الطريق الوحيد معالم الأسرة الصالحة رحلة الأربعين تعرف علینا بقلم استاذ البريد الكتروني فیسبوک تويتر انستقرام تلغرام

جديدنا

۰۰/۰۲/۱۱ چاپ
 

ما هو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟ (المحاضرة22)

لماذا يُحيلنا الله تعالى إلى طاعة رسوله(ص) وطاعة أُولي الأمر؟/ تحوّلان طيّبان يحصلان لنا بطاعتنا لرسول الله(ص)/ طاعتنا لوليّ الله مؤشّر على صدقنا في طاعتنا لله

  • المكان: طهران، مسجد الإمام الصادق(ع)
  • الزمان: 27/أيار/2019 ـ 21/رمضان/1440
  • الموضوع: ماهو الذنب؟.. كيف تكون التوبة؟
  • A4|A5 :pdf

البعضُ يطيع اللهَ عز وجل لكنه ما إن يصل إلى مرحلة طاعة الرسول(ص) وطاعة ولي الله تراه يُخفق وينكُص على عَقِبَيه لأنه لم يُزَكِّ نفسَه. حين يأمره الله بأن: "أطِع وليّي أيضًا" يقول: "يا رب، أنت أيضًا لا أريدك!" من هنا يتبيّن أن أمثال هؤلاء لم يكونوا يطيعون الله حقيقةً!

 

علاقتنا مع الله تعالى "علاقة طاعة"

  • ينبغي في تعليمنا للدين أن نحدّد علاقتنا مع الله تعالى أكثر من تأكيدنا على الإيمان بالله والاعتقاد بوجوده، وإن نؤكد على أن علاقتنا مع الله عز وجل "علاقة طاعة". فعلاقة الارتزاق من الله، بل حتى علاقة تسبيحه وحمده هي علاقة عامة؛ إذ أنه «يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْض» (الجمعة/1)؛ المخلوقات جميعًا تمتلك هذه العلاقة مع الله سبحانه، إذن ليست هي خاصة بالإنسان. لكنّ ما فيه شرف الإنسان هو طاعته لله جلّ وعلا.
  • لكن لماذا تتوجّب علينا الطاعة؟ حسّ العبادة في كيان الإنسان يقتضي منه الطاعة من ناحية، ومن ناحية أخرى إننا قد خُلقنا - من الأساس - عبيدًا وإنّ هويتنا هي "العبودية"؛ هكذا تم تعريف وجودنا. فإن لم نصبح عبيدًا لله تبارك وتعالى صرنا عبيدًا لسواه.. عبيدًا لإبليس.. عبيدًا للطاغوت؛ ذلك أننا عبيدٌ ذاتًا. المتفرعنون أيضًا هم عبيد، وهم في حالة من العبودية، بشكل من الأشكال، لكنها – بالطبع - العبودية لإبليس، وصور أخرى من العبودية لغير الله تعالى.
  • لا بد لنا أن نبحث عن شيء اسمه "أمر الله"؛ وذلك لكي نبغض العبودية لغير الله من ناحية، ولكي تستيقظ فينا حلاوة العبودية لله تعالى من ناحية أخرى. ولحسن الحظ فإن الأوامر الإلهية قد صدرت وهي في مصلحتنا أيضًا، فالله عز وجل لم يُصدر يومًا أمرًا فيه خسرانُنا. إذ من المعلوم تمامًا أن جميع الأوامر التي وجّهها الله إلينا تصب في رُقِيّ أنفسنا، ورُقِيّ مجتمعنا. إنه نحن الذين لا نطلب منفعتنا، ولو كنا نفعيّين لكنا مطيعين!


