكرت في تراثنا الحديثي حول تناول الطعام! فكم قد أوصي بتناول الخضار مع الطعام!.. لاحظ أي آداب وتوصيات وردت في تناول البصل واللحم! بل حول كيفية طهي اللحم، سلقاً أو شَيّاً مثلاً! لماذا لا ننظر إلى تعاليم الدين هذه من زاوية صحية طبية أو من منطلق العلوم التجريبية؟!
  • يوصى في أكل التمر مثلاً أن يؤكَل عدد فردي من حبات التمر لا زوجي (تمرة واحدة أو ثلاث تمرات مثلاً). ولو تحدثت بهذا إلى بعض الجُهّال فقد يسخرون منك، لأنهم لا يفقهون إلى أي مدى هذا العالم منظّم، أما إذا كلّمتَ به عالماً متخصصاً فسيغوص في أفكاره ويدرس الموضوع للوقوف على أسبابه. ولقد اكتشفوا علل الكثير من التوصيات الدينية عن طريق العلوم التجريبية.
  • إننا إذا تناولنا طعامنا من دون قيود ونمنا وصحونا بلا ضوابط وتصرفنا بانفلات لذهبت عقولنا شيئاً فشيئاً. ففي الحديث إن مقترف المعصية يذهب من عقله بما يتناسب والمعصية التي اقترفها: «مَن قَارَفَ ذَنباً فَارَقَهُ عَقلٌ لا یَرجِعُ إلَیهِ أبداً» (ميزان الحكمة/ الرواية6751).

هناك طريقتان لكي لا تصعب علينا الحياة في هذا العالم المعقد والمنظّم:

  • الذي يرغب في قبول الدين والاقتناع بموضوع "ترك المعصية"، الذي هو العقدة الأساسية لقصة الدين، عليه أولاً أن يقتنع بأنه يعيش في عالم في منتهى التنظيم وأن ردود أفعال هذا العالم تنعكس عليه هو.
  • إن قلتَ: "إن الحياة صعبة شاقة علينا مع كل هذا التعقيد والتنظيم الموجود في البيئة من حولنا!" نقول لك: "هناك طريقتان لإزالة هذه الصعوبة: الأولى أن تداوم على المراقبة وتعوّد نفسك احترام هذه القوانين المنظَّمة. والثانية هي أن الطفل إذا عاش مع أمه لم تصعب عليه الحياة، فعِش أنت أيضاً مع الله تعالى، فإنه سيوفر لك الملاذ ويصلح ما تفسده باستمرار. فإن أخطأت ونمت بين الطلوعين مثلاً فاستغفر الله علّه يتلافى خطأك. بل إن الله موجود لهذا الغرض تحديداً.. فالله لم يتركك قط كي ينظر إليك غير مبالٍ قائلاً: "ما شأني أنا؟! لولا توخّيتَ الحذر!" فإن الله يرعى عبده أكثر بكثير من رعاية الأم الشفوق الحنون لولدها.
  • ثم لا تظن أنك كبرت ولست بحاجة إلى الله! إنك أصغر بكثير من أن تستقل عن الله تعالى.. إنك عاجز عن الافتراق عنه عز وجل لحظة واحدة! إذن فلُذ به دائماً!
  • يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: «إِنَّا کُلَّ شَیْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» (القمر/49)؛ أي خلقناه بمقدار معيّن محسوب بكل دقة! ويقول أيضاً: «قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَیْ‏ءٍ قَدْراً» (الطلاق/3)؛ أي مقداراً معيّناً. فإنك تعيش في عالم كل شيء فيه موجود بمقدار محدد، ولا يحق لك أن تتصرف فيه من دون مقدار ونسبة معيّنة. هذا ناهيك عن أن لجميع أفعالنا ردودَ أفعال يتم تسجيلها جميعاً في هذا العالم.
  • علينا أن ننظر إلى العالم على اعتبار أنه عالم منظّم، شديد الإحكام، بالغ التعقيد والصرامة والانضباط قائم من حولنا ثم نبدأ فيه بانتهاج سلوك مشوب بالحذر! بالضبط كالحذر الذي نتوخّاه لدى قيادتنا السيارة وسط شوارع مكتظة. تخيّل كم من الحوادث ستحصل لو أننا لم نتحرَّ الحذر والدقة أثناء القيادة!
  • الدين لم يُصمَّم إلا لأجواء منظّمة منضبطة كهذه، ولو أننا أهملنا المراقبة ولم نحذر في مثل هذا العالم المنظّم ولم نعتبر أن الله وأنبياءه هم من يعلّمنا الحذر ويرشدنا لانتهاج هذه المراقبة لواجهنا في تديّننا صعوبة! ولو لم نضع تنظيم العالم وكون أموره محسوبة بدقة بعين الاعتبار لكان من العسير علينا إقناع الناس والشباب حتى ببديهيات الدين الأولية.

تعليق