الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۹۸/۰۵/۰۲ چاپ
 

مقتطفات من كتاب العبد والمولى ـ القسم التاسع

ما دمنا نحب الدنيا، فإننا ما زلنا غير مدركين للعلاقة بالله تعالى.

 إن لم يُعرِّف إنسانٌ نفسَه وفق لعلاقته مع الله فقد أضاع هويّته.

لقد نُظِّم وجود ابن آدم على نحو بحيث لا بد أن يرى نفسه منخرطاً في علاقة تَشغلُه.

لزوم الرياضة الروحية لفهم العلاقة بالله

يقول أمير المؤمنين ×: «كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ‏ وَاللَّيْلَ لا يَجْتَمِعَانِ‏ كَذَلِكَ حُبُّ اللهِ وَحُبُّ الدُّنْيَا لا يَجْتَمِعَان» . فلا بد أن يخلو القلب تماماً من محبة الدنيا كي يستوعب محبة الله. ولقد وردت بهذا المضمون أحاديث متعددة. إذن ما دمنا نحب الدنيا، فإننا ما زلنا غير مدركين للعلاقة بالله تعالى. لماذا ندّعي هذا كذباً؟! فاكتشاف هذه العلاقة بحاجة إلى رياضة روحية. فإن عليك أن تتزوّج وأن تصير أباً كي تفهم معنى «العلاقة بالأولاد»، ولا يسعك أن تزعم، هكذا، أنك تُدرك هذه العلاقة. 

إذن فكيف لنا أن ندّعي أننا ندرك العلاقة بالله تعالى؟ وهي العلاقة التي إنّما خُلقنا من أجل إدراكها!

إنّ اكتشاف هذه العلاقة وممارستها أمر صعب، فلا هي بمرئية ولا نحن بقادرين على لمسها بسهولة بما نحمله من عواطف. نعم قد تتوهّج في أرواحنا أحياناً وَمضة آنيّة أو شرارة عابرة فنشعر وكأنّ أحداً ما خلف الستار هو ملجؤنا وملاذنا، غير أن هذه الشرارة ليست هي تلك العلاقة التي ينبغي أن تقوم بيني وبينه، فالأخيرة لا بد أن تمدّني بالطاقة، وتُشعرني بالأمن، بل وينعم وجودي في ظلها بالحيوية، وأصل إلى حيث أُعَرِّف هويتي بها قائلاً: «ما دامت تربطني به علاقة فإني موجود».

حاجة الإنسان إلى إدراك الصلة بالله

الارتباط بالله هو من صنوف العلائق التي أحتاجُها كإنسان ويتعيّن عليَّ أن أفتّش عن هويّتي في إطارها. فإن لم يُعرِّف إنسانٌ نفسَه وفق هذه العلاقة فقد أضاع هويّته. ولا يختلف الأمر مهما قال هو في نفسه، فهو لم يدرك حقيقته بعد. فإن لم يُعرِّف الإنسان نفسَه كعبد مرتبط بمولاه، ورأى نفسَه بعناوين أخرى، لم يحصل على تعريف دقيق لذاته.

هذه العلاقة بالذات هي الأكثر أصالةً من بين كل ما يمكن تصوّره للإنسان في هذا العالم من علائق. ولربما أعانتنا الحوادث على اكتشافها؛ إذ يخبرنا الباري عزّ وجل في محكم كتابه العزيز أنّ البحر يهيج في بعض الأوقات فيُشرف المُبحِر في وسطه على الهلاك وإذا به، في تلك اللحظات، ينادي ربه بكل إخلاص . بل هذه أساساً هي إحدى سبل معرفة الله، إذ حينما تتقطّع جميع علائقك وأواصرك سيكتشف قلبُك للتوّ علاقةً هي بذات الباري تعالى وقدرته اللامتناهية. ولا بد لهذه الومضات الخاطفة، التي تشاهَد كما البرق والرعد في حياة ابن آدم، أن تتحوّل إلى نبراس دائمي لا ينطفئ ولا يأفُل.

لماذا يَعْلَق المرء ببعض العلاقات؟

يعْلَق بعض الشباب أحياناً بضرب من العلائق كالعلاقة بالجنس الآخر. فإذا استقطبَت علاقةٌ ما اهتمامَهم فجأةً وضعوا لها عناوين من مثل «العشق»، والحال أن الإمام الصادق × يشير في حديث له إلى أن الإنسان إذا لم يملأ قلبَه بمحبة الله عزّ وجل ولم يُعرِّف وجودَه جيداً في ضوء صلته بربّه، ألقى الله محبة غيره في فؤاده،  وإذا به يرى وجودَه كُلّه رهناً بعلاقة هو عالق فيها. يظن هذا الشاب أنه وقع في حب دون أن يدري أنه مقصّر في عبوديّته وهو يدفع ثمن تقصيره هذا. فلقد نُظِّم وجود ابن آدم على نحو بحيث لا بد أن يرى نفسه منخرطاً في علاقة تَشغلُه.

تشبيه الصلة بالله بعلاقة الطفل بأبيه

السؤال هو: ما طبيعة علاقتنا بالله سبحانه وتعالى؟
هلا استذكَرتَ أيام طفولتك لترى ما طبيعة العلاقة التي كانت تربطك بأبيك؟ لقد كنتَ تلتصق به إذا نظر إليك أحدهم في ضيافةٍ ما أنْ: «مَن هذا الذي يحَدِّق بيَّ يا أبتِ؟!»، فيقول لك: «لكنّه لم يلتهمك يا حبيبي! هو ينظر إليك فحسب». فتلتصق بأبيك أكثر ولسان حالك يقول: «لكن احضُنّي يا أبتِ كي أنظر إليه بسَكينة»، فيحضنك.

فكما كنت أيام صباك تحس بالأمن في صلتك بأبيك، عليك الآن أن تحس بالأمن في علاقتك بربك. لكن علاقتك بالله الآن منفصمة، إذ تحسب أنك أصبحت ذا شأن! دون أن تدري بأنك ما زلتَ ذلك الطفل البريء، وعليك أن تضع ربَّك مكان أبيك، وتلوذ به، وترتبط به بأواصر تزيد عن تلك بآلاف المرّات وتفوقها شدّةً ومتانةً.

تعليق