لماذا يُحيلنا الله تعالى لطاعة رسوله(ص) وطاعة أولي الأمر؟

  • وصلنا في بحثنا هنا إلى مشارف العبودية لله عز وجل، وحين يصل الناس إلى هذه النقطة يدخلون في مرحلة ثانية وهي عُقدة النزاع الأساسية لجميع أنبياء الله مع الكافرين! إذ تلاحظون في القرآن الكريم أن الأمر إلى هذه النقطة ليس محل نزاع كبير؛ بمعنى أن التسليم لله عز وجل وامتثال أمره ليس بالأمر الشاق، وإنما يبدأ النزاع من الآن فصاعدًا. حول أي موضوع ينشب النزاع؟ يقول الله عز وجل: إن أردتم حقًا أن تطيعوني وأن تستقر هذه الطاعة في قرارة أنفسكم فأطيعوني بالواسطة أيضًا! وهنا يُحيلنا تبارك وتعالى إلى طاعة رسوله(ص) وطاعة أولي الأمر.
  • إن مقولة الطاعة هي على جانب من العُمق والغَور في كيان الإنسان بحيث لو أنك قلتَ لله تعالى: "سمعًا وطاعة" أيضًا فلن يُعلَم فيما إذا كانت حقيقة الطاعة قد تحقّقتْ عندك فعلًا أو لم تتحقق؟! إن هذا التحوّل هو على جانب من العرفانية حتى لَيتحتم عليك أن تقول لله "سمعًا وطاعة" وتطيعه من عمق كيانك! وهذا تحديدًا هو ما يقال عن "الإخلاص في العبادة والطاعة".


حقيقة الطاعة تُوصِل الإنسانَ إلى الحياة الطيبة

  • هذه الطاعة وهذا الامتثال يبلغ بالإنسان مقامًا عجيبًا إلى أبعد الحدود؛ إنه يوصله إلى الحياة الطيبة؛ وذلك قوله تعالى: «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَة» (النحل/97). في الحياة الطيبة تنشأ للإنسان عَينٌ وأذُنٌ غير عينِ رأسه وأذنه، وتتفتح حواسّه للتمتع بلذّات لم يعهَدْها من قَبل، ويرتقي إلى نمط آخر من الفَهْم. بل إن عيشَ المتنعّمين بالحياة الطيبة لا يقتصر على كونهم أناسًا صالحين، لا يذنبون، وأنهم يحيون حياة طاهرة! يوضّح العلامة الطباطبائي تعليقًا على مصطلح "حياة طيبة" بأن هؤلاء يُكرَمون "بحياة جديدة" تمامًا (الميزان/ ج12/ ص341)؛ فكأنهم يولَدون من جديد وتتفتح لديهم حواس جديدة، غير الرؤية بالعين والسماع بالأذن!
  • وللطاعة حدّ أدنى وحد أعلى. فحدُّها الأدنى هو ما نعرفه من الطاعة العادية. أما حدها الأعلى فإن أردنا نحن بلوغه فسنكون بحاجة إلى خلوص خاص.. إلى عمق في وجودنا. ولتحقق هذا العمق يقول لنا الله عز وجل: "إنك من المُفترَض أن تطيعَني، فلتطِعْني الآن بشكل غير مباشر؛ إنني آمرك أن تطيع ولِيّي أيضًا!" من هذه النقطة تبدأ المرحلة الثانية.


يُخفق البعض في المرحلة الثانية من الطاعة بسبب عدم تزكية نفسه!

  • حين يبلغ البعض المرحلة الثانية من الطاعة يُخفق في الامتحان ويَنكُص على عقبيه لأنه لم يُزَكِّ نفسَه. بل إذا أمره الله أن: "أطِع وليّي أيضًا" قال: "يا رب، أنت أيضًا لا أريدك!" بالضبط كما حصل يوم الغدير!
  • حين رفع رسول الله(ص) يد عليّ أمير المؤمنين(ع) (يوم الغدير) قائلًا: «مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاه... فَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَارِثَ بْنَ النُّعْمَانِ الْفِهْرِيّ، فَرَحَلَ رَاحِلَتَهُ... ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ(ص)... فقال: ...إِنَّكَ أَقَمْتَ ابْنَ عَمِّكَ فَجَعَلْتَهُ عَلَمًا وَقُلْتَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ... أَفَعَنْكَ أَمْ عَنِ اللهِ؟ قَالَ(ص): بَلْ عَنِ الله... فَنَهَضَ وَإِنَّهُ لَمُغْضَبٌ وَإِنَّهُ لَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ نَقِمَةً فِي أَوَّلِنَا وَآيَةً فِي آخِرِنَا...» فإني لم أعد أطيق هذا المنظر! أي إنه طلب العذاب بنفسه. فما إن خرج من عند رسول الله(ص) وابتعد قليلًا حتى سقط عليه حجر من السماء فأهلكه: «ثُمَّ أَثَارَ نَاقَتَهُ فَحَلَّ عِقَالَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَيْهَا، فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْأَبْطَحِ رَمَاهُ اللهُ [تَعَالَى‏] بِحَجَرٍ مِنَ السَّمَاء...» (تفسير فرات الكوفي/ ص505-506).


البعض إذا وصل إلى إطاعة رسول الله(ص) تبيّن أنه لم يكن يطيع الله حق طاعته!

  • البعض إذا وصل إلى إطاعة رسول الله(ص) يتبيّن أنه لم يكن يطيع الله تعالى حق طاعته. لأي شيء أوجبَ الله علينا إطاعة رسوله(ص)؟ أوّلًا لنكسبَ نحن في قضية الطاعة عمقًا كبيرًا وخلوصًا شديدًا؛ ذلك أنّ قبول الطاعة قضيةٌ في منتهى العمق. وثانيًا لأن الإنسان مخلوق معقّد ومتداخِل ولا بد أن يُعلَم بأنه لم يَمكُر في طاعة الله عز وجل! أي أن لا تكون القضية بأنه يُلزِمُ الآن نفسَه بطاعة الله ليرى متى يكون باستطاعته أن يفر منه جلّ وعلا! فالإنسان مخلوق معقّد متداخل ولا بد أن يُعلم بأنه لم يخدع نفسه؛ ذلك أنه أحيانًا لا يَفهم هو نفسَه!
  • من المفترض أن تُفَتِّح "الطاعةُ" حقائقَ وجودي، أنا العبد، وتوصِلَني إلى أقصى لذّاتي، وتجعلني في موقع العبد لكي أُدرك هويتي، وأتزوّدَ من علاقة العبد والمولى هذه بالتغذية والطاقة (فإنما بسبب هذه العلاقة يتزوّد الإنسان بالطاقة، وإن السبيل لتزويده بالطاقة هو هذه الطاعة تحديدًا). فإن كان من المفترض أن تحل كل هذه البركات بسبب العبودية "والطاعة" فإن علَيَّ، إذن، أن أعمِّقها في وجودي، ولتعميقها يقول الباري عز وجل لي: "أطِع ولِيّي!" فلكي يتبيّن أنّي لم أخدع نفسي في قضية طاعة الله، يقول تعالى لي: "أطع وليي!"


من عيوب ثقافتنا الدينية هو عدم الاهتمام "بعصيان الرسول والإمام" كنوع من الإثم/ طاعتُنا لوليّ الله مؤشّر على صدقنا في طاعتنا لله

  • في هذه المرحلة الثانية (أي مرحلة ضرورة طاعة رسول الله) تبرز - بمعزل عن عصيان الله تعالى - قضيةُ "عصيان الرسول" أيضًا وهو ما تكررت الإشارة  إليه في القرآن الكريم كثيرًا. وللأسف فإن هذا من نقائص ثقافتنا الدينية وهو أمر غير متداوَل أبدًا؛ أي "أن يرتكب امرؤٌ إثمًا بعصيان رسول الله(ص)، أو يرتكب إثمًا بعصيان صاحب الزمان(عج) والإمام الحَيّ الحاضر". على أن صاحب الزمان لا يأمرنا الآن بشيء، وإنّ ما ننفّذه من أوامر هي أوامر الله ذاتها. الأوامر التي من شأن "الإمام الحي" أن يوجهها لنا اليوم هي أوامر مصداقية؛ كأن يأمر: "اليوم افعلوا كذا وكذا...".
  • ومن المعلوم ما هي طاعة الله عز وجل؛ إنها الأحكام والأخلاق والمسائل التي نعرفها ونعمل بها إن شاء الله. لكن ما هي طاعة الرسول(ص)؟ إنها أوامر رسول الله(ص) على مستوى المصاديق والتي يتعين علينا امتثالها. ولكنّ الرسولَ ووصيَّه غيرُ موجودَين الآن، أفَيُعطَّل هذا الجزء من الدين؟! أهذا معقول؟!
  • إن إطاعة الرسول(ص) تحكيمٌ وتثبيتٌ لإطاعة الله تعالى، وإنها مع إطاعة ولي الله مؤشّر على صدق الإنسان في إطاعة الله عز وجل. وإن طاعة وليّ الله ترفع من مستوى طاعة الله وتعمّقها، وإنما يزدهر الإنسان بعد هذه الطاعة وحسب.


الآن، حيث لا رسولَ ولا إمامَ حاضر، ما مصير هذا الجزء من الدين (طاعة الرسول)؟

  • وهنا يُطرح هذا السؤال المهم: الآن، ورسول الله(ص) راحل عن هذه الدنيا وولي الله خلف حجاب الغيبة، هل يعطَّل هذا الجزء من الدين؟! فإن قال أحدهم: "هذا الجزء من الدين معطَّل في الوقت الحاضر"، فإنّ خبرته في الدين مخدوشة وإن تعريفه للدين خاطئ أو ناقص.
  • يخاطب الله عز وجل نبيه الكريم(ص): «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي‏ يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُم» (آل عمران/31). السؤال: في ماذا يكون اتّباع رسول الله(ص) اليوم؟ فإن صلّيتَ مثلًا، أفيكون في عملك هذا اتّباع لرسول الله(ص) أم لله تعالى؟ الصلاة أمَرَ بها الله نفسُه؛ إذن أنت هنا تتّبع الله. فما هو اتباع الرسول(ص) إذن؟ أوامر الرسول(ص) تتناول المصاديق؛ كأن يأمر: الآن وقت الحرب، الآن زمن السِلْم، وهكذا.
  • لكن ما مصير هذه الآية القرآنية في الوقت الحاضر ورسول الله(ص) قد رحل عنّا؟ هل ينتهي تاريخ صلاحيتها بانقضاء زمن حياة النبي(ص)؟ هل إن طاعة رسول الله(ص) لم يَعُد لها استعمال في الدين، ولم يبقَ لنا منها غير التاريخ؟ ماذا كانت الفلسفة من طاعة رسول الله(ص)؟ هل زالت هذه الفلسفة في زماننا الحاضر؟!


ألا يجب أن نطيع أحدًا بعد رسول الله(ص)؟!

  • لم يكن هذا الفَهْم قائمًا في صدر الإسلام، بعد رحيل النبي(ص)، بل كان الجميع يُقِر بأنه "تجب طاعة الخليفة، بالضبط كطاعة رسول الله!" ولم يكن النزاع آنذاك إلا في المعيار المُتَّبَع في اختيار الخليفة. فلم يكن لدى القريبين من عصر ظهور الإسلام هذا الفهم القائل: "لا يجب علينا طاعة أحد بعد رحيل رسول الله(ص)!" ولم يكن من نزاع إلا في المصداق؛ وهو أنه: مَن نطيع الآن؟
  • جاء في سورة الأحزاب حول ضرورة طاعة الله ورسوله: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم» (الأحزاب/36)؛ أي ليس من حق المؤمنين، إذا أمر الله أو رسولُه أمرًا، أن يقرّروا هم ماذا يصنعون، بل عليهم السمع والطاعة! ثم تتابع الآية القول: «وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا»؛ وقد جاء العصيان هنا بالنسبة إلى الله وبالنسبة إلى رسول الله معًا؛ أي عصيان المرء لرسول الله(ص) وعدم طاعته.
  • لكنّ آيات قرآنية أخرى اقتصرت على ذكر معصية الرسول(ص)، كقوله تعالى: «وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (هود/59). اللافت في الآية هو أنهم حينما عصوا رُسُل ربهم اتّبعوا الجبابرة! إنها الحقيقة ذاتها التي مر ذكرها؛ وهي: إنْ لم تطع ولي الله، فستطيع عدُوّه.


تحوُّلان طيّبان يحصلان لنا بطاعتنا لرسول الله(ص)

  • حينما نطيع رسول الله(ص) يحصل أمران: الأول هو أن طاعة الله عز وجل تثبت مصداقيتها بطاعة الرسول(ص)، والثاني هو أنها بها تبلغ الذرى؛ أي إنك بطاعتك لرسول الله(ص) تبلغ في درجات العرفان والازدهار المعنوي من العلُو ما لا تبلغه بألوان الامتثال العامة لأوامر الله عز وجل. وهنا تحديدًا يبرُز كمالُ تخطّي بعض الخصال الذميمة، فيحلّق الإنسان ويرتقي.


عقوبة معصية الرسول وولي الله أشد من عقوبة معصية الله!

  • إنك إن عصيتَ الرسول(ص) تكون قد عصيت الله تبارك وتعالى في الحقيقة، إلا أن عقوبة ذلك أشد من عقوبة معصية الله! فإن الله لا يتأذى إن عصيتَه: «لَا تَضُرُّهُ مَعْصِيَةُ مَنْ عَصَاهُ» (نهج البلاغة/ الخطبة193) "فلا يُغطّي سفحَ كبريائه غُبار!" لكن ما الذي سيحصل إن آذيتَ رسول الله(ص)؟ وكيف سترُدّ إن سُئلتَ عن عدم احترام حق ولي الله؟!
  • البلايا التي تحل بنا هي بسبب معصية رسول الله ومعصية وليّ الله أوّلًا، وإن أسوأ البلايا تنزل بسبب هاتين المعصيتين ثانيًا.
  • جاء مُلحد إلى المدينة ذات يوم وسأل أمير المؤمنين(ع) بضع أسئلة كان آخرُها أنه: لماذا تصفون رسولَكم بأنه «رحمة للعالمين»؟ كيف يكون رحمة للكافرين؟ أيّ رحمةٍ هذي التي يحملها للكفار؟ لا ينبغي أن تقولوا فيه: "رحمة للعالمين" بل قولوا: "رحمة للمؤمنين"!
  • فأوضح له أمير المؤمنين(ع) أن رسول الله(ص) – بالمناسبة - "رحمة للعالمين" أيضًا، أي منهم الكفار. فقال الملحد: كيف؟ فأردف الإمام علي(ع) أنه لكي لا ينزل البلاء بالناس بسبب عصيانهم لأوامر الرسول فإنه(ص) لا يصرِّح بأوامره في العادة، بل يتحدث بطريقة تترك في كلامه بعض الإبهام لكي يجد مَن يرغب في التملص خفيةً ذريعةً لذلك. لهذا فإنه رحمة للكفار أيضًا، لأنه لو كان يُصدر أوامره صريحة لنَزَلَ البلاء بالكفار حين يعصونها.
  • ثم ضرب أمير المؤمنين(ع) من قضية اختيار خليفة رسول الله(ص) مثلًا؛ بمعنى أن النبي(ص) قد انتهج نفس المنهج في تعريف الناس بخليفته من بعده، وإلا فلو أراد تبيين الأمر بصلابة وإصرار لنزل بكل من يخالفه العذاب، بالضبط كما نزل بأحدهم في حادثة غدير خم (تفسير فرات الكوفي/ ص505-506).


أحد أسباب استمرار غيبة صاحب الزمان(عج) هو عدم صبرنا على امتثال الأوامر!

  • إن موضوع عصيان الناس لرسول الله(ص) ونزول البلاء في إثر عصيانهم لولي الله هو على هذا الجانب من الجدية والأهمية! تخيّلوا الآن لو ظهر صاحب الزمان(عج) وأصدر أمرًا صريحًا فلم نصبر نحن على امتثاله، ماذا كان سيحصل؟ من هنا يسعنا القول إن أحد أسباب بقاء الإمام المهدي(عج) غائبًا هو عدم صبرنا نحن (على الطاعة)!
  • لطالما كان أمير المؤمنين(ع) يتراجع عن إصدار أوامر صريحة للناس. وفي أواخر عهد خلافته(ع)، ذي السنوات الخمس، تحدث ذات مرة عن إمامته، وبالإشارة! فإذا ببعض القوم يعتنق التشيع للتو بعد أن فهم أصل القضية. (في ذلك الزمن لم يكن ثمة شيعة، بالمعنى الحرفي للكلمة؛ أي من المؤمنين بإمامته(ع)، إلا القليل، فلم يكن الشيعة أكثرية!)
  • قضية نزول البلاء بسبب معصية ولي الله هي قضية في غاية الغرابة. فما الذي صنع إبليس، مثلًا، ليُطرد من حضرة الرب؟ لقد عصى ربه بصراحة بخصوص ولِيّه فأصبح رَجيمًا! وماذا صنع نبي الله آدم(ع)؟ عصى الله نفسَه، فتاب بعدها وقُبلتْ توبتُه. ولو كانت معصية آدم(ع) – والعياذ بالله – بهذا الثِقَل فلربما ما كان قد وُفِّقَ للتوبة!


ما هي أهم فوائد العمل بحلال الله وحرامه؟

  • في أي شيء هي حقيقة الدين؟ جاء في الحديث: «... وَلَمْ‏ يُنَادَ بِشَيْءٍ كَمَا نُودِيَ‏ بِالْوَلَايَة» (الكافي/ ج2/ ص18)؛ أي لم يرد التأكيد في الأمر على أي شيء من الدين كما ورد في الولاية! وليس الكلام هنا مجامَلة، بل إنه يرجع إلى حقيقة الدين!
  • تُرى ما الحكمة وراء التزامنا بتعاليم الله الأروَح - مثل الصلاة، والصيام، والزكاة، وحلال الله وحرامه - وأدائنا إياها؟ لا شك أنّ أهم فوائد ذلك هو أنه حين يأتي الدور لأوامر رسول الله(ص) ووليّه نكون مطيعين، ولا نعدل عن مسارنا، ولا نتملّص خفيةً، وأن نصل إلى حيث "نكون مستعدين لامتثال أوامر ولي الله".
  • أوامر الولي الفقيه اليوم ليس فيها تلك الصراحة الموجودة في أوامر ولي الله الأعظم. من هنا فإن فيها إمهال لمن يريد أن يتصرف بكُفر ويغطي على الحقيقة. إذن فنحن اليوم في عصر الفُرَص وعصر التمرّن. على أننا لا نريد أن نقول: "من الجيّد في زمان الغيبة أنه ليس ثمة أوامر إمامٍ معصوم!" فإن لم يكن ثمة أوامر الإمام المعصوم، فهناك أوامر نائبه! إذ من غير الممكن تعطيل هذا الجزء من الدين!
  • في وسط الأسبوع بلغَ الشهيدَ آية الله مدني، وكان من شخصيات الثورة البارزة، حُكماً من الإمام الراحل(ره) بأنه: "لقد عُيِّنتَ إمامَ جمعة مدينة كذا (همدان مثلًا)..." وكان تلك الليلة، حين بلغَه حُكم الإمام، في مدينة أخرى. وبمجرد أن تلقّى الشهيدُ مدني الأوامرَ، وهو العارف الواصل، قال من فوره لسائقه: "هلُمَّ بنا نذهب!" فقال له السائق: "ما زال هناك بضعة أيام إلى الجمعة، ولا ضرورة لانطلاقنا الآن. أنجز أعمالك المتصلة بهذه المدينة في الوقت الحاضر ومن ثم نذهب...". فأجاب الشهيد مدني: "إنه حُكمُ نائبِ إمام العصر(ع)! إن انطلقتُ الآن سيكون بوسعي أن أقول لربي: إلهي، لقد نفّذتُ الحُكم. أما إذا أجّلتُ الأمر إلى غَدٍ أو بعد غد فقد أفارق الدنيا فجأة وأنا غير منفّذٍ للحُكم!" أي يقول: "هذا أمر ولي الله" وينتفض من فوره، وينطلق.
  • لقد أُجريتْ على وصايا الشهداء إحصائية فتبيّن أنهم ذكروا كلًّا من سيد الشهداء(ع)، وكربلاء، وأبي عبد الله الحسين(ع)، وعاشوراء وأمثالها أربع مرات في كل وصية، بالمعدَّل وهذا، بالطبع، أمر طبيعي! لكنهم - وبالمعدَّل أيضًا - أكّدوا أربع مرات كذلك على اتباع القيادة والولي الفقيه؛ أي إن الشهداء، في تلك الحال الروحانية البهيجة التي كانوا يعيشونها قبل الشهادة، قد توصّلوا إلى ضرورة هذا الأمر.
  • من المؤكد أن متوسّط اتّباع الإمام القائد (الخامنئي) بين الذين يسيرون في هذا الطريق الإيماني خارج البلد هو أعلى من متوسّط اتّباعه بيننا نحن. ولقد صرّح السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته، من منطلق كونه شاهدًا، بأنه: "في إيران أيضًا لا تلقى أوامرُ السيد القائد الطاعةَ اللازمة!"


حتى عبر نظرةٍ ما وراءَ دينية فإن اتّباعَ قائدٍ، بصفات معيّنة، مفيد وضروري لأي مجتمع

  • حتى لو أننا وضعنا الدين وجميع المعتقدات الدينية جانبًا ونظرنا إلى الأوامر الدينية نظرة دنيوية لوجدنا أنه حتى لو لم تكن أوامرنا وتعاليمنا الدينية من الله فإنها - قاطبةً - مفيدة، بل وضرورية لأبداننا، ولأنفسنا، ولدنيانا، ولمجتمعنا. فإنّ اتّباعَ قائدٍ في مجتمعٍ ما، في مثل هذه الصفات ووفق هذه المقتضيات تحديدًا يُعَدُّ - بمعزل عن المعتقدات الدينية - نظامًا متقدِّمًا، بل أكثرُ تقدّمًا بكثير من الديمقراطية أيضًا! فمن المستحيل أن يسمح قائدُ مجتمعٍ كهذا للقوات العسكرية لبلده بالتوجه إلى بلد آخر وارتكاب مجزرة بحق الأبرياء. كما أن هذه الفرصة قد سنحتْ لنا مرارًا لكننا لم نقم بهذا الفعل. لكن انظروا ماذا صنعت "الديمقراطية" في العالم؟ لقد نهبتْ أموال شعوب العالم وارتكبتْ في حقهم المجازر ما وَسِعَها ذلك!
  • يدافع البعض عن ديمقراطية الغرب ومجتمعه الحر، وهو يرى بأم عينيه كيف يدعم الغربيون الكيان الصهيوني المجرم، بل إنهم هم من أسّسَه! ثم يُسَمّون هذه "أجواء حرة" ويطلقون عليه: "حكم الشعب"! أساسًا لا ينبغي الجدل مع أمثال هؤلاء، لأنهم قد شككوا في أبسط البديهيات! أوَهل يصوّت الناس في مجتمع حر على أن: "تعالوا نقتل الأطفال؟!"
  • أيُّ دولة ديمقراطية لا تدعم الكيان الصهيوني؟ أيُّ دولة ديمقراطية ليست خاضعة لهيمنة الصهاينة؟ هل الديمقراطية ذريعة لجعل الشعوب تحت سلطة الصهاينة من دون ضوضاء؟ انظروا "إسرائيل!" هي ثمرة ماذا، ومن الذي صنعها؟ أفهل صنَعَها غيرُ الحكومات الغربية الديمقراطية؟ واليوم جميع الدول الديمقراطية، كما تلاحظون، خاضعة للصهاينة؟ فعندما تَطّلعون على العالم وفق مقاييس دولية تجدون كلام الله تعالى: «عَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ» (هود/59) متجسِّدًا أيضًا.


عصيان الرسول(ص) هو عصيان مَن عيّنَ اللهُ لكم فضلَه

  • عصيان الرسول(ص) هو "عصيان الشخص الذي عيّنَ اللهُ لكم فضلَه"؛ بمعنى: لا تعصوا هذا الشخص، ولا تقترفوا ذنبًا كهذا! لكن من كثرة ما تغاضينا عن موضوع "عصيان الرسول" واقتصرنا في كلامنا على عصيان الله تبارك وتعالى فإن جوانبَ الدين هذه أخذت تتلاشى، شيئًا فشيئًا، من ذاكرتنا! والحال أنه لا بد لأساليب تعليم الدين أن تكون بحيث ما إنْ نعطي الطفلَ درسَ أصول الدين حتى يسألنا هذ الطفل: "حسنٌ، طالما أن رسول الله(ص) ليس الآن بيننا وأن الإمام المعصوم(ع) غائب فأوامر مَن نطيع يا ترى كي تتحقّق حقيقةُ الدين؟"
  • قد يقول البعض في هذه النقطة من البحث: "لماذا تَقِفونَ أصلَ التديُّن وحقيقةَ تديُّنِ الفرد على اتّباعه لشخص معيَّن؟!" والجواب بسيط: هل أبواك معصومان؟ أهُما علّامَتان؟ لكن ليس لك أن تسافر من دون إذنهما حتى لو كنت آية الله! فهذا حرام وصلاتُك، إن فعلتَه، غير مقبولة. مع أن أبويك قد لا يكونا من أهل النظر في أمور الدين. والمثال على ذلك قصة أُويس القَرَني، الذي قصد المدينة من مسافة بعيدة لرؤية رسول الله(ص)، فعاد أدراجه من دون رؤيته(ص) بسبب أُمّه، وهي لم تكن مسلمة أيضًا!


ليس من العجيب أن يرتبط كل ديننا باتّباع شخص واحد/ إنّ أصلَ الدين هو: "أنك أمرُ مَن تمتثل؟"

  • ليس من العجيب جدًّا أن يرتبط كل دينك باتّباع شخصٍ واحد! لقد خُضنا هذه التجربة مع الأبوين، والحال أن رأيهما ليس صائبًا دائمًا. فإنّ عاطفةَ أُمٍّ قد تكبّل حياتَنا كلّ تكبيل، أما هنا (في قضية ضرورة اتّباع أوامر ولي الله) فإنّ القضيةَ قضيةُ كرامةِ أُمّة، قضيةُ استقرار مجتمع وأَمْنِه وصموده! وهذا ما لا يفهمه البعض!
  • لقد رسختْ حقيقة الدين على عهد رسول الله(ص) بحيث كانت "أوامر وليّ أمر الأُمّة الإيمانية أشد الأوامر قداسة". النبيُّ الأعظم(ص) والآياتُ القرآنية كانوا قد رسَّخوا في أذهان الناس أنّ أصل الدين هو "أنّك أوامرُ مَن تمتثل؟" أما الآن فقد عمِدَ الكثيرون إلى فصل الدينَ عن "امتثال أمر ولي الله".
  • إن الجريمة التي اقتُرفتْ وأدّتْ إلى تربُّع أفرادٍ مثل يزيد بن معاوية على سُدّة الحُكم كانت مُصادَرة هذه "القيادة المقدَّسة" مع منزلتِها ووضعِها تحت تصرّفِ أمثالِ يزيد. لقد قُتل الإمام الحسين(ع) في سبيل حقيقة الدين، تلك الحقيقة التي صُودِرَت! (وإلا فلم يكن لأولئك مشكلة مع باقي أقسام الدين؛ فلقد كانوا يُصَلّون، ويصومون، ...الخ، ولم يتعرّضوا إلا إلى هذه القضية بالذات، وهي قيادة الأمة).
  • لقد فعل الحسين(ع) باستشهاده ما جعل الناس تتبيّن وتفهم مَن الذي يوجّه إليهم الأوامر! الحق أنّ الحسين(ع) بشهادته لم يُبقِ لتيار الخلافة وَجاهة؛ فلم يَعُد الخلفاء من بعده يجرؤون على صُنعِ ما كانوا يصنعون. فلقد كان الخليفة يقول فجأة: "اليوم أربعاء لكننا نرغب في إقامة الجمعة اليوم"!
  • أساس دولة صاحب الزمان(عج) هو تحقق ولاية وَليّ الله الأعظم في الأرض؛ تلك الولاية التي من بركاتها العَدل، ومن ثمارها الأمن. الأساس هو أن هذه الولاية مُمكنة. وإنه لا بد للتمهيد للظهور أن يكون، هو الآخر، من جنس الظهور! من هنا فإن أساس التمهيد هو إقامة مجتمع ولائي، وهو ما حصل منذ انتصار الثورة إلى يومنا هذا.

تعليق